أبومحمد المقدسى.. مُنظر الدم بالجماعات الإرهابية
يعتبر أبومحمد عاصم محمد طاهر البرقاوى أو أبو محمد المقدسى، أحد أبرز المنظرين للجماعات الإرهابية، فعند مطالعة مؤلفاته، لا يمكنك أن ترى غير أنه يكفر كل من تظله السماء وتقله الأرض، من غير أولئك الذين لا يتبعون منهجه ويسيرون على طريقته، فالرجل يكفر الراعى والرعية، يكفر من بنى المساجد والمدارس ويكفر روادهما، يكفر الجيوش والجنود، ويكفر من قبل بوجودها، فى ظل من أسماهم «الحكام الطواغيت»، بل ويزيد على ذلك بتوسيع مصطلح الطواغيت ليشمل جزءًا من الرعية.
ينطلق منهج المقدسى في التكفير من مبدأ الحفاظ على (التوحيد)، الذى لا يكاد يعرفه سوى من منظوره الخاص الذى يخالف فى جملته ما استند إليه من أصول علمية، مما جعل الكثير من العلماء المعاصرين يصفونه بالجهل لعدم استناده إلى قاعدة علمية تمكنه من فهم الكتاب والسنة، فصار التوحيد لديه أشبه بشىء لا وجود له فى الحقيقة، ولا يمكن الاعتماد على قواعده التى وضعها فى قياس أفعال المسلمين حكامًا ومحكومين عليها، فقد اعتبر المقدسى أى تشريع حتى وإن كان فى شكله الإدارى، مخالفًا لكمال التوحيد.
ورغم أن المقدسي من الذين يرددون أنهم يحملون لواء التوحيد، فإن شهادة المحيطين به تظهر خلاف ذلك، فقد ذكر الشيخ عبدالعزيز الريس فى كتابه «تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد»، رواية تؤكد أن المهنة الرئيسية للمقدسى هى "السرقة"، وأن اللصوصية هى مصدر رزقه، قال الريس إن أحد المقربين من المقدسى سأله عن عمله الذي يتكسب منه، فقال: على أموال «السيخ والنصارى» يعنى سرقة أموالهم.. وأورد عددًا من الروايات على ذلك، وأكد أن المقدسى في رده بين أنه يستند فى ذلك إلى أصل شرعى يستحل به أموال «الكافرين» وأعراضهم، وقد ذكر الريس أيضا فى كتابه رواية أخرى عن سرقة المقدسى أموال أحد الجنود فى الكويت، بحجة كفره وأنه من أنصار الطواغيت، فأرسل أحد أتباعه فسرق محفظته وسلاحه.. والمقدسى يرى استحلال أموال الشرطة، وبناء عليه فقد سرق سلاح ومال الشرطى الكويتى.
والسؤال هنا: هل السرقة من كمال التوحيد؟
وكما ذكرنا، فإن المقدسى يكفر كل من تقله الأرض ممن لا يتبع منهجه، وقد تأثر المقدسى فى ذلك بفصيلين هما جماعة «جهيمان العتيبى» التى احتلت الحرم المكى عام 1979، والتقى المقدسي عددًا من قيادات هذه الجماعة التى كانت ناشطة فى الكويت، بل وانضم إليها في فترة الثمانينيات، ورغم ذلك فقد اختلف مع بعض رموزها حينما بالغ في مسألة التكفير، فتركها.
والمؤثر الثانى فى فكره، هو تنظيم القاعدة فقد سافر المقدسى إلى أفغانستان، وتعرّف على مشايخ رموز التنظيم، وشارك ببعض الأنشطة التدريسيّة والدعوية فى المعهد الشرعى للقاعدة بتزكية من الشيخ سيد إمام المعروف بالدكتور فضل، بل وتعاون معه فى القضاء الشرعى فى معسكر التنظيم، وكانت له علاقة طيبة بأيمن الظواهرى وأبى عبيدة البانجشيرى وأبى حفص المصرى وأبى مصعب السورى وغيرهم، وهناك كانت أوّل طبعة من كتابه " ملّة إبراهيم ".
تكفير المجتمعات الإسلامية
صنف المقدسى عدة مؤلفات، أهمها، كتاب «ملة إبراهيم» الذى يشبه كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، وكان للكتاب أثر كبير في فكر الجماعات الإرهابية كتأثير كتاب المعالم.
يقوم كتاب «ملة إبراهيم» على فكرة مفادها الأخذ بملة الخليل إبراهيم عليه السلام الذى أمرنا الله بالاقتداء به كما في نص الآية الكريمة: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ».
وفى هذا الكتيب يتبرأ المقدسى وأتباعه من كل منهج يخالف منهجهم بحجة مخالفته لملة إبراهيم عليه السلام، وقد وجه المقدسى سهام التكفير للمساجد والبرلمانات والجيوش ومنها:
مساجد الضرار
وصف مساجد الضرار في كتابه "تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار" فقال:
"هو الذى يؤسسه كافر، أو منافق بناء على طلب أو أمر أو توصية من كافر، قال تعالى في صفة مسجد الضرار: (وَكُفْرًا)، فالمنافقون هم الذين أسسوه وبنوه بناء على طلب وتوصية من أبى عامر الراهب الكافر».
ويوضح أكثر فيقول: ومسجد يؤسسه الكافر لن يُؤسس قطعًا للمّ شمل الموحدين والتأليف بين قلوبهم، كلا؛ وإنما يؤسسه إرصادًا لمن حارب الله ورسوله كما سيأتى، ولبسًا للحق مع الباطل وخلطًا للشرك مع التوحيد وتمييعًا لقضية الولاء والبراء بأن يجمع فيه بين أهل الشرك وأهل التوحيد ويخلط فيه أهل الحق بأهل الباطل ويمزج فيه بين ذكر الله وذكر الطاغوت، كما يجرى دوما في المؤتمرات التي تعقد في المساجد الكبيرة والضخمة التي يؤسسها الطواغيت، فقد رأينا النصارى والقسيسين والرهبان والعلمانيين والملاحدة يجتمعون مع مشايخ الحكومات، ويشاركون في تلك الندوات ويخطبون في الجموع في المساجد التي تعقد بها تلك الندوات؛ فلا يليق بمسلم يعرف توحيده أن يشاركهم فى شىء من ذلك".
تكفير المدارس
ولم تسلم المدارس أيضا من سهام التكفير فقال في كتابه "إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس":
"وأذكر للقارئ خلاصة ما خرجت به من تجارب يسيرة فى هذا المجال..
- الطواغيت لا يرضون ولن يرضوا أبدا بإقامة مدارس على منهاج النبوة فى بلادنا التى يحكمونها بقوانينهم الكافرة ويتحكمون بسياساتها ويتسلطون على شعوبها ويطوعونهم لخدمة أسيادهم من الغربيين الكفرة.. وهذا مصداقا لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» (لأنفال:36).
- ولذا فإن محاولة إقامة مدارس موسعة بصورة رسمية على منهاج السلف فى واقع الطواغيت ودولهم اليوم أمر يكاد يكون ميؤوس منه اللهم إلا فى ظروف خاصة وحالات نادرة فى بعض الدول الفقيرة التى تعيش أنظمتها حالة من الفوضى واللامبالاة.
- إن مشاركة المسلم فى هذه المدارس وزجه بأولاده وفلذات كبده فيها أمر يتعارض مع عقيدته وتوحيده وشرعه.."
الجيوش والحكام
واعتبر المقدسي أن من يرفض تكفير الجيوش ما يستند إلا لمجرد شبهات، فقال في كتابه " كشف شبهات المجادلين عن عساكر الشرك وأنصار القوانين":
"فهذه شبهات طالما سمعناها تتردد على ألسنة كثير من المجادلين عن جُند الطواغيت وعساكر القوانين حتى بلغ الأمر أن تلقفها منهم أولئك العساكر المشركون الذين لا يعرفون من الدين إلا الاسم ولا من معالمه إلا الرسم وصاروا يجادلون بها الموحّدين ويُمارون بها المسلمين لتسويغ شركهم وباطلهم ونصرتهم للطاغوت الذي أمر الله أول ما أمرهم أن يجتنبوه ويكفروا به .
وهذا الأمر ـ أعني كفر هؤلاء الحكام الطواغيت ـ هو عند من فقه دينه وعرف توحيده أوضح من الشمس في رابعة النهار ولكن ليس من عجب أن يتشوش ضوء الشمس على من في عينيه رمد.
البرلمان والناخبون
وامتدت سهام التكفير إلى البرلمانات والناخبين فقال في كتابه: الجواب المفيد بأن المشاركة في البرلمان وانتخاباته مناقضة للتوحيد":
"أما المترشّح ، المباشر للنيابة عن الشعب في التشريع .. فقد تقدم أنه الطاغوت والرب الذي اختاره من اختاره من الناس، ليصرفوا له عبادة التشريع .. ليشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله .
فهو مشرك كافر عندنا، ولو لم يفز بالانتخابات، ولو لم يباشر التشريع فعلاً، ما دام قد ارتضى بهذه الوظيفة الكفرية، وسعى إليها ودان بهذا الدين الشركي الذي ينيط التشريع بغير الله، ودعا إليه، وحشد الناس والطاقات جاهداً ليحرز مقعداً في مجلسه فهو حين لم يحرزه .. وخاب في انتخاباته، لم يتركه كفراً بهذا الدين ولا براءة من الدستور ولا اجتناباً للطاغوت أو تحقيقاً للتوحيد، بل أضلّ من تابعوه وناصروه وأعانوه، وحرضهم على الشرك، ودعاهم إلى اختياره رباً ومشرعاً وكان حريصاً على ذلك.
أما المنتخِب (بكسر الخاء) : فقد علمت أن حقيقة ما يقوم به حين يدين بهذا الدين الشركي ، أنه يختار مشرّعاً (رَبّاً) من أولئك الأرباب المتفرقين !! لينيط به التشريع ، وينيبه عنه في هذه الوظيفة الشركية"
ورغم ذلك فقد استثني الأحزاب الإسلامية المشاركة في الانتخابات باعتبار أنهم مجتهدون وأن لديهم تأويلات في هذه القضية رغم بطلان هذه التأويلات من وجهة نظره.
ولا شك أن هذه الفكر المسموم هو الذى تتبناه كل الجماعات الإرهابية التي تكفر المسلمين، وقد رد العلماء على كل نقطة فيها وبينوا ضلالهم، وجهلهم بأمور الشرع.