كوريا الجنوبية تعلن الحرب على هوليوود عبر قوتها الناعمة «الهاليو»
«الهاليو» كلمة إنجليزية من أصل كوري اجتاحت العالم مؤخرا، وتم إضافتها إلى قاموس إكسفورد للغة الإنجليزية، وتعني «الموجة الكورية»، دليلا على المد الثقافي والفني لكوريا الجنوبية التي لم يتجاوز عمرها الـ 70 عام، ولكنها باتت الأكثر شهرة في الوقت الحالي عبر قواها الناعمة.
وبدأ الهاليو في الصعود عالميًا انطلاقاً من الأعمال الدرامية والأفلام التي لاقت رواجًا عالميًا بات منافسًا قويًا لهوليود، ليلقى بظلاله على الموسيقى الشعبية الكورية ليحتل البوب الكوري “k pop” الصدارة عالميا، ويحصل الفرق المتعلقة به على مراكز متقدمة في الأكثر رواجاً والأكثر مبيعاً.
ولعل مسلسل «سكويد غايم» Squid Game، العرض التلفزيوني الكوري الجنوبي الذي حصل على تصنيف الأكثر مشاهدة لشبكة نتفليكس، خير دليل على موجة الاجتياح الثقافي الكوري، وظهر ذلك من دفع الناس إلى منافسة بعضهم بعضاً في مسابقات مميتة.
بزوغ نجم «الهاليو»
بدأت الثقافة الفنية الكورية الجنوبية طريقها بشق الأنفس وقت ظروف سياسية واقتصادية صعبة، فالرئيس كيم داي- يونغ الذي تولى السلطة عام 1998 بالتزامن مع معاناة كوريا الجنوبية من ضغوط الأزمة المالية الآسيوية، اهتم بالإعلام والثقافة الشعبية باعتبارهما مصدراً أساسياً للنمو الاقتصادي.
وفي سياق خطة دعم تطوير قطاع الـ «الهوليو»، سعت إدارته إلى زيادة وزن القطاع الثقافي الكوري (الموسيقى، والمسلسلات، والأفلام، وأعمال الأنيميشن والألعاب) كي تصل إلى 290 مليار دولار في سنتين.
كذلك قامت حكومة كيم داي- يونغ بزيادة ميزانية القطاع الثقافي من 14 مليون دولار عام 1998، إلى 84 مليون دولار عام 2001.
وفي سبيل تعزيز نتاجات الثقافة الشعبية الكورية، استخدمت الحكومة الكورية الجنوبية نموذج الشراكة القائمة بين القطاعين العام والخاص، ذلك النموذج الذي سبق أن طورته سيول في الأصل لتنمية قطاعات صناعة الإلكترونيات وبناء السفن وصناعة السيارات وغيرها من المنتجات المعدة للتصدير.
أولى ثمار التجربة
وفي عام 2002، حققت الدراما التلفزيونية أغاني الشتاء أو Winter Sonata أول نجاح كبير لتلك المبادرات، حيث حظى المسلسل الذي أبكى المشاهدين حول العالم بكثير من الجماهيرية، والذي دار حول قصة شابين عاشقين وقرر الثنائي الزواج لكن الفتى يتعرض لحادث خطير وتنتشر أنباء وفاته، لكنه يعود بعد فترة فاقدًا للذاكرة ليقع في حبها مرة أخرى، والعمل من بطولة باي يونج جون وتشوي جي وو وبارك سول مي.
وساهمت الدراما الكورية الجنوبية الشهيرة جزئياً بفضل اتفاقات عقدتها الحكومة الكورية مع مؤسسات بث عالمية، في جذب طائفة متابعين في جميع أنحاء العالم.
وتخطت مبيعات حقوق عرض "أغاني الشتاء" الـ3.5 مليون دولار في اليابان وحدها، وحين زار بطل هذا المسلسل طوكيو عام 2004، قصد المطار لاستقباله آلاف النساء المتوسطات العمر.
وفي الأثناء ارتفع عدد السياح الأجانب الذين يزورون كوريا الجنوبية بمعدل قارب الـ75 في المئة بين عامي 2003 و2004.
وجاء الجزء الأكبر من ذاك النمو بفضل جاذبية الثقافة الشعبية الكورية، وفق مسؤولي قطاع السياحة في كوريا الجنوبية.
شعار كوريا الخلاقة
وبدأت الحكومات الكورية الجنوبية المتعاقبة على العمل من حيث انتهى داي – يونغ، إن روه مو- هيون، الذي تولى الرئاسة عام 2003، وضع شعار "كوريا الخلاقة" وزاد دعم المشاريع الثقافية المبتدئة والناشئة.
ثم جاء خلفه لي ميونغ- باك من المحافظين، فأعطى الأولوية للصادرات الثقافية كوسيلة لتحسين الصورة الوطنية لكوريا الجنوبية وتعزيز نموها الاقتصادي. وكان لي ميونغ- باك حريصاً على نحو خاص على الترويج للطعام الكوري، مثل الـ"كمتشي".
أما الرئيسة التالية، بارك غوين- هي ، فقد وعدت في خطاب توليها السلطة أن يكون الإثراء الثقافي من صلب أهداف إدارتها.
كما تزامنت فترة بارك في الحكم مع إطلاق مغني البوب bc عمله الشهير «جانجنام ستايل»، الذي سرعان ما حقق نجاحاً عالمياً طاغياً، إذ حظي فيديو الأغنية من ذلك الحين بأكثر من أربعة مليارات مشاهدة على يوتيوب.
واستفادت بارك من الانتشار العالمي الخارق للأغنية فراحت تقدمها وتشاركها خلال زياراتها الخارجية كنموذج لثقافة البوب الكورية (الـ"ك بوب").
خطة كوريا الجنوبية الثقافية الأخيرة
جاء الرئيس مون جاي- إن، الذي تولى السلطة عام 2017، فتابع دعم النتاج الثقافي عبر الحوافز الضريبية والتمويل، كما سعت حكومة مون إلى استخدام القوة الناعمة لتعزيز موقع كوريا الجنوبية الدولي.
وفي هذا الإطار أتت مبادرته الخاصة في السياسة الخارجية ، التي صممت لتمديد علاقات سيول كي تشمل الهند ودولاً أخرى في جنوب شرق آسيا- فساعدت في تحويل تلك المنطقة الشاسعة إلى واحد من أكبر أسواق ثقافة البوب الكورية.
كذلك أسهم مون في إتاحة المجال لعروض ومسرحيات من ضمن ثقافة الـ«ك بوب»، ولكن حظه كان أوفر بوجود فريق الفتيان «بي تي أس» الذي يملك جيوش واسعة من المعجبين، مكنهم من أن يصبحوا مبعوثين رئاسيين خاصين في الأمم المتحدة من أجل أجيال المستقبل والثقافة.
وقد بلغ عدد مشاهدي الكلمة التي ألقاها هذا الفريق في الهيئة العامة للأمم المتحدة أكثر من مليون شخص حول العالم.
صناعة الموسيقى تخدم الاقتصاد
صناعة الموسيقى في كوريا الجنوبية، بفضل انتشار وشعبية تلك الفرق التي تقدم مزيجاً فنياً مميزاً يضم ألواناً متعددة من الموسيقى والإيقاعات، مرتبطة في معظم الأوقات برؤية بصرية ولوحات راقصة، ما جعلها تحقق أكثر من 550 مليون دولار أمريكي كصادرات فقط، وفقاً لما أوضحه موقع الإحصاءات "statista" في تقرير نشر أواخر أغسطس عام 2019، كما أوضح الموقع نفسه، وبحسب مسح أجري عام 2019، فإن 37 في المئة من المشاركين من أنحاء العالم أكدوا أن موسيقى البوب الكورية لها شعبية كبيرة في محيطهم.
كما أن الصادرات والاستثمارات الكورية سجلت فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة. فالشركات الكورية مثل سامسونج وأل جي وكيا وهيونداي باتت جزءاً بديهياً معتاداً من الحياة اليومية الأميركية – على نقيض تام مع الشركات اليابانية مثل تويوتا وسوني في الثمانينيات.
كما ساهمت فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي ورعاية الحكومة الكورية الجنوبية للمدونين في تهافت العالم في اقتناء المنتجات الكورية، وتجربة الوجبات التي يقدمها المطبخ الكوري، وبشكل خاص نجد في المنطقة العربية ارتفع بشكل ملحوظ الاقبال على الوجبات الكورية.