فورين بوليسى: العمليات العسكرية فى أوكرانيا أكبر اختبار للغرب منذ الحرب العالمية الثانية
تعد العمليات العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا أكبر اختبار لسلطة ونزاهة الغرب الديمقراطي منذ 77 عاما، وربما تكون مناورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اختبارا أكبر حتى من اختبار أدولف هتلر؛ نظرا لأن روسيا تمتلك أسلحة نووية لوح بوتين باستخدامها إذا قام الغرب بالتدخل.
ويقول كونستانز ستيلزنمولر الخبير في العلاقات الأوروبية في معهد "بروكينجز": "لقد هددنا بوتين للتو باستخدام الأسلحة النووية إذا حاولنا مساعدة أوكرانيا.. هذه هي فعليا نهاية ترتيبات ما بعد الحرب الباردة، علينا أن نفهم أن هذا الهجوم على أوكرانيا هو هجوم علينا جميعا يمتد إلى ما هو أبعد من أوروبا والعلاقات عبر الأطلسي".
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها نظاما لحفظ السلام والمؤسسات الاقتصادية مصمما لمنع حرب كبرى أخرى، ومنذ ما يقرب من ثمانية عقود، عمل هذا النظام بشكل فعال إلى حد ما، حتى في مواجهة الحرب الباردة، لكنها تواجه الآن أكبر تحد لها.. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، يمكن لبوتين بسهولة تحويل الأمم المتحدة إلى عصبة الأمم، وهو مكان للنقاش غير الفعال، استهزأ به هتلر والإيطالي موسوليني في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويرى ستيلزنمولر أن كل دولة كبرى ستضطر إلى اتخاذ موقف من نوع ما، بما في ذلك الدول الصديقة لبوتين مثل الصين والهند، معتبرا أنه بالنسبة للدول الأوروبية على وجه الخصوص، مثل ألمانيا، فقد حان الوقت أيضا لإعادة التفكير في بنيتها التحتية الحيوية، سيما اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا.
وتعتبر "فورين بوليسي" أن معظم الأزمات العالمية الكبرى الأخرى منذ الحرب العالمية الثانية تبدو كأنها قضايا ثانوية نسبيا مقارنة بما بدأه بوتين للتو، عندما غزا الاتحاد السوفيتي المجر في عام 1956، أثار رد فعل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور السلبي انتقادات محلية، لكن العالم آنذاك كان منقسما بشكل صارخ بين الشرق والغرب، لقد كانت ذروة الحرب الباردة، ومع سيطرة السوفييت بالكامل على الكتلة الشرقية المعزولة، لم يكن هناك نظام دولي حقيقي لتعطيله.. مضيفة "ولكن، عندما غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت في عام 1990، وجد نفسه معزولا تماما من قبل المجتمع الدولي، حيث نجح الرئيس الأمريكي جورج بوش في حشد قرارات مجلس الأمن الدولي ضده، فضلا عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات، كما تم عزل الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش أيضا عندما شن حملة ضد مسلمي البوسنة وكوسوفو".
ويؤكد الدبلوماسي الأمريكي السابق جوزيف ناي الباحث في جامعة "هارفارد" أنه "في حين أن معايير ما بعد عام 1945 المتمثلة في عدم الاستيلاء على أراضي جيرانك بالقوة قد تم تحريفها في الماضي، إلا أن الوضع الحالي يبدو أشبه بالانهيار".
كما ترى "فورين بوليسي" أن هتلر بنى أفعاله على مزج وهمي بين الأسطورة والحقيقة، حيث برر تحركاته المبكرة مثل احتلال منطقة الراين المنزوعة السلاح والضم النمساوي، على فكرة أنه كان يعيد توحيد الشعوب الناطقة بالألمانية ويزيل مظالم معاهدة فرساي.. وبالمثل، يتحدث بوتين عن التاريخ الطويل للشعوب الناطقة بالروسية في أوكرانيا ودول الكتلة السوفيتية السابقة الأخرى مثل جورجيا، فضلا عن توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) باتجاه الشرق في الكتلة السوفيتية السابقة.
وما يؤكد أن بوتين لديه تطلعات أكبر من المعلن، وفقا للمجلة الأمريكية، هو تصريحه الأخير بأن أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة لروسيا.. ويبدو أيضا أن بوتين توصل إلى حسابات مفادها بأن الوقت قد حان لتحقيق طموحه في حياته المهنية لإعادة روسيا إلى عظمتها الإمبريالية الماضية، على مستوى الاتحاد السوفيتي في أوجها.. ويبدو أن بوتين قام بتقييم تأثير العقوبات على بلاده منذ توغله الأول في أوكرانيا عام 2014، عندما ضم شبه جزيرة القرم واستولى جزئيا على منطقة دونباس الأوكرانية، وقرر أن العقوبات قابلة للتحمل، ومن الواضح أنه قرر أنه إذا لم يتحرك الآن، فقد تحقق أوكرانيا طموحها في الانضمام إلى الناتو، والذي بموجب المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي قد يلزم الغرب برد عسكري.
كما يبدو أن الرئيس الروسي مستاء من حقيقة أن بلاده أقل اندماجا في الاقتصاد العالمي من الدول الكبرى الأخرى مثل الصين، باستثناء صادراتها من الطاقة، وهو الأمر الذي سخر منه السيناتور الأمريكي جون ماكين ذات مرة بوصفه روسيا بأنها "محطة وقود تتنكر في شكل دولة".
قبل كل شيء، يعرف بوتين أنه بالإضافة إلى ردعه النووي، فقد بنى قدرة إلكترونية قوية.. وفي أواخر يناير الماضي، ذكرت شبكة "سي إن إن" أنه وفقا لنشرة استخبارات وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، قد ترد موسكو بهجوم إلكتروني واسع النطاق على أمريكا إذا اعتبر رد الولايات المتحدة أو الناتو على الهجوم الروسي لأوكرانيا بمثابة تهديد لروسيا والأمن القومي على المدى الطويل، كما تؤكد النشرة أن "روسيا تحتفظ بمجموعة من الأدوات الإلكترونية الهجومية التي يمكن أن تستخدمها ضد الشبكات الأمريكية - تتدرج من مستوى منخفض إلى هجمات مدمرة تستهدف البنية التحتية الحيوية".
ومع ذلك، قد يكون هناك جانب مضيء في الوقت الذي غمرت فيه المشاعر القومية العديد من البلدان وتراجع التعاون الدولي، يمكن أن يوفر هجوم روسيا فرصة مجددا لتقدير الحاجة إلى الوحدة الديمقراطية، والتي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنها أحد أهدافه الرئيسية في منصبه.. وفي تصريحاته عقب العملية العسكرية الروسية، قال بايدن إن الرد طويل الأمد للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي سيكون تقويضا للقدرة العسكرية والاقتصادية لروسيا من خلال عقوبات شديدة على قيادتها وشركاتها وبنوكها.. ووصف بايدن العمليات العسكرية الروسية بأنها "اعتداء على المبادئ ذاتها التي تدعم السلام العالمي".
ويعتمد الكثير على تصرفات بوتين الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته في هذه المرحلة، لكن يبدو أن بوتين يدفع الغرب والنظام الدولي إلى حدود لم يتم اختبارها من قبل، وهو ما يعتبر دعوة للمجتمع الدولي للتنبه إلى القيود التي تم بناؤها منذ الحرب العالمية الثانية.