«البسة حميدو».. عاشق الإسكندرية وصاحب أقدم مركب في بحرها “فيديو"

في الأماكن تكمن الحكايات، وبين كل ما هو قديم، تتواجد الذكريات التي تعطي لكل مكان جماله الخاص، وفي مدينة الإسكندرية العديد من التفاصيل لكل منها رواية تجعلك تسبح فيها، فجمال تلك المدينة يتواجد بين أهلها الممزوج برائحة اليود في بحرها ونسيمها.

في رحلات «الدستور» داخل عروس البحر المتوسط، أردنا البحث عن أقدم مركب في بحر الإسكندرية، لتستقر بداخل أقدم مكان لتصنيع السفن والقوارب بمنطقة الأنفوشي، ولكننا وجدنا بين حطام المراكب القديمة قصة إنسانية بما تحمله الكلمة من معنى، بطلها أحد أبناء البحر الذي شب بين أمواجه، وخاض العديد من المغامرات، وعمل في تصنيع المئات من القوارب والمراكب باختلاف أنواعها.
خميس البسة حميدو، رجل ستيني غزا الشيب رأسه، ورُسمت على وجهه علامات الزمن، كأنها لوحة، تحمل بين طياتها الكثير من الخبايا التي، يرويها عم حميدو بحب عندما يسأل عنها.

«شوفنا مغامرات كتير في البحر، منها حالات غرق وناس راحت، أو مكنة بطلت في نص البحر، ومرة كنت هموت تحت مركب، البحر كان يفاجئنا، واتعلمنا أن الخطأ ميتكررش، وبرغم كدة كانت الحياة جميلة وكل موقف بقي ذكرى بنحكي لولادنا واحفادنا»، بتلك الكلمات بدأ الريس حميدو حديثه للدستور ليسرد ذكرياته مع قاربه المفضل وحكايات البحر.
وأضاف أن هناك مراكب ولدت على يديه، ومراكب أخرى أكبر من عمره، ولكن الأقرب إلى قلبه ومن خاض معه الكثير من المغامرات هي « حميدو» القارب الذي مازال متماسك، يعاند العوامل الجوية، رغم قدمه، وكسر بعض أجزاء بداخله، ليتابع «خميس» حديثه: « ده حميدو.. انا اتولدت لقيته بقاله 60 سنة في البحر، وشوفت معاه كتير في البحر وكان صديقي اللي عشت معاه عمري»، لافتًا إلى أن والده قام بتسمية المركب على اسم عائلته «حميدو» وكان يحبه وضمن المجموعة المتميزة التي يمتلكها، فهى مركب صيد ليست للنزهة.

يروي الريس حميدو العديد من القصص التي خاضها في البحر، واللحظات التي لا تنسى والتي كان من المحتمل أن تكون لحظات موت أو غرق، مؤكدًا أنه يريد أن يموت في البحر وهو يعمل وليس غريقا، قائلًا: «حميدو دي كنت هموت أنا ومجموعة معايا فيها، وربنا نجانا» متابعا أنه كان على متن القارب « حميدو» في رحلة صيد داخل البحر بمنطقة بحري، وأثناء العودة كانت هناك مركب صيد كبير قادم من أبو قير، وأثناء الدخول للميناء الغربي، فصلت «التعشيقة» الخاصة بالمركب، ودخل

 الميناء بسرعة كبيرة، في تلك اللحظة كنت أنا أمامه، فانحرفت بالمركب على قدر ما أستطيع لتفادي المركب الكبير، وبعدت عن مساره بمسافة بسيطة جدًا انقذتني من الموت المحقق أنا ومن معي.
بجانب القارب حميدو توجد العديد من  القطع الخشبية بأحجام متفاوتة عوامل الزمن، ومياه البحر وحرقة الشمس جعلت منها شبيه للقطع الأثرية، حيث يحتفظ بها للذكرى، لتصبح أشبه بمتحف شاهدًا على مغامراته في البحر.

وبداخل ورشة الريس حميدو، نجد بجانب العدد والأدوات، التي يستخدمها في عمله في تصنيع القوارب والسفن، ونجد بجانبها حائط يمتلئ بالصور القديمة، والذي يعتبره حائط البطولات، فكل صورة منه تحمل ذكرى لذلك الرجل مع اصدقائه أو مراكب قام بتصنيعها، أو فرحة برجوع قارب من البحر، فقط ينظر إليها ليستجمع ذكريات زمن جميل يعيش عليه حتى الآن.