«حكم قتل المدنيين في الشريعة الإسلامية» لمصطفى المقرئ
في نهاية التسيعنيات، أصدر القيادي بالجماعة الإسلامية محمد مصطفى المقرئ، دراسة شرعية يبين فيها آراء الحركات الإسلامية المختلفة في مسألة قتل المدنيين.
والكتاب في مجمله عبارة عن محاولة من المقرئ، لإثبات حسن نية الجماعة الإسلامية، وصدق توجهها بعد المراجعات، كما يحمل بين فصوله وأبوابه، محاولة أخرى لإثبات التراجع عن الغلو في تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاعتراف بما ترتب على ذلك من أخطاء، والتنصل من الارتباط بتنظيم القاعدة، الذي انضم إليه الكثير من أبناء الجماعة الإسلامية، والحركات الجهادية الأخرى.
المناخ العام لإصدار الكتاب
شهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي موجة كبيرة من أعمال العنف، التي شنتها الجماعة الإسلامية، ضد الدولة، وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء، سواء كانوا من ممثلي الدولة، خاصة جهاز الشرطة كما طالت كذلك السياح الأجانب، والتي كان آخرها حادث الأقصر الشهير، وهو الأمر الذي جعل هناك حالة من الحرب بين الجماعة، والدولة، دخل على إثرها أكثر من 12 ألفا منهم السجون، وفي نهاية التسعينيات بعد أن وصل الأمر إلى طريق مسدود، ظهرت المراجعات داخل السجون وخارجها، وخرج بالتوازي معها مؤلف "حكم قتل المدنيين في الشريعة الإسلامية" للقيادي محمد مصطفي المقرئ ابن القيادي الشهير مصطفى المقرئ، يبين فيه موقف الحركات الإسلامية من قتل المدنيين، سواء القتل المتعمد المباشر للمدنيين، أو قتلهم في المواجهات التي تقع بين هذه الحركات وبين الدولة أو الكافرين، أو في حال تمترس المحاربين خلف المدنيين.
أبواب الكتاب
يتكون الكتاب من 6 أبواب تسير على محورين أساسيين هما بيان المقصود من الجهاد وأحكامه، والمحور الثاني موقف الحركات الإسلامية المختلفة من الجهاد خاصة قتل المدنيين ومن بينهم السياح الأجانب، وبيان أصولها الشرعية التي اعتمدت عليها، وما فيها من خطأ وصواب من وجهة نظر المؤلف.
أما عن الباعث لتأليف الكتاب فيقول المقرئ: "نريد أن نصون لمنهج الحق صفاءه، حتى وإن كان قليل الكدر لا يغير عذوبته ونقاءه.. "وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".. ولكن لأن أعداء الله يتربصون بنا الدوائر، ويقعدون لنا كل مرصد، ويتصيدون لنا الخطأ وإن ضؤل وهان، فيجعلون الذرة من الغبار صخرة تميد منها الأرض ميدا!!.."
ثم يقول: ولكن وإن كان الحق قد قل ناصروه، فإنه أقوى على الباطل من ريح عاصف تشتد بجبل من رماد، وما الباطل إلا زيف ودجل وخداع كمثل بالون كبير فاقع الألوان، ويثقبه مخيط ضئيل فإذا هو قطعة مطاط في يد صبي يعبث بها...".
ويضيف: "ولأن مسائل الشرع لا تحتمل غير الحيدة والإنصاف، طلبت استجلاء الحقيقة، الحقيقة بشقها الشرعي والواقعي، وحررت أقوال وآراء الحركات الإسلامية من ألسنة قادتها، ومن أدبياتها".
ويوجه المؤلف عدة أسئلة للحركات الإسلامية يقول فيها:
ما موقفكم من قتل المدنيين؟
وما موقف الشريعة أولا من هذه القضية؟
وبمَ تفسرون سقوط ضحايا من النساء والأطفال ضمن ضحايا عمليات منسوبة إليكم؟
وما موقفكم من الجماعات التي تعتمد في مناهجها قتل الأبرياء؟
ثم يؤكد أنه جاء بإجابات لهذه الأسئلة لدى الحركات الإسلامية من خلال عدة بحوث شرعية حول الأحكام الواردة في هذه المسائل، ردا على أقوالهم وأفكارهم وفتاواهم، ثم يبيبن المخالف منها للشرع.
وفي محاولة من المقرئ لإثبات حسن النوايا وغسل أيدي الجماعة الإسلامية من الدماء، كتب في مقدمة كتابه أن: "المدنيين في نظر الإسلام، مقصودون بالهداية، بل الناس أجمعون هم موضوع دعوته، وإنما يقصد بالحربي منهم من عمل على تفويت فرصة الهداية بعرقلة دعوته، أو حرمان الناس من الاختيار الحر بينه وبين غيره من الأديان".
ثم يتنقل المؤلف بين صفحات الكتاب، ويتحدث في الباب الأول عن الجهاد المشروع وقتل المدنيين، ويتناول مقصد الجهاد، وقتل المدنيين في الشريعة الإسلامية، والأصناف الممنوعة من القتل، وبين هذه المباحث الثلاثة يدور المؤلف حول آراء الأئمة الأربعة والسلف حول هذه المسائل.
أما الباب الثاني فقد كان بعنوان "الرد على الجماعة المسلحة ومن وافقها"
يرد خلاله المقرئ على فتاوى الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر، ويؤكد أنها حاولت أن تقدم الجهاد كله في أعين الناس على أنه عبارة عن عصابات سطو ومجموعات من قطاع الطريق"، وتضمن الباب 6 فصول للرد على فتاوى الجماعة خاصة فتاوى "قتل الذرية والنسوان".
وفي الباب الثالث كتب المؤلف تحت عنوان "حكم الإضرار بالمدنيين" وقال إنه يتضمن: "التفصيل الكامل لحكم قتل المدنيين من الأعداء سواء كانوا كفارا أصليين محاربين أو مرتدين، أو من الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام ونحوهم..."
ثم يقول: وقد قصدت إلى إيراد هذا الباب إتماما للفائدة، ولاتصاله بصلب موضوعنا، وكذلك كيلا يتوهم أنه لا يجوز الإضرار بالمدنيين بوجه من الوجوه، أو لا يجوز أن يمارس عليهم من الأعمال الحربية ما قد يكون ذريعة إلى قتلهم، ولاسيما أني سمعت ذلك من بعض الأفاضل، إذ حسب أن المنع من قتلهم يفيد الحصانة المطلقة ، وهو غلط!!".
والفصل الرابع تحت عنوان "حكم قتل السياح" وتحدث فيه بصورة موسعة عن حكم القادم من بلاد المشركين من المحاربين إلى بلاد المسلمين وبيان شروط المستأمن والمخالفات الشرعية للسياح الأجانب في بلاد المسلمين.
أما الباب الخامس فيتحدث عن "الجماعات الإسلامية وقتل المدنيين" ويتناول 6 مقاصد أهمها بيان الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور التيارات التكفيرية والاستحلالية المتشددة، ومحاولة الوقوف على الضمانات التي يمكن أن تقي الحركة الإسلامية مثل هذه الانحرافات. وركز اهتمامه على الحالتين المصرية والجزائرية.
وفي الفصل السادس بعنوان "حقائق منسية" يواجه المؤلف منتقدي الحركات الإسلامية الذين يصفونها بالإرهاب ويقول: "تقولون هذه الجماعات إرهابية متطرفة؟ إذَا فخلوا بينهم وبين الناس، ليحكم الناس على أفكارهم بأنفسهم وليعلموا يقينا بما تريدون إلصاقه بالجماعات زورا وبهتانا، والناس فيما زعمتم وشنعتم مرتابون مرتابون".
ويختتم كتابه محاولا تبرئة ساحة الجماعات والحركات الإسلامية من المبادرة بالقتال المسلح، مؤكدا أن ما فعلوه كان عبارة عن رد على المخالفين عرقلوا جهودهم لتبليغ رسالة الله إلى عباده، وبالتالي وجب قتالهم، واستشهد في ذلك باقتباس طويل من تفسير سيد قطب لقوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217]، يقول: "قال الشيخ سيد قطب- رحمه الله-:
"وانطلقت الدعاية المضللة على هذا النحو بشتى الأساليب الماكرة التي تروج في البيئة العربية، وتظهر محمدا وأصحابه بمظهر المعتدي الذي يدوس مقدسات العرب ، وينكر مقدساته هو كذلك عند بروز المصلحة! حتى نزلت هذه النصوص القرآنية. فقطعت كل قول. وفصلت في الموقف بالحق. فقبض الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأسيرين والغنيمة.
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه؟ قل قتال فيه كبير ..
نزلت تقرر حرمة الشهر الحرام، وتقرر أن القتال فيه كبيرة، نعم! ولكن: وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله. والفتنة أكبر من القتل.
إن المسلمين لم يبدأوا القتال، ولم يبدأوا العدوان. إنما هم المشركون. هم الذين وقع منهم الصد عن سبيل الله، والكفر به وبالمسجد الحرام . لقد صنعوا كل كبيرة لصد الناس عن سبيل الله. ولقد كفروا بالله وجعلوا الناس يكفرون. ولقد كفروا بالمسجد الحرام . انتهكوا حرمته، فآذوا المسلمين فيه، وفتنوهم عن دينهم طوال ثلاثة عشر عاما قبل الهجرة. وأخرجوا أهله منه، وهو الحرم الذي جعله الله آمنا، فلم يأخذوا بحرمته ولم يحترموا قدسيته..".
نقد الكتاب
يحاول الكتاب في مجمله تبرئة ساحة الحركات الإسلامية من إراقة الدماء، خاصة دماء المدنيين، وإن اعترف بوقوع ذلك منهم، لكنه في النهاية يضع عنوانا رئيسا، ضمنه في خاتمة الكتاب تحت عنوان "كلمة أخيرة" يؤكد أن ما فعلته الجماعات المسلحة لم يكن بمبادرة منهم، بل دفعوا إليه دفعا للدفاع عن بيضة الإسلام.
ويعتمد المؤلف على الاستشهاد بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، وهو إذا وقع في يد الناشئة أو من ليس لهم دراية بالشرع ومقاصده لوقع فيما وقعت فيه تلك الجماعات المسلحة لوضوح الحجة وقوتها، وإضافة إلى التناقضات الكثيرة التي يحملها الكتاب، فقد تناسى شيئا واحدا، وهو أنه يتحدث عن جماعة وليس عن دولة، وقد أنزل كل الأدلة الشرعية الواردة في القرآن والسنة، وأقوال السلف على الجماعة باعتبارها الأصل، وأن الدولة، تحارب الدين وتصد عن سبيل الله، وبالتالي وجب على الدولة الإسلامية المتمثلة في الجماعة قتال الدولة الفعلية، وأنزل أحكام الجهاد عليها، وما تتضمنه من قتل المدنيين سواء كانت قتلا مباشرا أو سقوطهم أثناء المواجهات مع الدولة، أو إذا تمترس جنود الدولة خلفهم فسقط منهم القتلى.