المؤرخة لطيفة محمد سالم: التاريخ العثمانى استعمارى.. وجماعة الإخوان انتهت بلا رجعة (حوار)
مؤرخة وكاتبة مصرية من مواليد الإسكندرية، وتشغل حالياً منصب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المتفرغ بكلية الآداب جامعة بنها؛ لها العديد من الدراسات والبحوث التاريخية فى المرأة والقضاء والثورات – وتحديداً ثورة عرابى-؛ كما أن قراءاتها للتاريخ منذ أن تخرجت فى كلية الآداب عام 1965 جامعة الإسكندرية، وحصولها على درجة الماچستير في الآداب (تاريخ حديث ومعاصر) بتقدير ممتاز عام 1970 كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم الدكتوراه في الآداب (تاريخ حديث ومعاصر) بمرتبة الشرف الأولى عام 1979 كلية الآداب جامعة القاهرة؛ ومعينها الأكاديميى لم ينضب بعد فعطاءاتها مستمرة وقراءاتها لتاريخنا الحديث والمعاصر كاشف لحاضرنا بل ولمستقبلنا.
عن التاريخ والحاضر والمستقبل؛ كان لنا هذا الحوار مع المؤرخة والباحثة الكبيرة الدكتورة لطيفة محمد سالم:
ـ طوال نصف قرن.. اتخذ فيها المؤرخين الوثيقة كمصدر للتأريخ إلى الفنون والموسيقى والسينما حديثاً .. هل تغيرت أدوات ومنهجية لطيفة محمد سالم فى قراءة وتفسير التاريخ المصري؟
الحقيقة أنها تغيرت لانى أقوم بتدرس تاريخ المصادر فى الدراسات العليا، وأن كانت الوثيقة هى "التابو" لنا فى تدريسنا التاريخ؛ إلا أننى ما زالت أقدم الوثيقة لطلاب الدراسات العليا ولكن الى جوارها عدد من مصادر التأريخ ؛ وليكن نريد أن ندرس عصر محمد على فهناك مصدر هام معايش له ولزمنه مثل الجبرتى علينا ان نرجع الى ما كتبه عنه، وايضا الدوريات فى التخصص، والصحف الحزبية، والدوريات المستقبلة مثل الدوريات العلمية التي تنشر فى مجلات علمية مثل السياسة الدولية، والمجلات ذات الكيان الموسسى وكذلك الرحالة الذي نتعرف منهم على أسرار كثيرة أبرزها الانطباع الغربى عنا، ومحاضر جامعة الدول العربية والبرلمان الإنجليزى والكونجرس الأمريكى؛ كل ذلك يخص فى المناهج التاريخى والبحث والاستقصاء وكلها تكشف فكر الحياة، كما ان مصادر تسند اليها مثل الآداب( الروايات والقصص)؛ وهو بالمناسبة ما يساعدنى أثناء مراجعة المسلسلات التاريخية قبل عرضها.
ـ بمناسبة المسلسلات التاريخية ما تقييمك لمسلسل "سرايا عابدين" عن عصر إسماعيل وانت كنت ممن راجعه؟
المسلسل كتبته كاتبة كويتية، وهو من إنتاج خليجي، وقتها عرض على المجلس الاعلى للثقافة تقييمه، لاحظت أن هناك تعمد فى تصوير إسماعيل طوال العمل مع الحريم فكتبت تقريراً دعمه حكم قانوني بايقاف بيعه لما يتضمن علي مغالطات تاريخية فيه، كان ذلك عام 2014.
فى الوقت نفسه، راجعت مسلسل "رجل من هذا الزمان" لعلى مصطفى مشرفه، وقتها كان محمد السيد عيد مؤلف العمل اختلق شخصية "جريكيه" أحبها رائد الاقتصاد المصرى فى العمل وهو ما وافقت عليه خاصة واننى وجدت انها شخصية لم تؤثر على السياق التاريخي للشخصية.
ـ فى تقييمك وانت لك العديد من البحوث المتعلقة بالتيارات الدينية من ثورة عرابى وما بعد.. كيف ترى المؤرخة لطيفة سالم التيارات الدينية الآن فى مصر؟
التيارات الدينية التى نستطيع أن نقول أنها كانت متماسكة تاريخيا جماعة الاخوان؛ رغم تأسيس جمعية الشبان المسلمين قبلها وهي جمعية منفتحة على كافة العلوم، ورغم ذلك توارت جمعية الشبان وظلت جماعة الإخوان فى المشهد الاجتماعى المصرى ولكن ما حدث لها بعد ثورة الثلاثين من يونيو وفشل كوادرها نستطيع أن نقول أنها انتهت بلا رجعة.
ـ هل ترى المؤرخة لطيفة سالم أننا بحاجة لقراءة التاريخ العثمانى فى مصر الآن؟
أنا مع الرأى الخاص بأنه استعمار لمصر فعند دراسة التاريخ العثمانى خلال 300 سنة تجد اننا استغلينا استغلال الأمثل، وبالنظر فى الفترة الأولى للاحتلال العثمانى التى تضمنت ابتعاث العمال والحرفيين المصريين للإستانة تجد أن عدد كبير من المصريين لم يرجعوا الى مصر بعد إنتهاء فترة التدريب، وهو ما لا يمنع أن كل ما ينتج فى مصر يورد كان يورد الى تركيا، كما ظلت مصر تدفع الجزية الى تركيا حتى عام 1955 بموجب معاهدة لوزان.
ـ التاريخ المصرى كتب مؤدلجاً ما بين اليسار والتيارات المتأسلمة واليمينة.. كيف ترى المؤرخة لطيفة سالم هذا الأمر؟
المشكلة كبيرة نظراً لكون ما كتبه المصريين انفسهم كلاً يرى أنه في صالح المسالة كوطنيين؛ رغم أن كل منهم قام بلوى التاريخ بحسب مصلحته؛ وهو ما برز بالذات بعد عبد الناصر، ورغم انى ابنة ثورة يوليو التي تتصف بكونها ذات أيادي بيضاء على الحركة المصرية لكن بعد ما حدث بعد ذلك كان بمثابة هذا الخلط الذى أدى لتغيير الهوية والانتماء، وهو ما أتبعته عندما بدأت فى إعداد كتاب "جذور ازمة السويس العدوان الثلاثى"؛ وقتها كنت متحمسه جدا إلا أننى حاولت ان أنزع مسألة النزعة الوطنية منى عند كتابة التاريخ، ودائما ما أجد نفسى عندما اؤرخ لفترات وتواريخ خارج مصر أكون أكثر حيادية.
ـ هل نحن فى حاجة للخروج من دراسة التراث والتاريخ إلى استشراف مستقبلنا الآن ؟
حتى نرى المستقبل علينا ان نضع له قواعده التى نستلهمها من قوانين وحركة التاريخ، وهنا يجب تنقية التراث فمثلا عندما أرخ الجبرتى نجد أنه ركز على الأقباط بشكل سلبى لكونه محافظاً، وهنا علينا أن نأخذ منه ولكن بحذر، والتاريخ كما نعرف انه مقسم الى مراحل فهناك التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر والتاريخ الذى نعيشه الآن، وعندما ندرس على سبيل المثال الحرب العالمية الأولى والثانية لنرى كيف أدار نابليون الحرب سنجد أنه هزم فى موسكو وهو ما فعله هتلر بعد ذلك حيث كرر نفس الهزيمة وهو ما يكشف لنا كيف يعيد التاريخ نفسه أن لم نستخلص منه قوانينه فى استراتيجية دراستنا للمستقبل.
ـ أثار الدكتور محمد أبو الغار مؤخرا في مقال له بإقراض الحكومة المصرية الاحتلال البريطاني قبل 1917 بمبلغ قيمته 3 ملايين جنيه إسترلينى لدفع أجور الفلاحين المصريين الذين التحقوا بفيلق العمال المصري.. ما حقيقة ذلك؟
ليس قرضاً وهو ما كشفته الوثائق والتقارير الإنجليزية التى أطلعت عليها، ولكنها كانت هبه بفضل من السلطان فؤاد؛ حيث لم نكن نقرض أو نقترض وقتها خاصة بعد عصر الخديوي إسماعيل.
ـ هل نحن فى حاجة لمؤرخين متخصصين مثل مؤرخو التاريخ الاقتصادى للحروب التى خاصتها مصر على سبيل المثال ومنها الحربين العالميتين الأولى والثانية لفض تلك الإشكاليات؟
هناك متخصصين فى كافة المجالات، أنا مثلا تخصصت وقدمت عددً من الدراسات فى أكثر من جهة مثل دراسات المرأة والتاريخ الاجتماعى، وتاريخ القضاء المصرى، والثورة العرابية، كذلك يوجد الدكتور أحمد الشربينى المتخصص فى التاريخ الاقتصادي بكلية الآداب جامعة القاهرة، والدكتور احمد زكريا الشلق المتخصص فى الفكر المصرى الحديث مثل الدكتور الراحل جابر عصفور، ونحن كـ أكاديميين دائما نوجه أبنائنا الباحثين للتخصص.
ـ كل فترة يظهر لنا كتاب يتخذ الأرشيف البريطانى والفرنسى والكونجرس مقدما قراءة لتاريخنا وفى أغلبها قراءة أحادية الرؤية.. كيف نجابه ذلك؟
الجمعية التاريخية عليها أن تنهض لتقوم بدورها فى هذا التوقيت، وسأعطى لك مثلاً عندما حققت فى وثائق السويس" قولت لابد أن أطلع على ما أنجزه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه "حرب الثلاثين سنة ..ملفات السويس" وجدته أميناً فى عرضه الوثائق رغم انه ظُلم فى ما قيل عن مؤلفاته التى استند فيها إلى الوثائق لكنى وجدته لم يزيف التاريخ.
ـ ما الدراسة التى تعكف على إعدادها المؤرخة لطيفة سالم الآن؟
طلب منى توثيق تجربتى، وأن كان تلاميذى وزملائى وثقوها فى كتاب صدر عنى بعنوان "رؤى فى الدراسات التاريخية الحديثة"، وهو ما كتبت مقدمته، وأن لم يكن لدى وقت لإنجاز سيرتى وتجربتي ففى الفترة الماضية قدمت اعتذارى من لجنة مركز تاريخ مصر والمجلس الاعلى للثقافة، والعديد من اللجان للتفرغ.