كيف أحبطت «العملية الشاملة» مخطط داعش لاستهداف الانتخابات؟
كشف الإصدار المرائي الذي بثه عناصر تنظيم داعش الإرهابي في سيناء، أمس، تحت اسم "حماة الشريعة"، قدرة القوات المسلحة والشرطة المصرية على إحباط مخطط إرهابي كبير لاستهداف الانتخابات الرئاسية المقبلة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، عبر انتحارييه، فضلًا عن تأكيد الوجه القبيح لجماعة الإخوان وعلاقات عناصرها بالتنظيم الإرهابي في سيناء.
أكد الإصدار المرئي- الذي فضح التنظيم- أهمية العملية العسكرية "الشاملة 2018"، لإنقاذ مصر من المخططات الإرهابية وقطع الطريق أمام قوى الشر التي سعت لاستهداف المواطنين ومؤسسات الدولة خلال الفترة المقبلة.
كانت وزارة الداخلية قالت في بيان أصدرته الجمعة الماضي- بعد انطلاق العملية الشاملة بساعتين- إن قطاع الأمن الوطنى رصد صدور تكليفات إلى الإرهابيين المنتمين لـ"حسم"، لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية المتزامنة تجاه المنشآت والمرافق المهمة والحيوية والقوات المسلحة والشرطة، خلال الفترة المواكبة لبدء إجراءات الانتخابات الرئاسية، حيث تمكنوا من ضبط 14 إرهابيا وتصفية 3 آخرين.
خلال نصف ساعة كاملة، بثها التنظيم الإرهابي، ووجهها إلى التيارات الإسلامية، للتشكيك في الانتخابات والديمقراطية، معتبرها "عمل شركي"- على حد قولهم- وهو ما يستوجب الثورة عليه والانضمام إلى صفوف من وصفهم بـ"الاسشتهاديين"، بزعم أن ذلك ما أمر به الله ورسوله.
حرص الإصدار على إظهار التناقض في قول عدد من قيادات التيار السلفي، كالاستعانة بأقول ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية قبل عام 2010، وهو يتحدث عن أن الانتخابات من الأعمال المحرمة إلى الله، ثم لقطات أخرى متناقضة أثناء مشاركته في انتخابات 2012، و2014، فضلًا عن القياديين السلفيين محمد عبدالمقصود، الهارب في تركيا، ومصطفى العدوى. ويسعى التنظيم من ذلك لاستقطاب عناصر جديدة من أبناء التيار السلفي والإخوان لتعويض الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي فقدها خلال الفترة الأخيرة جراء الضربات الناجحة للقوات المسلحة.
تحدث أحد عناصر التنظيم يدعى أبو محمد المصري- خلال الإصدار- قائلًا: "يا جنود الدولة في مصر، افسدوا عليهم الانتخابات وأريكوا دماءهم، ونحذر عامة الناس في مصر وسيناء من الاقتراب من مقرات الانتخابات فهي لنا أهداف مشروعة".
كما فجر التنظيم مفاجأة من العيار الثقيل بكشفه عن انضمام عمر إبراهيم الديب، نجل القيادي الإخواني إبراهيم الديب الهارب لتركيا إلى صفوفه في سيناء. وذكر أن نجل القيادي الإخواني سافر إليهم وأنضم إلى صفوفهم من أجل ما وصفوه بـ"نصرة الحق"، بعد مشاركة والده وأهله وأقاربه ومساندة "النظام الشركي" لجماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، بحد وصفهم.
ونشر التنظيم فيديو أثناء جلوس نجل القيادي الإخواني مع عناصره في سيناء، حيث وجه رسالة إلى أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، مؤكدًا أنهم يسيرون على دربه، ومعترفًا بمشاركته في عمليات ضد أكمنة الجيش والشرطة، وقال إنه هاجر إلى سيناء بعدما رأي "السلمية عار"، وأن ما وصفه بـ"الجهاد هو السبيل الوحيد"، حيث ذكر التنظيم أنه أُرسل إلى القاهرة في خلية أمنية لهم، فقتل بعد القتال.
تأتي رواية التنظيم الإرهابي متفقة تمامًا مع ما ذكرته وزارة الداخلية ببيانها الصادر في سبتمبر 2017، بإن مجموعة من العناصر التكفيرية الهاربة من شمال سيناء اتخذت شقتين سكنيتين بمنطقة "أرض اللواء" بمحافظة الجيزة وكرين للاختباء وعقد لقاءاتهم التنظيمية والإعداد لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية بنطاق محافظات المنطقة المركزية، حيث تم التعامل معهم عقب استئذان نيابة أمن الدولة العليا- موضحة أن القوات تعاملت مع تلك العناصر، وأسفر ذلك عن مصرعهم جميعًا "وعددهم ثمانية أشخاص".
وذكر البيان أن من بين الأسماء التى لقيت مصرعها عمر إبراهيم رمضان إبراهيم الديب من مواليد 3121994 القاهرة ومطلوب ضبطه واحضاره فى القضية رقم 792017 حصر أمن الدولة "تحرك للعناصر الإرهابية بشمال سيناء".
وخرجت جماعة الإخوان وقنواتها الفضائية بعدها تنعي "الديب"، مؤكدة أن وزارة الداخلية قد قتلته، زاعمة أنه يدرس في الخارج وسافر إلى القاهرة لأداء عطلته السنوية بين الأقارب فقتلته الداخلية في إطار تصفيتها لأعضاء الجماعة.
لم يكن "الديب" الإخواني الأول الذي انضم إلى صفوف تنظيم داعش بسيناء، فقد شهد عام 2016، ظهور طالب كلية الإعلام بجامعة الأزهر عبدالرحمن الغرابلي، الذي شارك في اعتصامات رابعة وتأثر بالجماعة وقرر بعدها اعتناق الفكر السلفي الجهادي، والانضمام إلى صفوف الجهاز الإعلامي لتنظيم داعش في سيناء.
كان قبله يحيى سعد المنجي، في 2014، وهو نجل القيادي الإخواني المنجي سعد الزواوي، الذي انضم إلى تنظيم "بيت المقدس" في سيناء، من مدينة بلقاس بالدقهلية، وكون خلية للتنظيم في مدينة المنصورة ونفذوا عمليات سرقة وسطو مسلح على مكتب البريد وسرقة مصف مليون جنيه، فضلًا عن تنفيذ عمليات إرهابية، بحسب اعترافاتهم أمام النيابة.
المعروف في أدبيات التنظيم الإرهابي في سيناء "بيت المقدس" وبعده ما أطلق عليه "ولاية سيناء"، هو عدم الاعتماد على العناصر الإخوانية أو السلفية في المناصب القيادية، وكان يضع عليهم محاذير كبيرة غير أن السماح لهم بالانضمام إليهم قد تغيرت بعد 2011، ثم فض رابعة العدوية في أغسطس 2013، وأصبح انضمام هؤلاء الأفرد يتم وفق معايير معينة، لكن يحرم عليهم أيضا العمل القيادي والاقتصار عليهم كجنود أو "انتحاريين".
في عام 2013، أصدرت جماعة أنصار بيت المقدس، فيديو كشف عن أن منفذي عملية النقب، التى استهدفت دورية للجيش الإسرائيلى عند الحدود المصرية- الإسرائيلية، أحدهم نجل قيادي إخواني بارز، أحمد وجيه، من "حى ميت خانقان" التابع لمدينة شبين الكوم، المنوفية.
من جانبه، قال مصطفى زهران، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إن الفكرة الرئيسة التى يحملها المقطع التسجيلي المصور ترتكز على أن "الحاكمية" لله تعالى في أمور البلاد، وهو ما يعتبرها التنظيم تتناقض مع الانتخابات والديمقراطية التي تراها هذه التنظيمات المتشددة - آلية كافرة يجب اسئصال شافتها.
ولفت "زهران"، في تصريحات لـ"الدستور"، إلى أن اختصاص الإخوان والتيارات السلفية هو تأكيد من التنظيم أن "الأهواء والمصالح الذاتية والحزبية " هي الأساس الذى انطلقت منه تلك التصورات لدى تلك التيارات والأحزاب الاسلامية، وليس انطلاقا من الدين وأولوياته الفقهية والعملياتية، حيث سعى التنظيم في المحصلة نحو كسب نقاط على حساب خصومة من الإسلاميين.
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن الإصدار يعري التنظيم نفسه ويكشف مخططه، حيث وضعت القوات المسلحة خطة استراتيجية كاملة قبل تنفيذ عملية "سيناء 2018"، ولديها جميع المعلومات والبيانات التي حصلت عليها من أجهزة المخابرات، مما استدعى قيامها بعملية تطهير المنطقة من الإرهاب وحالة الفوضى.
وكشف نور الدين، في تصريحات خاصة، أن أجهزة الأمن حصلت على وثائق خطيرة بشأن تخطيط تلك الجماعات المتشددة لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة خلال فترة الانتخابات الرئاسية بهدف زعزعة الاستقرار، وترويع المواطنين الآمنين إلى جانب إثارة البلبة من خلال الحرب الإلكترونية التى يشنونها على أبناء القوات المسلحة.
واتفق معه في الرأي، العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري، إن عملية سيناء 2018 أنقذت الدولة من مخططت كبرى، حيث جاءت شاملة تشمل ثلاث جبهات على التوازي، هي جبهة سيناء ومناطق داخل الدلتا والجبهة الغربية وهي الظهير الصحراوي للضغط على معاقل الإرهابيين، وذلك بناءً على معلومات من أجهزة الاستخبارات التي رجحت أماكن تواجد الإرهابيين فيها وتم التجهيز للعملية بشكل مُحكم.
وذكر أن رؤية القوات المسلحة بأن تكون هناك إجراءات احترازية، وضربات استباقية للحد من العمليات الإرهابية بالتزامن مع اقتراب فترة الانتخابات الرئاسية.