العقوبات والحرب.. هل يمكن لـ"أوروبا" الاستغناء عن الغاز الروسى؟
منذ أن حركت روسيا قواتها بالقرب من الحدود الأوكرانية في أواخر العام الماضي، بدأ القادة الأوروبيون يدرسون زيادة واردات الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة ودول أخرى، وساعد الطقس الأكثر دفئًا في آسيا (التي تشتري من نفس الدول) على انخفاض الطلب على الغاز للتدفئة، مما أدى إلى تحرير إمدادات الغاز الطبيعي المسال لأوروبا بكميات كافية نسبياً قد تمكنها من الاستغناء المؤقت عن الغاز الروسي حتى الخريف المقبل.
كلما اشتدت الحرب في أوكرانيا، يزداد تفكير القيادات الأوروبية في الاستغناء عن الغاز الروسي وتحرير أوروبا من "سيطرة بوتين" في مجال الطاقة. حتى الآن لم يدخل "حظر الغاز الروسي في أوروبا" ضمن العقوبات الغربية على روسيا .. لكن ماذا إذا قرر الغرب إدخاله؟ كيف ستتأثر أوروبا؟
حظر الغاز الروسي
تمتلك أوروبا نفوذاً في قطاع الطاقة الروسي، تشتري أكثر من 70٪ من الغاز الطبيعي للبلاد، فيما يشكل الغاز الروسي 35% من احتياجات الاتحاد الأوروبي - بعض الدول تعتمد على روسيا أكثر من غيرها- وكانت الحرب في أوكرانيا قد أدت إلى تفاقم أزمة أسعار الوقود الأوروبية، التي بدأت العام الماضي بسبب نقص موارد الطاقة مع خروج العالم من وباء كورونا.
إذا قررت الدول الأوروبية حظر استيراد الغاز من روسيا، فسيكون لهذا تأثير خطيرعلى شركات الطاقة الحكومية الروسية، لكن هذا التأثير سيظهر بوضوح في غضون عدة سنوات، كما تقول ماريا باستوخوفا، الخبيرة في الجغرافيا السياسية للطاقة في برلين؛ وذلك لأن روسيا قامت بتوفير احتياطيات أجنبية عالية على الإطلاق بقيمة 630 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة.
خيارات أوروبا
مع اقتراب فصل الربيع وعودة الطقس الدافيء، فإن من الممكن أن تستغنى أوروبا عن الغاز الروسي حتى الخريف المقبل، وفقًا لماسيمو ديودواردو، نائب رئيس أبحاث الغاز العالمية في شركة استشارات الطاقة Wood Mackenzie.
يقول ديودواردو: "ستخسر روسيا مليارات الدولارات من عائدات الغاز كل شهر". لكن بالنسبة لأوروبا فإن الزيادات في الأسعار الناجمة عن الحظر ستكون باهظة أيضاً، وكلما طالت مدة بقاء أوروبا بدون الغاز الروسي، زاد احتمال تعرضهم لخطر أنه بحلول الشتاء المقبل لن يكون هناك ما يكفي من الغاز في التخزين.
الخيارات المتاحة أمام أوروبا لاستغناءها عن الغاز الروسي محدودة للغاية على المدى القصير، فبمجرد أن يعود الطقس البارد ويعود الطلب إلى دول آسيا، ستنشأ الأزمة، كما أن مشاريع الطاقة المتجددة التي تريد أوروبا طرحها لتحل محل الغاز الطبيعي (وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري) يلزمها من 3-5 سنوات لتكون قيد التشغيل.
ومن المتوقع أن يضع قادة الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة تلزم المرافق بملء مرافق التخزين خلال الصيف لتجنب النقص في الشتاء، ووضع أهداف أكثر طموحًا لتقليل استخدام الوقود الأحفوري في السنوات القليلة المقبلة، فيما سيتطلب ذلك من الدول تكثيف الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين العزل في المباني لتقليل استخدام الوقود.
من غير المؤكد أن تكون هذه القواعد كافية بالنسبة لأوروبا للاستغناء عن الغاز الروسي بشكل تام، حتى مع وجود موردين جدد مثل الدول الخليجية وإيران وتركيا.
العقوبات وأسعار الطاقة العالمية
حتى لو دخل “حظر الغاز الروسي” ضمن عقوبات الغرب على روسيا، إلا أن الحرب الأوكرانية الروسية تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن تستمر تلك الزيادة لعدة أشهر، كما أن هناك مخاوف من أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يدمر أو يعطل البنية التحتية للغاز الطبيعي في البلاد، والتي تنقل عادة ما يقرب من ثلث الصادرات الروسية إلى أوروبا، أو أن روسيا تفكر في تقليص إمدادات النفط والغاز إلى الغرب ردًا على العقوبات- على الرغم من أن المحللين يقولون ذلك غير مُرجح على الأقل في الفترة الحالية.
من ناحية أخرى، فإن العقوبات المالية الحالية على روسيا - بما في ذلك خطط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتقييد وصول البنوك الروسية إلى أسواق بلدانهم - يمكن أن يكون لها آثار غير مباشرة، وقد تؤدي إلى أن المرافق في جميع أنحاء العالم يجب أن تدفع المزيد من الأموال لشراء الوقود من روسيا.