السنوار وتحديات الحركة التصحيحية
منذ أن دخلت حركة حماس النظام السياسي الفلسطيني عبر بوابة الانتخابات التشريعية التي فازت فيها بأغلبية كبيرة، دخلت الحركة مع هذا الفوز مرحلة مختلفة من مراحل تطورها، مرحلة اتسمت بدخول الحركة بثقلها السياسي والجماهيري للنظام السياسي فجأة، ودون مقدمات مما أوقع الحركة في العديد من الإشكاليات السياسية والإدارية التي عانت منها منذ ذلك الوقت حتي اليوم، فالحركة المحسوبة على التيار الإسلامي التي أدعت الطهر السياسي والوظيفي والإداري وجدت نفسها أمام إغراءات السلطة والنفوذ والمال، ووجدت نفسها مرغمة على التعاطي مع وزارات ومؤسسات وهيئات محلية ومحاكم بما تحمله من إشكاليات في ظل صعوبة الأوضاع في القطاع، وكما يقول المثل إن أردت أن تفُسد قديساً عليك بالمال والنساء.
وتعززت هذه الإشكالية عقب سيطرة الحركة على القطاع صيف عام 2007م، فقد شكلت الحركة بمفردها كل الجهاز الأمني والإداري في القطاع وأصحبت الحاكم الناهي فيه، فتماهت الحركة في السلطة كما تماهت حركة فتح من قبل في السلطة بعد توقيع اتفاق أوسلو، وحاولت الحركة بكل ما تملك التكتم على قضايا الفساد الداخلي لأنها تدرك حجم تأثير أي خلل داخلي على نظرة المجتمع لها، لذلك عملت بكل جهد على التغطية على حالات التجاوز والفساد المالي والإداري واعتبرتها سلوكا فرديا لا يعبر عن الواقع في غزة، لكن مع تزايد حجم هذه الحالات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت مساحات إعلامية لم تكن موجودة في السابق ساعد المواطنين على التحدث مباشر للرأي العام وكشف كثير من حالات الفساد والتجاوزات بحق المواطنين وبحق أعضاء الحركة نفسها.
ومنذ خروجه من السجن عمل يحيى السنوار، قائد حركة حماس بغزة الحالي، بهدوء شديد على مواجهة مراكز القوى التي تشكلت داخل الحركة وخارجها؛ والتي عملت لمصالحها الشخصية على حساب مصالح الحركة والوطن، فتملكت الأراضي والبيوت والعقارات وأصبحت تملك رءوس أموال كبيرة كجزء من طبقة جديدة ظهرت في عهد حماس تسمى البرجوازية الدينية، وهي طبقة جديدة ظهرت في المجتمع الفلسطيني في غزة خلال حكم حركة حماس للقطاع، فقد نمت وانتشرت هذه الطبقة نتيجة زواج المصالح الذي حدث بين المال والدين، فأصبح رجل الدين تاجرا ومقاوما ورجل أمن وداعية إسلامي، هذه الطبقة ارتبطت مصالحها للأسف الشديد بموجود واستمرار الانقسام الفلسطيني، لذلك تعمل أحياناً على استمراره وبقائه لأنها تخشى «قانون من أين لك هذا؟».
الحركة التصحيحية التي يقودها السنوار وفريق أسرى صفقة «وفاء الأحرار» تقف أمام مجموعة من التحديات الكبيرة، فأول تحد يقف أمام السنوار وقيادة الحركة التي صعدت على سلم هرم السلطة في حركة حماس خلال الانتخابات الماضية هي قضية الفساد الداخلي المنتشر في قطاع غزة الذي أصبح يظهر على السطح عبر مناشدات من قبل أبناء ومسئولين أو مواطنين يناشدون السنوار رفع الظلم عنهم أمام قيادات محسوبة إما على حركة حماس أو محسوبة على أجهزة أمن غزة، هذا الفساد الذي تحدث عنه القيادي السابق في الحركة محمد نظمي نصار عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح يشكل إشكالية كبيرة للحركة، فالحركة تخشى من تغير نظرة الجهور لها باعتبارها حركة مقاومة نجحت على برنامج إصلاح وتغيير، فهذا التحدي يفرض على الرجل ومجموعته مواجهة مراكز القوى التي أصبحت تسيئ للحركة، التي امتلكت كثيرا من النفوذ داخل الحركة وفي الجهاز الأمني والإداري بغزة، وبالتالي هذا الأمر أصبح يشكل تحديا كبيرا أمام الحركة خاصة أنه يؤثر فى صورة الحركة في أعين الجمهور الفلسطيني، ويستخدم كسلاح لضرب المنظومة القيمية التي يقوم عليها فكر الحركة السياسي، ويستخدم أيضاً للدلالة على فشل تجارب حركات الإسلام السياسي في تقديم نموذج مشرف في الحكم بالبلاد العربية.
أما التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية عن التحدي الأول هو تحدي المصالحة الفلسطينية، خاصة بعد ما راهن السنوار على المصالحة الفلسطينية لإخراج حركته من وحل السلطة في غزة؛ بما يعني تخلص الحركة من تبعيات تحمل مسئولية الفساد وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنين، وهو تحد كبير في ظل تباطؤ خطوات المصالحة الفلسطينية بعد تراجع الدوافع الدولية والإقليمية التي دفعت باتجاه المصالحة بعد قرار ترامب الأخير تجاه القدس، خاصة في ظل ما يشهده القطاع من شلل تام في الحياة الاقتصادية نتيجة تردي الوضع الاقتصادي، فأي فشل في المصالحة الفلسطينية سوف ينعكس بشكل سلبي على مواجهة الفساد والمحسوبية ومراكز القوى بغزة؛ لأن السنوار وجماعته يراهنون على نجاح المصالحة للتخلص من فساد الحكم من جانب والتفرغ للعمل التنظيمي من جانب آخر، وبالتالي أي فشل للمصالحة سوف يؤدي لتداعيات داخلية في الحركة نفسها وعلى الأوضاع في غزة بشكل عام.
أما التحدي الآخر الذي لا يقل أهمية عن التحديات السابقة هو الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة بما يمكن أن يؤدي لفتح مواجهة عسكرية جديدة مع الحركة؛ مما قد يعقد الأمور أكثر أمام السنوار وقيادة الحركة الجديدة في الاستمرار في الحركة التصحيحية، أو في مواجهة مراكز القوى التي تشكلت في غزة خلال الفترة السابقة، وبالتالي أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل في هذا التوقيت لن تصب في مصلحة الرجل وجماعته لأن التركيز سوف ينصب على الوضع الأمني.
خلاصة القول إن قيادة حركة حماس الجديدة بغزة تقف اليوم أمام مجموعة من التحديات المترابطة والمتداخلة التي يمكن أن تعصف بالحركة من الداخل في لحظة تشهد تحولات عميقة في الإقليم والمنطقة الأمر الذي يتطلب حسابات دقيقة من قبل السنوار على المستوى الداخلي والوطني والخارجي لأن هناك الكثير من يعمل على إفشاله من داخل الحركة ومن خارجها.