«أنقذت نفسي من المشرط».. «ختان الإناث» لا يتوقف رغم العقوبات الرادعة
في عام 2016، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، تقارير صادمة حول الفتيات اللاتي خضعن لعمليات الختان، وتّبين أن عددهن وصل حينها لـ200 مليون فتاة على مستوى دول العالم، بينما وصلت نسبة مصر إلى نصف ذلك العدد، و87% من المصريات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 خضعن لعمليات الختان، ودون الـ14 كانت نسبتهن 14%.
ورغم حظر عمليات الختان في مصر منذ عام 2008، وفرض عقوبات صارمة تجاه مرتكبيها من أطباء و"دايات" بالحبس لمدة 7 سنوات، إلا أن الأزمة مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، اعتقادًا من البعض أن الأمر له علاقة بالدين، لكن دار الإفتاء استنكرت هذه الإدعاءات في إحدى بياناتها: “الختان حرام شرعًا واعتداء على المرأة”.
عملية خادعة
في سن العاشرة، كانت تقف منة (اسم مستعار) أمام باب منزلها في مدينة دمنهور، وتستعد للخروج مع زوجة أبيها في ليلة ليلاء، مازالت تتذكرها الفتاة العشرينية حتى وقتنا الحالي: “خدعتني وقالتلي هنروح مشوار صغير ونرجع على طول”.
لم يمضِ وقت قليل حتى وجدت الفتاة نفسها داخل حجرة ممتلئة بزميلاتها في المدرسة، وسألتهن حينها عن سبب تواجدهن في هذا المكان، لكن اتضح أن جميعهن لا يعلمن شئ، وإذ فجأة سمعت صرخات متتالية تأتي من غرفة مجاورة لهن، وبدأ ينتابها الشعور بالقلق عما سيحدث بعد قليل.
تتذكر المشهد الذي كانت تراه لمدة نصف ساعة، أثناء انتظارها في هذه الحجرة، مشيرة إلى الوضع الغريب الذي افترشن فيه بعض الفتيات على الأريكة، وأمام كل واحدة منهن “مروحة” خاصة، لكنها أيقنت السبب وراء ذلك بعد أن جاء دورها في الدخول إلى “غرفة الختان”.
تساؤلات عدة راودت ذهنها في ذلك الوقت، خطواتها نحو الغرفة كانت مترددة، ورفضت حينها الدخول بإصرار، حتى أقنعتها زوجة أبيها ورافقتها إلى السيدة التي كانت في انتظارها، تحمل مشرطًا وتخلع لها ثيابها، وفي لحظة ما شعرت الفتاة بشئ حاد يجرح عضوها التناسلي، وأنقذت الوضع على الفور بإطلاق ركلة قوية بقدميها نحو “الداية”.
ألقت نظرها سريعًا على المكان المجروح، ووجدت الدم ينهال من عضوها، لكن اكتشفت بعد ذلك أنه مجرد جرح صغير، ولم تُستكمل العملية بنجاح، لتتوجه على الفور إلى منزلها غاضبة من ما تعرضت له من خداع واعتداء جسدي صريح، وشكت ذلك لوالدها، الذي أخذ موقفًا صارمًا تجاه ما فعلته زوجته، كونه معارضًا من الأساس لفكرة الختان، لسماعه دائمًا عن حوادث الوفيات والإصابات على إثرها.
الشائعات الكثيرة التي ترددت حول أهمية إجراء عمليات الختان، وعلاقتها بانعدام رغبة الفتيات تجاه الجنس لحين زواجهن، كانت “منة” أكبر دليل لتكذيبها، واستطاعت عيش حياة طبيعية دون إجراء الختان، رغم أنها واجهت تنمرًا حادًا من قبل صديقاتها في المدرسة، اللاتي شهدن على الواقعة، وتعجبن من موقفها في عدم استكمال العملية.
الأمر الأكثر غرابة فيما رّوته الفتاة خلال حديثها مع "الدستور"، هو عدد الفتيات اللاتي تواجدن في مكان واحد لإجراء عملية الختان، وتجاوز عددهن في ذلك اليوم 20 فتاة، تُجري لهم العملية سيدة واحدة فقط كانت تتدعي أنها ممرضة، ولا يعلم أحد ما علاقتها بصاحب المنزل، الذي قرر فتح بيته لإجراء عمليات الختان.
كان قد تقدم مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، بما يقارب من 3 آلاف قضية نيابة عن النساء، وكسب منها حوالي 1800 قضية، كان منهم قضايا ختان الإناث، ووفقاً لليونيسيف، فهناك 50% من المصريين يعتقدون أن عملية الختان لها علاقة بالدين.
أوضحت الدكتورة رانيا يحيى، عضو المجلس القومي للمرأة، بالإشارة إلى الجولات المستمرة التي يتم تطبيقها بشكل منظم داخل المناطق الأكثر فقرًا وعلمًا في مصر، بهدف نشر التوعية بمخاطر عمليات الختان، والقضاء على هذه الظاهرة المتوحشة في هذه المناطق تحديدًا.
استكملت الدكتورة رانيا، حديثها مشيرة إلى أن وزارة الصحة تُعين لجانًا للتقصي، مهمتها إجراء التحريات حول الأطباء التابعين للوزارة والمنفذين لتلك العمليات في الخفى، وفي حالة ضبط أحدهم وهو يمارس تلك العمليات يتم محاكمته على الفور وشطبه من المهنة نهائيًا.
وجهت عضو المجلس القومي للمرأة، دعوتها لوزارة التربية والتعليم، لدورها الأساسي أيضًا في مواجهة الختان من خلال توعية الطلاب من مخاطر هذه الظاهرة منذ الصغر، على هيئة مناهج مبسطة وخفيفة يدرسونها مثل المواد الأساسية، حتى يتكون لديهم وعيًا بشأن مخاطرها، مشيرة إلى أن عادة ما تكون الأم هي التي لديها رغبة في إجراء العمليات لبناتها على عكس الآباء الذين لا يهتمون بهذا الأمر.