الباحث عبد الغني مزوز لـ «أمان»: تراجع داعش وانهياره متوقع (حوار)
الخلافات الداخلية في داعش وصلت لذروتها.. والتنظيم أعدم عددا كبير من قياداته
أبو بكر البغدادي أصيب في أحداث الموصل.. ومرضه الشديد منعه من متابعة أحوال تنظيمه
داعش فشل في المغرب لنضج الإسلاميين بها.. وتونس قد تكون حاضنة جديدة للتنظيم
الباحث المغربي عبد الغني مزوز، واحد من الباحثين المهتمين في مجال الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية المسلحة، نشرت له الكثير من الأبحاث والدراسات المهمة عن التنظيمات الإرهابية المسلحة خاصة تنظيمي داعش والقاعدة .
«أمان» التقت «مزوز» ليتحدث عن مستقبل التنظيمات الإرهابية المسلحة في المنطقة العربية، وحقيقة انهيار تنظيم داعش الإرهابي، وتفاصيل الإستراتيجيات الجديدة التي سيلجأ لها التنظيم في الفترة المقبلة، فإلى نص الحوار التالي.
لماذا انهزم داعش هذه الهزائم الكبرى في العراق وسوريا وليبيا ومصر وهل هذه هي نهاية التنظيم ؟
تراجع تنظيم داعش وانهياره كان أمرا متوقعا، فالتنظيم من الناحية العسكرية تبنى إستراتيجية عديمة الجدوى، قياسا إلى التفاوت الهائل بين إمكانياته وإمكانيات خصومه، وهي إستراتيجية السيطرة الميدانية ومسك الأرض والجبهات الثابتة، كما أن التنظيم فقد عمقه الشعبي وحاضنته الاجتماعية خصوصا في العراق وهي الحاضنة التي كانت ترفده بالرجال، وتدعمه بكل أنواع الدعم، واستند التنظيم إلى مظلوميتها ليقدم نفسه كمنقذ وكبديل وأتحدث هنا عن مظلومية " السنة" في العراق وسوريا أيضا، لكن ما اكتشفته هذه الحاضنة أن سياسات داعش لا تختلف كثيرا عن سياسات الحكومة الطائفية في بغداد ودمشق حيث قتل الآلاف من أبناء العشائر في العراق وسوريا، وورطهم في معارك عبثية مع الجميع، وقد اعترف التنظيم مؤخرا بعد نشر بعض قادته المنشقين لشهاداتهم؛ أنه نفذ إعدامات ميدانية بحق النازحين من المدن التي يسيطر عليها بحجة أنهم تركوا دار الإسلام إلى دار الكفر. وأمر آخر عجل بتهاوي أسطورة التنظيم الذي لا تغيب عنه الشمس وهو تزايد حالات الانشقاق بين صفوفه على خلفية النزاع حول مسائل عقدية مثل " العذر بالجهل " وانشطر التنظيم على إثرها إلى تيارين؛ تيار " الحازمية" وتيار " البنعلية". ما يعني أن التنظيم كان ظاهرة عسكرية وبصرية (إعلامية) بحتة دون أي عمق شرعي وفكري يُعتد به.
أشرت إلى خلافات البنعلية والحازمية في داعش فما تعليقك على هذه الخلافات وهل هناك دلالات لتوحش جديد في التنظيم ؟
تفاقمت الخلافات بين تيار الحازمية الذي لا يرى العذر بالجهل ويكفر من يعذر بالجهل وتيار البنعلية الذي يعذر بالجهل، ووصلت الخلافات بينهما إلى قمة هرم التنظيم وعرفت اللجنة المفوضة وهي أعلى ختم في التنظيم نزاعا وصل إلى حد التصفيات الجسدية للشيوخ والشرعيين من كلا التيارين، على خلفية إصدار اللجنة تعميما بعنوان " ليهلك من هلك عن بينة" تبنت فيه مقولات وتقريرات التيار الحازمي وألزمت بها كل جنود وقادة التنظيم وهو ما اعتبره أتباع تيار البنعلية (نسبة الى البحريني تركي البنعلي) غلوا في التكفير وردوا عليه عبر سلسلة من البيانات وقع عليها بعض كبار قادة التنظيم، ومع تمسك كل تيار بمواقفه نشبت بينهم مواجهات مسلحة في سوريا والعراق واغتال كل تيار شيوخ وقادة التيار المنافس وتبادلوا الاتهامات بالعمالة حيت أصر تيار البنعلي على كون رؤوس الحازمية ضباطا في استخبارات صدام حسين وهم من أصدروا تعميمات اللجنة المفوضة المثيرة للجدل، ثم خرجت كثير من الشهادات من منشقين عن التنظيم من أتباع التيار البنعلي تكشف عن حجم الجرائم التي كان التنظيم يرتكبها.
في الأيام القليلة الماضية حدث تحول في الصراع بين التيارين حين أقال البغدادي وسجن وأعدم قادة التيار الحازمي وأبعدهم من مؤسسات التنظيم كديوان الإعلام واللجنة المفوضة، وأصدرت هذه الأخيرة تعميما جديدا ألغى التعميم المثير للجدل، كما أن نشر التنظيم التعميم الجديد في مجلة النبأ يشير إلى تطهير الإعلام وهذه المجلة تحديدا من عناصر التيار الحازمي التي كانت تديرها في السابق، لكن كل هذه الإجراءات لن تمر بسلام دون أن يعترضها التيار الآخر وقد يلجأ إلى عمليات التصفية والاغتيال في المرحلة المقبلة دفاعا عن نفسه.
أين أبو بكر البغدادي وماهو السيناريو الأقرب إلى وضعه الآن ؟
ما كشفت عنه الأيام القليلة الماضية ومع سلسلة الإجراءات التي أعلن عنها تنظيم داعش أن البغدادي كان مريضا جدا ولعله أصيب في معارك الموصل، وكان منقطعا عن العالم الخارجي ولم تسعفه حالته الصحية لمتابعة أوضاع وتطورات تنظيمه.
كيف تقيم أداء إيران والسعودية اتجاه الأوضاع في سوريا والعراق الآن ؟
إيران مازالت تحقق المكاسب وتقترب من شق الطريق من طهران إلى المتوسط، لولا الفيتو الأمريكي في منطقة " التنف" الحدودية مع سوريا، وقد نجحت في تبييض سجلها من جرائم الحرب التي ارتكبتها ميلشياتها في سوريا عندما قدمت نفسها في محادثات أستانا كطرف ضامن، كما أن ميلشياتها تنتشر على طول العراق وعرضه بعد طرد تنظيم الدولة من معظم معاقله، وفي اليمن استطاع حلفاؤها من جماعة الحوثي الاستفراد بصنعاء بعد إقصاء علي عبد الله صالح وهم الآن يتقدمون في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، أما السعودية فقد خسرت كل رهاناتها في المنطقة وهي مشغولة الآن بأزمة الخليج وأوضاعها الداخلية.
لماذا نجحت المغرب وتونس ودول أخرى في إبعاد خطر الإرهاب عنها ؟
المغرب به مجتمع مدني نشط، وإقبال على الثقافة والفكر، والتيار الإسلامي فيه بمختلف ألوانه يتسم بالنضج والتجربة، فقد خاض أول تجربة عمل مسلح في تاريخ الحركة الإسلامية في ستينيات القرن الماضي، والفضاء العام مفتوح نسبيا لكل الأصوات والآراء، وليس هناك كبت وقمع للحريات بالدرجة التي يحدث فيه ذلك ببعض الأقطار العربية الأخرى، وبالتالي فليست هناك أرضية أو مقومات لأي مشروع تكفيري صدامي مهما كانت مبرراته، من هنا أجد استمرار اعتقال بعض الإسلاميين في المغرب أمرا لا مبرر له؛ لأن منطق العنف والصدام إما قد تجاوزوه أو لم يكن خيارا لهم أصلا.
وفي تونس يبدو الأمر مختلفا لقد كانت لحظة انفجار الثورة بمثابة التنفيس عن مخزون هائل من المكبوتات ظلت حبيسة اللاوعي الجمعي منذ حقبة الحبيب بورقيبة ومقاربته العلمانية الاستئصالية التي سار عليها بن علي، فكان ظهور داعش على الساحة التونسية وانخراط التونسيين فيه مؤشر على بدائية الفعل الحركي الإسلامي لأنه كان منفيا ومغيبا في السابق ولم تتح له فرصة التعبير عن رأيه ووجوده. ومع أن الجهاديين في تونس التحقوا بجبهات تونس والعراق وليبيا وانحاز آخرون إلى جبال الشعانبي إلا أن ممارسات النظام الحالي واستدعائه مجددا لمقاربات الأنظمة البائدة قد تعزز مشروعية تلك الجماعات.
كيف نجحت داعش في تفعيل ظاهرة الذئاب المنفردة وماهي خدعة التنظيم الجديدة في التجنيد والتكليف؟
نعم، استطاع التنظيم استقطاب أفراد وعناصر وظفهم في إستراتيجية الذئب المنفرد بسبب ترسانته الإعلامية الاحترافية المتعددة اللغات، كما أن التنظيم لم يشترط برنامج عمل على هذه العينة ولم يعتمد معايير صارمة في انتقائهم، بل أمرهم العدناني بالقتل والتخريب ما استطاعوا إلى ذلك سبيل؛ بالدهس أو السكين أو التفجير أو حتى بالحجارة، واستغل التنظيم لافتة الخلافة ليعزز عندهم مشاعر الولاء والانتماء.
هل تتوقع أن يقيم التنظيم ولاية في أوروبا قريبا؟
هذا مستبعد مع أن التنظيم أعلن سابقا عن ولايات صورية في عدد من البلدان، فهو يعتبر أوروبا دار حرب مازالت المعركة فيها في طور " شوكة النكاية والإنهاك"، كما أن سلسلة الهزائم التي مني بها ستضطره إلى الكمون والاعتماد على العمل الأمني ما يعني تحول بعض الولايات التي كانت قائمة إلى عناوين صورية فقط كولاية نينوى والجزيرة وغيرها.
هل أصبح التحالف بين داعش والقاعدة قريبا ؟
لا، ليس قريبا ولن يكون ذلك قريبا على الأقل في المدى المنظور ما لم تحدث تغييرات جذرية في البنية الأيديولوجية لتنظيم الدولة، وهذا الأخير أصبح ضعيفا وممزقا ومنبوذا من الجميع فلماذا تتحالف معه القاعدة وهي لم تفعل ذلك في عز قوته وعنفوانه.
ما آخر ما كشفته عن أبحاثك عن داعش والقاعدة ؟
داعش كانت ظاهرة بصرية عسكرية كما ذكرت في الأول، وقد خسرت جاذبيتها وتأثيرها وانهزمت عسكريا في كل الجبهات وخسرت أبرز معاقلها، أتصور أنه في المرحلة المقبلة ستكون منشغلة بنفسها أكثر من انشغالها بخصومها؛ فالتيار الحازمي له نفوذ واسع داخل التنظيم وتغلغل داخل ديوان الجند وكون لنفسه خلايا نائمة ونشطة في كثير من مفاصل التنظيم، وليس من السهل التخلص منه بقرار من البغدادي أو بإعدام رؤوسه، وإذا علمنا أن أغلب أعضاء اللجنة المفوضة كانوا من الحازمية فسيعطي لنا ذلك فكرة عن حجم ما أحدثوه من اختراق للتنظيم وما يتمتعون به من سطوة ونفوذ، سيردون في الأيام القادمة على قرارات البغدادي عبر عمليات اغتيال أو بالانشقاق والتمرد وإعلان خلافة موازية أو ولايات منافسة. بالنسبة للقاعدة فقد تجاوزت أزمة انشقاق تنظيم الدولة عنها فتوسع فرعها في الصومال وشمال إفريقيا حيث انضمت أغلب الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى إلى القاعدة، كما أن انقسام المقاومة الشعبية في اليمن والإنزالات الأمريكية المتعددة وتراجع أداء عاصفة الحزم عزز من وجود وشرعية فرع القاعدة هناك. تمتاز البنية الأيديولوجية للقاعدة بالمتانة والتماسك بسبب دعم بعض كبار العلماء لأطروحاتها عكس تنظيم الدولة الذي راهن على بلاغة الصورة وزخم الإنجاز العسكري فتداعت بنيته الأيديولوجية أمام أصغر مسألة عقدية " العذر بالجهل".