أحمد الجدى يكتب: ثورة إيران.. والحرب العالمية الثالثة
ثورة شعبية تزداد قوتها يومًا بعد يوم داخل إيران، وسط فرحة عربية كبرى بهذه الثورة على أمل أن تنجح في إسقاط نظام الحكم الإيراني، ومن ثم تتوقف الأصابع الإيرانية العابثة بكل شبر في المنطقة العربية بداية من سوريا مرورًا باليمن، حتى العراق الذي أصبح بالكامل تحت سيطرة الشيعة التابعين لإيران، تلك الأصابع التي كانت سببا في دمار تلك البلدان بشكل شبه كامل، ومقتل وتهجير معظم شعوبها.
وفي ظل هذه الفرحة الكبيرة والترقب الأكبر لنجاح هذه الثورة الإيرانية التي بدأت تحقق انتصارات على الأرض تبشر بوجود احتمالية ولو قليلة بسقوط النظام الإيراني، توقفني حوار صحفي أجريته مع النائب البرلماني المصري حمدي بخيت، الخبير العسكري، في رمضان عام 2014، وكنا وقتها في أحد الفنادق بمنطقة مصر الجديدة، نتحدث عن التحديات التي تواجه المنطقة العربية في المستقبل القريب، وخاصة بعد سقوط حكم الإخوان، وكشف وقتها عن مخطط باسم "الاحتواء الكبير"، وشرحه لي على أنه مخطط أمريكي يهدف إلى تكوين كتلة شيعية كبرى في المنطقة العربية، تواجهها كتلة سنية كبرى في المنطقة، ومن ثم تتصادم الكتلتان بقوة، فتكون النتيجة ليس فقط تدميرهما بل تقسيم العالم العربي إلى دويلات، وهو الحلم الذي تسعى إليه أمريكا منذ سنوات طويلة تحت مسميات عديدة منها، وأشهرها على الإطلاق «مشروع الشرق الأوسط الجديد».
وهنا أسأل نفسي، هل هذا ما تريده أمريكا حقا؟، هل هي التي جعلت إيران تتحول- كما تحولت بالفعل- إلى كتلة شيعية شرسة تريد أن تلتهم العالم العربي، وتصبغه بصبغتها على أمل إعادة الإمبراطورية الفارسية من جديد بهدف إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة معتمدة على رفض العرب مخططات الدولة الفارسية، واستعدادهم الكامل للدخول في حرب ضدها لو تطلب الأمر ذلك؟.
ماذا لو حدثت تلك الحرب بالفعل؟ ماذا لو توحد أهل السنة خلف راية السعودية وتوحد أهل الشيعة خلف راية إيران واندلعت الحرب بينهما؟ كيف ستكون النتيجة؟ ومن سيكون المنتصر؟، النتيجة ستكون هزيمة الجميع وانتصار أمريكا ومشروعها القديم الذي لم تجد طريقا لتنفيذه إلا من خلال هذه اللعبة القذرة التي ستجعل العالم العربي ينقسم ذاتيا ويتحول إلى مناطق نفوذ سنية وأخرى شيعية تتنازع فيما بينهما فتضعف بعضها وتصبح أمريكا هي مالكة القرار الوحيد، فلن يكون هناك سنة يهددونها بقطع المعونات البترولية عنها، ولن يكون هناك شيعة يهددونها بالسلاح النووى، وستصبح الأمور ممهدة تماما للحليفتين أمريكا وإسرائيل حتى تقودا العالم العربي كما تريدان، وترسمان خريطته من جديد وفقا لما تتطلبه أجنداتهما ومصالحهما.
هذا المخطط والأسئلة التي دارت في ذهني جعلتني أتأكد أن الثورة الحالية في إيران لن يكتب لها النجاح؛ لأن الهدف منها ليس النجاح بل مجرد إشعال غضب النظام الإيراني أكثر وأكثر تجاه السنة العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، بحجة أنهم هم من أشعلوا نيران الثورة في بلاد فارس بهدف إسقاط النظام الإيراني، لإيقاف تدخلاته في العالم العربي وبالأخص في سوريا التي اشتعلت مؤخرا، واعتقد أن الأمر قد يتكرر في السعودية بدعم وتمويل إيراني بهدف الرد، الأمر الذي قد يجعل نار الفتنة بين البلدين تصل إلى ذروتها، ويتحقق أخيرا مخطط الاحتواء الكبير الذي تسعى إليه أمريكا، وتعتبره مشروعها القومي الأوحد.
وللعلم فإن ملامح الحرب السعودية الإيرانية لاحت في الأفق منذ فترة، خاصة في اليمن بعد دخول التحالف العربي بقيادة السعودية في مواجهة مسلحة مع الحوثيين المدعومين من إيران، ووصل الأمر إلى إطلاق صواريخ من حوثية اليمن موجهة للسعودية، الأمر الذي يعتبر نذيرا لتطور تلك الحرب في القريب العاجل إذا ازدادت المخططات التي تنفذ على البلدين من أجل الهدف الأمريكي، والسؤال هنا هل نحن كعرب سنة نريد تلك الحرب؟، وهل نحن على استعداد لها وقادرون على تحمل تبعاتها؟ أم أننا نريد إيجاد حل يسمح لنا بالتعايش مع إيران دون أن نخضع لأجنداتها ودون أن يكون لها أي تدخل في شأن أي بلد عربية والمقصود هنا سوريا والعراق واليمن تحديدا؟، الإجابات عن هذه الأسئلة هي فقط من سترسم مستقبل المنطقة، وإجابتي أنا على المستوى الشخصي كفرد من أفراد العالم العربي هي أنني لا أريد حربا مع أحد، ولا أريد سلاما مبنيا على التنازل والخضوع، وأريد فقط وطني وعالمي العربي واحدًا موحدًا يكبر وينمو ويتطور لينافس أمريكا وأوربا ويستعيد ريادته المفقودة.