«يسرى الجندى».. عاشق المداحين وجسد أحلام البسطاء خارج إطار التاريخ المعاصر
يمثل الكاتب يسري الجندي، الذي وافته المنية اليوم، نهضة تميز في تاريخ المسرح المصري، فهو واحدًا من أهم كتاب المسرح المصري المعاصر، منذ أن ظهرت أولى مسرحياته في نهاية ستينيات القرن الماضي حتى الآن، واحتل موقعًا متميزًا بين كتاب المسرح المصري والعربي باجتهاداته المستمرة في تأصيل شكل مسرحي عربي له رؤاه المعاصرة مستلهماً التراث الشعبي.
الراحل صاحب رؤية مختلفة في الكتابة، فكان دائما يبحث عن كل ما يؤكد الهوية العربية والخصوصية العربية في الكتابة من خلال استلهام الموروث الشعبي، ومن أهم مسرحياته «اليهودي التائه» و«عاشق المداحين»، و«حكاية جحا والواد قلة» و«حدث في وادي الجن» و«الإسكافي ملكاً» وغيرها، وتميز باتجاهاته نحو التراث الشعبي، فاستمد منه موضوعاته ليدخل بها ضمير أمة باستخدام أبطال السيرة الشعبية "علي الزيبق، وعنترة، والهلالية"، محاولاً تقديم نوعًا من التراجيديا العربية من خلال شخوص السيرة، ولم يتوقف عندها، وإنما تجاوزها ليدخل عالم ألف ليلة وليلة، فقدم مسرحية "الاسكافي ملكًا"، وكان تأثير التراث الشعبي قويًا عليه.
بدأ تواجده في الساحة المسرحية ابتداء من أواخر الستينيات بكتابة مسرحية: ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر وتتالت بعدها مسرحيات مهمة حيث توجت اجتهاداته عام 1981 بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية في المسرح ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة للتفوق عام 2005 للفنون، مثلت أعماله في العديد من الدول العربية كما مثلت أعماله في عدة مهرجانات دولية وعربية، وقدمت له اتحادات الفنانين العرب أول افتتاح مسرحي بمسرحية " واقدساه ".
رأى الراحل أن المسرح بطبيعته هو فن يبرز الكثير من المشاكل والقضايا، إلا أن المشكلة الكبرى في مسرحنا العربي حسب قوله في تصريحات صحفية: «هي حالة سوء التفاهم بين المسرح والمجتمع، وهناك آليات مهمة لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، أولاها: ضرورة البحث عن صيغة تخص الخطاب المسرحي العربي تكون مرتبطة بالموروث الشعبي، ومنها استلهام الإرهاصات الأولى لفن المسرح العربي مثل خيال الظل والأراجوز، فنحن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا، والتي تعتمد عروضه على الأراجوز وخيال الظل كلغة أساسية تمتزج بالراوي والغناء الشعبي والرقص الشعبي أحياناً، والاستفادة من إمكانات الفرحة الشعبية، أو مسرح الشعب، وهناك - أيضاً - مسرح السامر، وكلنا يذكر تجربة محمود دياب، وخاصة في مسرحيته الشهيرة "ليالي الحصاد"، وهي محاولة لعودة السامر الشعبي، كذلك تجربة المخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي في فرقة "الغوري" المسرحية، وصالح سعد مع فرقة "السرادق".
وهناك تجربة مسرح الحلقة في لبنان، وتجربة روجيه عساف وهي من التجارب المسرحية المميزة على مدار ما يقرب من ربع قرن من التجريب المسرحي القائم على صنع حالة مسرحية تخص المكان والزمان، وكذلك تجربة مسرح الطيب صديقي في المغرب، وعبد القادر علولة في الجزائر، وهذه التجارب أخضعت النص المسرحي لوسائل التعبير الشعبي، فجاءت عروضها مضفرة بأساليب الحكاية والتقليد والتشخيص والرقص الشعبي والغناء والمديح والتراتيل، وغيرها من أدوات البحث الدءوب في التاريخ الاجتماعي من عادات يومية وأساطير ومعتقدات دينية وخرافات شعبية ومواقف إنسانية مع إفساح قدر كبير للمتفرج كي يغير من آليات الحوار والفرجة».
وكان «الجندي» دائم البحث عن وسيلة يصل بها إلى الجمهور ومن ثم عرف بريخت، ومن أهم التيمات التي استخدمها الجندي في مؤلفته "العدالة" وبذل لها جهودًا كبيرة لا يخطئها قارئه أو متفرجه، كما أن القيم السياسية التي دار خلالها مسرحه اهتمت بقضية "الحرية" وحرية الجموع بشكل خاص، بل وتبلورت قضيته المحورية بين نقيضين: الفرد والنظام، قضية من الفرد الأعزل في مواجهة نظام عنيف جبار نالت كثيرًا من اهتمامه.
ولجأ للحكايات الشعبية التي تستمد مادتها من أرض الواقع، لكنها تسبح في الفانتازيا لتجسد أحلام البسطاء خارج إطار التاريخ المعاصر له، وصاغ نصه الدرامي بأسلوب ملحمي ليصبح أهم ملامح نص عالمه المسرحي على اعتبار أن ثمة قضية فكرية يطرحها، وملخصه هو «أن الثورة الفردية مهما كان نبل صاحبها لا تخلص المجتمع من الفساد الساري في جنباته والحل هو الثورة الجماعية».
أبرز أعماله:
قدمت له على خشبة المسرح العديد من الأعمال المسرحية، من بينها: مسرحية : " بغل البلدية" بالعامية 1969، مسرحية: "حكاية جحا مع الواد قلة" بالعامية ، مسرحية: "ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر" بالفصحى عام 1972 بمسرح الحكيم ، وأوقفت ثم أعيد عرضها عام 1988 تحت اسم "القضية 88" ثم عرضت على مسرح البالون عام 1993 تحت اسم "السيرك الدولي" ثم عرضت عام 2007 تحت اسم " القضية 2007 " وأوقفت مرة أخرى، مسرحية : "علي الزيبق " بالعامية 1973، مسرحية: "حكاوي الزمان " بالعامية والفصحى 1974.
الجوائز:
حصد الراحل العديد من الجوائز منها: جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الثالث عن مسلسل (السيرة الهلالية عام 1996)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الثالث عن سهرة (ليلة القتل الأبيض)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الرابع عن مسلسل (جمهورية زفتى)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الرابع عن سهرة (الزائرون غاضبون)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الرابع عن المسلسل الإذاعي (سامحوني ماكانش قصدي) 1997، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الخامس عن سهرة (أحمد عبد المعطي يقابل إخناتون)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون السابع عن مسلسل (حروف النصب)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون التاسع عن مسلسل (جحا المصري)، جائزة أحسن تأليف في مهرجان التليفزيون الحادي عشر عن مسلسل (الطارق).