«موظف ونبيذ وبوسطجي».. حكايات من دفتر الكاتب إبراهيم أصلان
الكثير من الحكايات التي رواها الكاتب الكبير إبراهيم أصلان والذي تحل ذكرى ميلاده اليوم من عام 1953، وهو صاحب العديد من الروايات والمجموعات القصصية التي خلدت اسمه كواحد من مبدعي مصر الكبار، وفي مقالات متفرقة يحكي العديد من المواقف التي حدثت معه.
دار الأدباء
ذكر الروائي الكبير إبراهيم أصلان موقفا جمعه والكاتب محمد حافظ رجب، حيث قال: “أخذني حافظ رجب إلى دار الأدباء في شارع قصر العيني، وكانت هذه هي أول مرة أحضر فيها ندوة أدبية، أو غير أدبية، وكانت القاعة التي أنشأها يوسف السباعي مشغولة عن آخرها، والمنصة يعتليها شخص لا أذكره، حين لمحت شيخًا عجوزًا يغادر مكانه ويشق طريقه بقامته القصيرة والنحيلة، ويقف أمام المنصة”.
وتابع في مقال نشره بمجلة الهلال 1991: “تكلم الرجل عن القصص التي يتم الاشتراك فيها في مسابقة نادي القصة، قال إن هذه القصص يتم تحويلها أخيرًا إلى عدد من كبار الكتاب لكي يضعوا تقديراتهم النهائية، مؤكدًا أن أعضاء هذه اللجنة لا يجدون وقتا للقيام بهذا العمل، لذلك يدفعون بها سرًا إلى مَن يقوم بالمهمة، ثم يعطونه شيئا من المكافأة التي يحصلون عليها، وأنه شخصيًا واحد من هؤلاء المحكمين من الباطن”.
واستكمل: “انقلبت الدنيا ومال علي حافظ رجب وقال: هذا عمك عبد المعطي المسيري، الذي أضاف بهدوء أنه لا يريد أن يفضح أحدا، لكنه يريد أن يقول بأن الأوان قد آن لكي يتحول كل المحكمين من الباطن في هذا البلد على محكمين شرعيين معترف بهم”.
وانفض الاجتماع وأخذني حافظ رجب ورافقنا العم عبده إلى الخارج، وأثناء الكلام علمت أنه صاحب مقهى المسيري الشهير بدمنهور، وقد تركها قبل سنوات وجاء إلى القاهرة لكي يأخذ وضعه، ويعمل الآن موظفًا صغيرًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
وعندما سألته لماذا سكت كل هذا الوقت ويتكلم الآن تطلع إلي وهو يلعب بشفتيه لكي يضبط طاقم الاسنان داخل فمه وقال إن الكاتب الكبير الذي يتعامل معه قبض الفلوس هذه المرة من غدارة النادي وكتم عليها وهرب، وابتسم وهو يضيف: شوف قلة الأدب.
البوسطجي
في ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، بـ 8 شارع ﺭﺳﺘﻢ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻉ ﻣﻦ ﺷﺎﺭﻉ اﻣﺮيكا ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ في منطقة ﺟﺎﺭﺩﻥ ﺳﻴﺘﻲ.. كان إبراهيم أصلان يتولي توزيع برقيات وخطابات عملاء هيئة البريد التي كان يعمل فيها ببداية حياته كبوسطجى، ثم في إحدى المكاتب المخصصه للبريد.. وهى العمارة التي كانت مقر مكتب جريدة الحياة اللندنية بالقاهرة، التي تولي فيها رئاسة القسم الأدبى في أوائل التسعينيات، إلى جانب رئاسته لتحرير إحدى السلاسل الأدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، إلا أنه استقال منها إثر ضجة رواية وليمة لأعشاب البحر للروائى السوري حيدر حيدر.
علاقة إبراهيم أصلان مع البرقيات والجوابات ألهمته كتابة مجموعته القصصية «ورديه ليل»، وكانت سببًا في تقديم نصوصًا أدبية ما بين الرواية والمجموعة القصصية قائمة على التكثيف في العبارة، وهو ما تعلمه من الكلمات المحدودة بالبرقيات، والتي كان أصحابها يدفعون لهيئة البريد مقابلًا ماديًا نظير الكلمة، فحرصوا على أن تكون قصيرة وموجزة وتحمل من المعاني الكثير.
وعن تأثر والده ببرقيات وخطابات العملاء خلال فترة عمله كبوسطجى، قال نجله شادي أصلان: «إن إنطباعات العملاء ممن كانوا يستلمون منه الخطابات والبرقيات كخطابات التعيين، أو كلمات الوفاء من المغتربين لأقاربهم وأصدقائهم، ساهمت في تكوين العديد من الصور لدى ذاكرة والده، استعادها واستعان بها في أوقات الكتابة، كما أن قصر كلمات البرقيات ساهم في كون أعماله لم تكن من القطع الكبير، إيمانًا منه بأن النص الإبداعي لا يوزن بالكيلو، بل يقاس بمدى وصول عباراته وجمله وصوره لقارئه على وجه السرعة».
إبراهيم أصلان وعلاقته بالبرقيات كانت محطة ضمن سلسلة حلقات في حياة صاحب «مالك الحزين»، حيث انتقل خلال فترة دراسته بين عدة مدارس، حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها متجها إلى الدراسة بمدرسة صناعية.
نبيذ على الطائرة
قال الكاتب إبراهيم أصلان: أينما جلسنا أو وقفنا أو تنقلنا بين كافيتيريا مطار القاهرة الدولي أو توجهنا إلى دورة المياه أو صالة السفر، كان جورج البهجوري يرسم خطوطا كاريكاتورية سريعة لكل وجه يقابل، وهو يملأ بطاقة المغادرة أمام النافذة ويكتب في خانة المهنة "رسام عالمي"، ويرسم نفسه مع توقيعه الكبير الذي نعرفه، وضابط الجوازات يتقبل البطاقة ويبتسم.
وأضاف "أصلان" في كتابه شئ من هذا القبيل، كنا في الطائرة أنا والروائي محمد البساطي، والسينمائي علي أبو شادي، والتشكيلي جميل شفيق، والموسيقي فتحي الخميسي، والشاعر إبراهيم داود، نجلس متجاورين، والمضيفة سألتنا عما نشربه من شاي أو قهوة، والبهجوري بهدوئه الجميل، وملامحه التي لا تخلو من أسى طلب بالفرنسية كأسا من النبيذ غير المسموح به على الخطوط الجوية الكويتية، وعندما بان الذهول على وجه المضيفة اعتذر، وطلب شمبانيا وهي غير مسموح بها أيضا على الخطوط نفسها.
وبينما راحت تشاركنا الضحك كان هو قد انتهى من رسمها على ظهر ورقة مكتوبة وأهداها لها، والمضيفة تأملت الورقة باحثة عن الشئ الذي يشبهها في هذه الخطوط، ثم انتبهت إلى أن عليها أن تشكره ممتنة، وانصرفت.