«فقد الحب الحقيقي وشركة لم تنتج أي فيلم».. أسرار في حياة رشدي أباظة
في كتابه الذي صدر تحت عنوان "الدنجوان.. أسطورة الأبيض والأسود"، يحكي الكاتب الصحفي أحمد السماحي الكثير من أسرار رشدي أباظة.
يقول السماحي: «في لحظة ما، فقد "رشدي أباظة" القدرة على البحث عن الحب الحقيقي، والواقع أنه فقد الرغبة نفسها حتى باتت حياته سلسلة من التجارب والعلاقات العابرة، كان يرى نفسه بحاراً غريباً بلا أرض أو شراع، يقطع البحار والمحيطات بحثاً عن يابسة لا يعرف ملامحها، وفي بحثه اليائس كان عليه أن يطأ يابسة من آن إلى آخر، ربما حتى لا ينسى ملمس الأرض وطعم الرمال».
وتابع: «المفارقة أن كثيرات ممن عشن في "جلبابه" لفترات متفاوتة كن يعرفن ذلك، فالمرأة لا تخطئ كثيراً في فهم الرجل الذي يفك لغز أنوثتها، ولأنه امتلك الشفرة الخاصة لكل منهن، فقد أدركت كل واحدة أنها مجرد محطة في حياته، أو يابسة سرعان ما سيغادرها بحثاً عن يابسة أخرى لا تنتمي إلى هذا الكون، ورغم أن كلهن أدركن وعرفن ذلك إلا أن واحدة منهن لم تتذمر أو تطرده من عالمها، وكأنه مسموح له ما هو ممنوع على كل الرجال».
طفولة حزينة
في مطلع الستينيات، أصبح "رشدي أباظة" نجماً سينمائياً كبيراً، وبات أيضاً رجلاً ناضجاً، اختفت شقاوة وتهور الشباب وبدت عليه ملامح الاتزان والسحر "المحسوب" وكان ذلك طبيعيا، فقد عاش طفولة حزينة وشباباً مغترباً، كما منحته مغامراته وتجاربه النسائية خبرة في الحياة يصعب أن تتوافر لأحد، وما بين بداية الستينيات ونهايتها كان "رشدي" حديث الشارع المصري، ظهرت معه "سعاد حسني" على الشاشة فأصبحت "سندريلا السينما المصرية" وارتبط بعلاقة حميمة بـ "نادية لطفي" فملأت صورهما صفحات الجرائد والمجلات، وعادت "تحية كاريوكا" إلى حياته ذات ليلة فكادت بيروت تنفجر مع بركان غضب "سامية جمال" وفي لحظة الصراع بين الاثنتين هبطت "صباح" على المكان ليطير معها "الدنجوان" في مغامرة جديدة كادت تسبب أزمة بين مصر ولبنان.
وأوضح: «هكذا كان وعاش، غريباً في صحبة الجميع، وجريحاً في أحضان دافئة، وفي غمرة الألم والضياع العاطفي كان يخطو بثبات نحو قمة السينما العربية، فبعد النجاح الكبير لفيلم "الطريق" قدم مع سعاد حسني فيلم "صغيرة على الحب" الذي حقق نجاحا كبيراً، وكان سبباً مباشراً في تربعها على عرش السينما المصرية، كما دفع الصحافة المصرية إلى إطلاق لقب "إمبراطور السينما" على رشدي، واستغل المخرج حسام الدين مصطفى هذا النجاح وقدمه في عدة أفلام متتالية تتميز بالحركة والإثارة التي يجيدها، وكان طبيعياً أن يسحب رشدي أباظة البساط من تحت أقدام "فريد شوقي" و"محمود المليجي" رغم خبرتهما الكبيرة في أفلام "الأكشن".
في عام 1966، التقى رشدي بـ "ليدي السينما المصرية" نادية لطفي في فيلم "جريمة في الحي الهادئ" وكان الفيلم هو اللقاء الرابع بينهما بعد "سلطان" و"الباحثة عتن الحب" و"عندما نحب" ، وفي أثناء تصوير هذا الفيلم نشأت علاقة صداقة حميمة بين الاثنين، كان "رشدي" يطلق عليها "الواد الشقي" بينما اسمته "الطفل المتهور" ونتيجة لهذه العلاقة تم اعتماد "نادية لطفي" الأخت الكبرى في عائلة "سعيد أباظة" الأب، بل بات لها الحق في التدخل في شئون الأسرة.
النجوم الثلاثة
في تلك الفترة، كانت ابنته "قسمت" قد انتقلت إلى الإقامة في بيت "سامية جمال" بعد أن ضاقت بصرامة جدها، ورغم أنه استجاب لطلبها إلا أن "رشدي" ظل قلقاً عليها، ولكن عمله السينمائي كان يأخذه منها كثيراً، وفي أحد أيام تصوير فيلمه "العيب" التقى فريد شوقي وتحدثا طويلاً عن السينما والفن، وأبدى "رشدي" رغبته في تقديم فيلم مشترك بينهما بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمهما "طريق الشيطان"، فرحب فريد بالفكرة واتفقا على إنتاجه معا، وحين عاد "رشدي" إلى منزله اتصل بـ "نادية لطفي" وروى لها ما حدث فأبدت استعدادها لمشاركتهما في الإنتاج، وفي اليوم التالي التقى الثلاثة في شقة "رشدي أباظة" ومعهم المحامي "لبيب معوض" لإبرام عقد الشركة الجديدة التي أطلقوا عليها اسم "النجوم الثلاثة" برأسمال قدره 12 ألف جنيه.
اختار النجوم الثلاثة سيناريو الفيلم الذي يمثل الخطوة الأولى في شركتهم، وبدأت الخطوات التنفيذية، وكان لابد قبل بدء التصوير أن يبرموا عقد التوزيع، فعقدوا اجتماعًا في مكتب "رشدي" مع الموزع الخارجي الذي جلس يملي شروطه المجحفة عليهم فاضطر الجميع إلى الموافقة على مضض، ولكنه تجاوز الأمور الإنتاجية والمالية وبدأ في وضع شروط فنية لابد من الالتزام بها، في تلك اللحظة فقد "أباظة" قدرة السيطرة على نفسه، فقفز من خلف مكتبه وأمسك بتلابيب الرجل وصرخ في وجهه قائلاً: "غير مسموح لك بالتحدث في تفاصيل العمل الفني لأنك تاجر" وبينما حاول فريد شوقي ونادية لطفي تخليص الرجل من قبضته كان "رشدي" يعتدي عليه بعنف ثم نهره بقوة، ولم يصدق الموزع ما حدث فهرول إلى الخارج مسرعاً، وجلس "النجوم الثلاثة" ينظرون إلى بعضهم البعض للحظات، ثم انفجروا في موجة ضحك.
مرت الأيام والنجوم الثلاثة يجتمعون ويسهرون ويقيمون الحفلات للأصدقاء، وبعد عدة أشهر اكتشفوا أن رأسمال الشركة لم يتبق منه سوى 6 آلاف جنيه، فاقتسموه، وكانت هذه نهاية شركة النجوم الثلاثة التي لم تنتج فيلمًا واحدًا.