دراسة تكشف دلالات حادث «كنيسة حلوان» الإرهابي
نشرت مجلة السياسة الدولية التابعة لصحيفة الأهرام، تحليل للباحث المتخصص في الحركات الإسلامية على بكر، حول الهجوم الإرهابى، الذى استهداف كنيسة مارمينا بحلوان، والذى قام به أحد الإرهابيين، محاولاً اختراق النطاق الأمنى، عبر إطلاق أعيرة نارية، وتفجير عبوة ناسفة بالقرب من الكنيسة بهدف إحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية، إلى عدد من الدلالات المهمة التى يجب التوقف عندها، خاصة بعد أن أعلنت وكالة "أعماق"، الناطقة بلسان داعش، مسئولية التنظيم عن الهجوم.
وقد أسفر الهجوم الذى قام به واحد من أبرز العناصر الإرهابية الخطرة، الذى سبق له المشاركة فى العديد من الهجمات الإرهابية، عن مقتل أمين شرطة، و6 من المواطنين، وإصابة 4 آخرين. وقد سبق الهجوم قيام منفذ الحادث بإطلاق عدد من الأعيرة النارية تجاه أحد المحال التجارية بمنطقة مساكن أطلس، مما أدى إلى مقتل مواطنين اثنين وجدا داخل المحل، قتلهما الإرهابى خلال توجهه إلى الكنيسة لارتكاب جريمته، وذلك وفق البيان الرسمي لوزارة الداخلية.
وأكد الباحث في الدراسة، على دلالات الواقعة في عدة عناصر هم:
الأولى: عملية انتحارية غير تقليدية: العديد من مقاطع الفيديو التى تم تداولها عقب الهجوم، توضح أن الإرهابى، الذى هاجم الكنسية، كان يتجول فى الشوارع المقابلة لها عقب الهجوم، بشكل يجعله مكشوفا لقوات الأمن، بحيث يسهل استهدافه، مما يدل على رغبته فى الانتحار، نظراً لحالة اليأس المفرط التى انتابته عقب فشل الهجوم، لاسيما بعد فشله فى اقتحام الكنسية، أو تفجيرها، مما جعله يدرك استحالة الهروب.
حيث إن مثل هذه العمليات غالبا ما يكون مخططا لها الهروب بعد العملية، أو إنهاءها عن طريق الانتحار عبر تفجير حزام ناسف، كما حدث فى تفجير كنسية طنطا فى أبريل 2017، والتى أسفرت عن مقتل 21 مواطنا، وإصابة العشرات، وهو ما فشل فيه الإرهابى. وبالتالى، فإن حركته بهذه الطريقة تدل على رغبته فى الموت أو الانتحار من خلال إطلاق النار عليه، وهو ما يعد نوعا من الانتحار غير التقليدى الذى يقف وراءه الإحباط، والرغبة فى التخلص من التبعات والأزمات المقبلة.
والدلالة الثانية: يقظة الأجهزة الأمنية: قدرة رجال الشرطة على إحباط العملية، ثم إصابة الارهابى المنفذ، والقبض عليه، تدل بوضوح على يقظة الأجهزة الامنية فى مصر، وتوقعها الصحيح للهجمات الإرهابية، ومن ثم القدرة على إحباطها قبل تنفيذها، حيث اتخذت الشرطة إجراءات أمن مشددة خارج دور العبادة المسيحية بمناسبة الاحتفالات بعيد الميلاد. شملت وضع بوابات للكشف عن المعادن أمام الكنائس الكبيرة. كما تشير تلك العملية أيضاً الى استبسال رجال الشرطة فى أداء واجبهم، وهو ما يشير إليه استشهاد أحد أمناء الشرطة من القوة الأمنية المكلفة بحراسة الكنسية.
والثالثة: عدم القدرة على التجنيد: يعد الإرهابى، الذى شن الهجوم على الكنسية، واحدا من العناصر الخطرة، والمطلوبة فى العديد من القضايا، نظراً لمشاركته فى العديد من الهجمات الإرهابية، وبالتالى فهو يمتلك خبرة تنظيمية، من الصعب التضحية بها فى مثل هذه الهجمات، ما دامت هناك عناصر أخرى متوافرة، حيث غالبا ما يتم الدفع بعنصر جديدة بعد تلقيها تدريبات أولية، كما حدث مع محمود شفيق، مفجر الكنسية البطرسية، وهو ما يدل على جفاف الموارد البشرية للتنظيم الإرهابى، وعدم قدرته على تجنيد عناصر جديدة، لذا اضطر إلى التضحية بهذا الإرهابى من أجل تنفيذ العملية الإرهابية.
التلاحم الشعبي: كشف الهجوم الإرهابى على كنسية حلوان بقوة عن مدى التلاحم بين أبناء الشعب المصرى فى مواجهة الإرهاب، سواء بين المواطنين، مسلمينا وأقباطا، فى الدفاع عن دور العبادة، أو بين المواطنين ورجال الشرطة، من خلال مساندتهم لها فى السيطرة على الإرهابى بعد إصابته من قبل أحد المواطنين، ومن ثم القبض عليه وتسليمه للأجهزة الأمنية، مما يدل على أن جموع الشعب المصرى تقف صفاً واحداً فى مواجهة الإرهاب.
عشوائية الهجوم: تدل محاولة شن الهجوم على الكنسية بهذه الطريقة على أنها عملية عشوائية، تفتقد الجوانب التنظيمية، حيث تعد أقرب إلى عملية انتحارية فاشلة، وهو ما يشير إلى فشل المجموعات الإرهابية، سواء كانت تنتمى إلى "داعش"، أم تعمل بصورة منفردة، وتراجع مستواها بشكل كبير بسب الضربات الأمنية المتلاحقة، التى أفقدتها الملاذات الآمنة، ومصادر التمويل والقدرة على التجنيد. كما أن إعلان تنظيم "داعش" مسئوليته عن الهجوم لا يعنى على وجه اليقين أنه من قام الهجوم، أو كلف به، فأحياناً ما يعلن مسئوليته عن هجمات لا علاقة له بها، فقط من أجل الوجود على الساحة.
واختتم دراسة بقوله: إن تلك العملية الإرهابية التى استهدفت كنسية مارمينا بحلوان، رغم أنها أدت إلى استشهاد عدد من المواطنين الأبرياء، فإنها كشفت عن ضعف المجموعات الإرهابية فى مصر، مما جعلها تلجأ إلى العمليات العشوائية التى تهدف إلى إثارة الرعب بين المواطنين، بغض النظر عن مدى نجاحها من عدمه، وهو ما يشير إلى أن ضربات الدولة المصرية ضد الإرهاب تسير بخطى ثابتة، وتحقق نجاحاً كبيراً، وأن القضاء على الإرهاب أصبح مسألة وقت.