«الدعوة الفردية».. الخلطة السرية لتجنيد الشباب في جماعة الإخوان
قد يظن الكثيرون أن تجنيد الشباب في الجماعات الإرهابية، يتم بشكل عشوائي، لكن الواقع يؤكد أن الأمر يخضع لخطة محكمة أعدها خبراء وقيادات هذه الجماعات، خاصة الجماعة الأم الإخوان المسلمين، وهو ما يجعل التعرف على هذه الخطة أمرًا في غاية الأهمية لمعرفة كيفية التعامل معها وتحصين الشباب من الوقوع فريسة سهلة بين أنيابها.
السطور التالية تكشف أهم أساليب تجنيد الشباب في جماعة الإخوان، من أدبياتهم ومن عمدة كتبهم سواء في مصر أو الخارج، كما نرصد شهادة أحد الذين خضعوا للدعوة الفردية على أيدي قيادات الجماعة، وانتبهوا لما وقعوا فيه.
تتمثل خطورة الدعوة الفردية في أنها تبدأ بشكل طبيعي، لا يوحي بوجود مخطط، فلا يفيق من يتعرض لها إلا بعد أن يجد نفسه منغمسا بشكل كلي في صفوف الجماعة، وبعد أن يقطع شوطا كبيرا معهم، فلا هو يستطيع أن يكمل، ولا هو يستطيع أن يتراجع.
قال أبو محمد الدمياطي أحد المنشقين عن جماعة الإخوان، الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي: إنه انضم لجماعة الإخوان أثناء فترة دراسته الثانوية، وأنه اكتشف فيما بعد أنه خضع لعملية الدعوة الفردية وخاض فيها شوطا كبيرا، إلى أن وصل لمرحلة جعلته يمارس هو الدعوة الفردية على المحيطين به بغير أن يشعر.
وأضاف أن البداية كانت عبارة عن علاقة صداقة بينه وبين أحد عناصر الجماعة المعروفين في قريته، والذي يكبره ببضع سنوات، وكانت عبارة عن جلسات فردية مصغرة يتبادل فيها معه أخباره وأخبار دراسته وأخباره العائلية ثم تطورت إلى اشتراك اثنين آخرين من أصدقائه معهما في الجلسات، وتبادل بعض الكتيبات الصغيرة عن أمور الفقه والدعوة وسيرة الصحابة ونحوها، وتوسعت أكثر لزيارة بعض الأسر التابعة للجماعة في القرى والمدن البعيدة، وهكذا فوجئت بأنني انغمست انغماسا تاما بين أفرادها حتى صرت واحدا منهم.
وأكد أنه شعر بالصدمة عندما بدأ يلاحظ التدرج التنظيمي الذي يعيش فيه والتعليمات التي يتلقاها دون مناقشة، وعمليات التخفي التي تسيطر على اجتماعات الأسرة التي ينتمي لها، إضافة إلى محاولة اختراق عمله عن طريقه، حيث كان يعمل مدرسا، ودفعه أعضاء الجماعة للسيطرة على الأنشطة المدرسية والطلابية حتى المسابقات والإذاعة المدرسية ليجذب أكبر عدد من الطلاب.
وقال إنه بدأ يتشكك فيما يحدث حوله عندما شاهد بعينه المخالفات الشرعية التي تقع من زملائه والتي يتم تبريرها بشكل غير مقنع، وأنه حضر حوار بين عدد من قيادات الجماعة في محافظته والتي افتخروا فيها بنجاح خطتهم في جذب أكبر عدد من الأتباع في المدارس والكليات ، وفوجيء أن كل شيء مدروس ومخطط له مسبقا وليس عشوائيا، مضيفًا أن الحوار كان يدور حول أن هناك بعض المشايخ من الذين يهاجمون الجماعة يقول إن دعوة الإخوان ستصير إلى العدم، فرد أحد القيادات قائلا: هيهات لهم ذلك فوالله لن يستطيعوا أبدا، فهي دعوة مستمرة إلى يوم الدين ولدينا خطة ولن تموت الدعوة أبدا، فإذا إذا كنت في عرس عملت على استقطاب أحد الحاضرين، وإذا شاركت في عزاء دعوت المعزِّين، وإذا جلستُ في قطار كلَّمت أحد المسافرين، وإن سجنت أرشدتُ أحد المسجونين، وإن قتلت سيخرج أتباعنا منددين وتزيد الدعوة بأمر الله ولن تنقطع.
وأضاف الدمياطي: "أن هذا ما يسمونه الدعوة الفردية، التي هي أحد أهم خطط الجماعة لتجنيد عناصرها، وهو ما أفقت عليه مؤخرا، والحمد لله تاب الله علي".
أصول الدعوة الفردية
لم تقف خطة تجنيد الشباب على مجرد إجراءات عشوائية عملية ولكنها تسير وفق ضوابط وقواعد وضعها منظروا الجماعة، وأبرز من كتب في ذلك المرشد العام الأسبق للجماعة في مصر مصطفى مشهور في كتابه (الدعوة الفردية)، والمراقب العام الأسبق للجماعة في العراق عبد الكريم زيدان المتوفى عام 2014، في كتابه (أصول الدعوة)، وهي الخلطة السحرية التي يعتمد عليها الإخوان في تنجيد عناصرها.
مصطفى مشهور والدعوة الفردية
يقول مصطفى مشهور المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان في كتابه (الدعوة الفردية) :
"الدعوة إلى الله مرحلة مهمة من مراحل العمل الاسلامى الجاد، وهي مرحلة التعريف، التى تسبق التكوين والتربية، وهناك دعوة عامة في المحاضرات والدروس ووسائل الإعلام، كالكتاب والصحيفة والمجلة والشريط، وهناك (الدعوة الفردية) أيضا وهي لاتقل أهمية وهي التي سنخصها هنا ببعض التفصيل".
ويكشف بتفاصيل أكثر ما تحدث عنه الإخواني المنشق أبو محمد الدمياطي فيقول عن أصول الدعوة الفردية وكيفية تجنيد الشباب:
"المرحلة الأولى فى الدعوة الفردية: وهى إيجاد صلة وتعارف بمن تريد دعوته وإشعاره عمليا باهتمامك به والسؤال عنه إذا غاب، وغير ذلك دون الحديث فى أى أمر من أمور الدعوة حتى ينفتح قلبه ويتهيأ لاستيعاب ما يقال له ليستفيد منه".
المرحلة الثانية: وهى إيقاظ الإيمان المخدر فى نفس المدعو، ولا يكون الحديث حول قضية الإيمان مباشرا، ولكن الأفضل أن يأتي طبيعيا، وكأنه دون قصد، بانتهاز فرصة رؤية طائر أو نبتة أو حشرة أو أي مخلوق من خلق الله، ويتحدث معه عن قدرة الله وإبداعه وعظمته في هذا الخلق ويوضح مثلا، كيف ينبت هذا النبات من طين، وماء ويختلف بعضه عن بعض في الساق والأوراق والأزهار والثمار والألوان والرائحة.
وعندئذ تبدأ المرحلة الثالثة: وهى معاونته في تدارك حاله بالتعرف على طاعة الله والعبادات المفروضة وممارستها والانتظام فيها والابتعاد عن المعاصي والتحلي بالأخلاق الإسلامية.
ويفضل تزويده بما يقرؤه من الكتب الميسرة في العقيدة والعبادة والأخلاق كما يدعى إلى حضور بعض الدروس والمواعظ ويتعرف على أهل الخير والصلاح ويصرف عن أهل السوء.
المرحلة الرابعة: وهى توضيح المعنى الشمولي للعبادة وعدم قصره على الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولكن يشمل كل مناحي الحياة من طعام وشراب ولباس وعلم وعمل وزواج ورياضة ورعاية للأبناء إلى آخر كل هذه الأمور، وذلك بتوفر شرطين، وهما النية والمطابقة للشرع بأن نقصد بهذه الأمور الاستعانة بها على طاعة الله وتحقيق مراد الله فى استخلافنا فى الأرض.
المرحلة الخامسة: هى التى يوضح فيها للمدعو أن ديننا لا يكتفى منا بأن نكون مسلمين في ذواتنا كأفراد نؤدي العبادات ونتحلى بالأخلاق الحسنة ولا نؤذي أحدا ولا شىء غير ذلك.
بل إن إسلامنا دين جماعي إنه نظام حياة وحكم وتشريع ودولة وجهاد وأمة واحدة.
وهنا تأتي المرحلة السادسة: وهي توضيح أن هذا الواجب لا يمكن أن يتم فرديا فكل فرد وحده لا يستطيع أن يقيم دولة الإسلام ويعيد الخلافة ولكن لابد من الجماعة التي تجمع هذه الجهود الفردية لتستعين بها على تحقيق هذا الواجب الضخم. والقاعدة الشرعية المعروفة أنه مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فما دام واجب إقامة الدولة الإسلامية لا يتم إلا بالجماعة فقيام الجماعة واجب. ولا يتصور أحد أن يكون كامل الإسلام وهو يعيش وحده دون أن يعمل فى جماعة لتنفيذ مبادىء الإسلام وواجباته ومن أهمها في الظرف الحالي السعي المتواصل لإقامة الدولة الإسلامية.
وتأتي بعد ذلك المرحلة السابعة: وهى الإجابة عن السؤال الذى يفرض نفسه: مع أي جماعة يعمل؟ وهذه المرحلة مهمة ودقيقة وتحتاج إلى حكمة وقوة إيضاح وإقناع ففي الساحة جماعات متعددة ومتحركة وتدعو الشباب إلى الانتماء إليها وكلها تحمل، لافتة الإسلام، ولكل جماعة شعاراتها ووسائلها التي تجذب بها الشباب.
وختم أن هذه الجماعة، هي بالطبع جماعة الإخوان المسلمين فقال:
"وبفضل الله نجد أن الإمام الشهيد حسن البنا قد اقتبس هذا الطريق من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكد ضرورة إعداد الفرد المسلم رجل العقيدة، والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم كقاعدة صلبة تقوم عليها الحكومة فالدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية بإذن الله تعالى".
آليات التنفيذ
كما يكشف عبد الكريم زيدان المراقب العام الأسبق للإخوان في العراق ما ألمح إليه الإخواني المنشق أبو محمد الدمياطي في أن خطة التجنيد ليست عشوائية، وإنما تسير وفق قواعد معينة.
يقول زيدان عن خطوات التنفيذ:
أولًا: البدء بمكاشفة الموثوقين بالدعوة إلى الله حذرًا من الأعداء، وهذا الحذر لازم في المجتمعات الوثنية والكافرة التي يضيق الملأ- أي الحكومات- فيها من انتشار الإسلام كما في البلاد الوثنية في إفريقيا.
ثانيًا: التخفي والاستتار، إحباطًا لكيد الكافرين، وإبعاد أذاهم عن الداعي إلى الله، ودليلنا على ذلك اختفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق في الغار.
ثالثًا: اعتزال القوم والاختفاء عنهم، ودليلنا على ذلك فتية أهل الكهف، وفيهم قال الله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} .
وإذا جاز هذا النوع من الاعتزال جاز ما دونه، كالهجر وعدم المخالطة والتوقف عن نشر الدعوة إلى حين، نزولًا عند حكم الضرورة.
رابعًا: الخروج إلى المحل الأمين تخلصًا من أذى الكافرين، ودليلنا على ذلك خروج المسلمين إلى الحبشة.
خامسًا: عدم إظهار المسلم إسلامه إذا كان في هذا الإظهار تنكيل الكفرة بالمسلم، قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} ، وقد قصَّ الله علينا.
سادسًا: التفرق وعدم إظهار ما يلفت نظر الكفرة.
سابعًا: إخفاء الداعي قصده وتفاصيل ما يريده.
ثم يقول زيدان إن هناك فرعا آخر لهذه الخطة ويطلق عليه، (الاستعانة بالغير) من غير المنتمين للجماعة أو المسلمين خاصة أهل الخير والكفاءة، فيقول: "ويجوز للداعي أن يستعين بغير المسلم في بعض الأمور، وإن اقتضى ذلك اطِّلاعه على بعض ما له صلة بعمل الداعي في مجال دعوته إلى الله تعالى".
وعن هذه الخطة قال الداعية الإسلامي الشيخ أيمن عيسى، إنه لا شك أن هذه الخلطة الخبيثة، التي وضعتها الجماعة، لم تبن على سند شرعي من الكتاب والسنة، بل هي محاولة للانقلاب على الإسلام نفسه، فهم كما ترى يكفرون المجتمعات ويدعون إلى هجرتها، ويلجأون إلى العمل السري لخداع المسلمين تحت شعار "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا ما لا يعرفه الإسلام، إضافة إلى اعترافهم في هذه الخطة بالاستقواء بالخارج على بلادهم.