السرورية.. سرقة السلفية العلمية بتوقيع الإخوان
يعتبر تيار «السرورية» نموذجا مثاليا لتطور وتشابك العلاقات داخل الحركات الإسلامية، كما يعد انعكاسا حقيقيا لتأثر الجماعات الإسلامية ببعضها، وقد نشأ «السرورية» بين تيارين، أحدهما يتبنى الجانب الحركي، ويتمثل في جماعة الإخوان المسلمين كجماعة سياسية سلطوية تجعل الجانب العلمي في مرحلة متأخرة عن الجانب الحركي، وتقدم السياسة على الدعوة، وبين تيار السلفية العلمية الذي يستند إلى الجانب العقدي، ويؤمن بأهمية تغليب الشرع على المصلحة أيا كانت، وفي الغالب لا يخرج هذا التيار عن طاعة الحاكم، فلا تجد له ذكرا في مغالبة الحكام في أمور السياسة، فهم يسيرون وفق منهج إسلامي يدعو إلى تقديم الكتاب والسنة، وفق سلف الأمة.
بين هذين الاتجاهين، ظهر التيار «السروري» ليجمع بين الجانب الحركي لدى جماعة الإخوان المسلمين، خاصة التيار القطبي، الذي يعتبر سيد قطب منظّره وموجهه الأول، وبين السلفية العلمية المحافظة، التي تتبنى منهج ابن تيمية ومحمد ابن عبدالوهاب.
حمل لواء المزج بين الجانب الحركي والتوجه السلفي، محمد زين العابدين سرور، الذي نشأ تحت جناح جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الذي كان يتزعمه مصطفى السباعي، والذي وقع انشقاق داخله عام 1969، على خلفية فك الارتباط السياسي للوحدة العربية بين مصر وسوريا، واستفراد البعثيين بالحكم السوري، ووقعت خلافات بين الإخوان والنظام السوري على غرار ما وقع بين الإخوان ونظام جمال عبدالناصر في مصر، فانقسمت الجماعة إلى فصيلين، أحدهما أخذ الجانب الصوفي، بقيادة عبدالفتاح أبوغدة، واستمر هذا الجناح تحت لواء التنظيم الدولي للإخوان، وأطلق عليه جناح «حلب وحماة»، أما الجناح الآخر فكان له اتجاه قطبي، نسبة إلى أفكار سيد قطب، وتمثل في جماعة دمشق بقيادة عصام العطار، وهو الجناح الذي مال إليه محمد زين العابدين سرور الذي كان من القيادات الوسطى للجماعة في سوريا.
تشبع سرور بأفكار سيد قطب التي كانت منتشرة بشكل واسع في ذلك الوقت، كما تبنى أفكار شقيقه محمد قطب الشارح الأكبر لمؤلفات سيد قطب.
وعلى خلفية هذا الصراع ووسط هذه البيئة، انتقل محمد زين العابدين سرور إلى المملكة العربية السعودية، للعمل هناك، وبدأ نشاطه في منطقة القصيم، واستطاع أن يجتذب الكثير من الأتباع، كما أسس وساهم في العديد من الجمعيات لنشر دعوته تحت غطاء العمل الخيري والنفع العام، إذ لم يكن هناك مجال للشعارات التي تطلقها الجماعة خارج السعودية نحو تطبيق الشريعة وغيرها، فالشريعة مطبقة في المملكة، بشكل رسمي.
انتقل محمد سرور إلى الكويت، بعد طلب المملكة منه، والتقى هناك سيد عيد أحد كبار الإخوان، الذي كان مسجونا مع سيد قطب ثم اختلفا، وأسس كل منهما جماعة مستقلة، وتعاون في الكويت مع الشيخ حسن أيوب وغازي التوبة، وهما من جماعة الإخوان.
ورغم نفي السرورية أنهم جماعة جديدة إلا أن هناك اعترافا من زين العابدين نفسه بذلك، كتبه بقلمه في مجلته «السنة»، العدد 29، ص «89»، بعنوان «الوحدة الإسلامية»، قال فيه: «ولا يحق لأي جماعة مهما كان منهجها سليما، الادعاء بأنها جماعة المسلمين، ولا يحق لأمير هذه الجماعة أن يطلب البيعة لنفسه كما كان يطلبها خلفاء المسلمين، ولكن يحق لهذا الأمير ومن حوله أن ينظموا أمورهم كمؤسسة دعوية تعمل من أجل أن يكون الدين كله لله في الأرض، ويقتضي هذا التنظيم أن يكون للمؤسسة رئيس، ونائب للرئيس، ومسئولون عن الأقسام والفروع، وأوامر تصدر فتطاع ؛ إلا ما كان مخالفا للكتاب والسنة».
وهذا اعتراف من سرور بأنه أسس جماعة لها تنظيم وقيادة، رغم نفي أتباعه ذلك.
ومن أصول «السرورية»» تكفير حكام الدول العربية، وقد ألقى زين العابدين سرور محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إنجلترا عام 1996، صرح فيها بتكفير الملك فهد بن عبدالعزيز والنظام السعودي.
واشتهر «السرورية» بالهجوم على العلماء، وقد هاجم سرور «هيئة كبار العلماء» بالمملكة السعودية في مجلة «السنة» بشكل ساخر، وقال في العدد 26 سنة 1992- 1413ﻫـ، صفحة «2- 3»: «للعبودية طبقات هرمية اليوم، فالطبقة الأولى يتربَّع على عرشها رئيس الولايات المتحدة (جورج بوش)، وقد يكونه غدا (كلينتون)، والطبقة الثانية: هي طبقة الحكام في البلدان العربية، وهؤلاء يعتقدون أنّ نفعهم وضررهم بيد بوش، ولهذا فهم يحجُّون إليه، ويقدمون إليه النذور والقرابين، والطبقة الثالثة: حاشية حكام العرب من الوزراء، ووكلاء الوزراء، وقادة الجيش، والمستشارين؛ فهؤلاء ينافقون أسيادهم، ويُزَيِّنون لهم كلّ باطل، دون حياء ولا خجل ولا مروءة، والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة: كبار الموظفين عند الوزراء، وهؤلاء يعلمون أنّ الشرط الأوّل من أجل أن يترفعوا، النفاق والذل وتنفيذ كلّ أمر يصدر إليهم...».
وتوفى محمد زين العابدين سرور عام 2014م، وترك خلفه الكثير من المتأثرين بمنهجه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومنهم رموز ومشاهير يحملون ذلك الخليط من الحركية القطبية والسلفية العلمية المشوهة.
فقد وصف تلميذه «سفر الحوالي» الإمام الألباني، بأنه من المرجئة في كتابه «ظاهرة الإرجاء»، الذي هاجم فيه كل المجتمعات الإسلامية المعاصرة، واتهم الشيوخ والعلماء والقادة والرعية فيه بـ«الإرجاء».
ومن رموز السرورية في المملكة كل من سلمان العودة، وناصر العمر، وعائض القرني، ومحمد العريفي وغيرهم، وقد تأثر بهم الكثير من الشيوخ خارج المملكة العربية السعودية خاصة مصر، ومنهم الداعية الشهير محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، والشيخ مصطفى العدوي وأبوإسحاق الحويني وغيرهم الكثير.
كما لعب «السرورية» دورا بارزا فيما يسمى ثورات الربيع العربي، خاصة في دعم الثورة السورية، وتحول عدد كبير من أتباع السرورية للعمل مع الجماعات المسلحة، ووقّع عدد من رموز التيار السروري، منهم سلمان العودة، على البيان الختامي الذي عقده المجلس التنسيقي الإسلامي العالمي «مساع» تحت عنوان «موقف علماء الأمة تجاه القضية السورية»، ونص البيان الصادر في يونيو 2013 على «وجوب النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة، وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة القتل والإجرام للنظام الطائفي، ووجوب العمل على وحدة المسلمين عموما في مواجهة هذه الجرائم، واتخاذ الموقف الحازم الذي ينقذ الأمة وتبرأ به أمام الله الذمة، كل حسب استطاعته».
وقد استجاب الكثير من شباب التيار الإسلامي لهذا البيان، وتشكلت منهم أغلب الجماعات المسلحة المتصارعة في سوريا والعراق، ويسيطر «السرورية»، اليوم، على عدد كبير من المراكز والجمعيات الإسلامية، والقنوات الفضائية في الكثير من الدول الإسلامية.