علي جمعة يوضح المعنى العلمي والديني لكلمة «والله أعلم»
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، تراهم يقولون في نهاية إجتهادهم أو بحثهم (والله تعالى أعلى وأعلم) أو (والله أعلم) وهي كلمة حكيمة تدل على أمور منها : أنه يعلن أن علمه محدود وأن حواسه التي تتلقى الواقع من حوله محدودة، وأن الدماغ الذي هو محل التفكير وأداته محدود كذلك، ومعنى هذا أنه مع اجتهاده وتعامله مع الواقع وبحثه يعترف بأنه محدود، ويبدو أن الذات لا تتضخم حينئذ ولا يغتر الإنسان بما قد توصل إليه، ويترك فرصة كبيرة من ورائه لقضايا القطع واليقين والجزم في مقابلة قضايا الظن.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا : من حكمة هذه المقالة أن ذلك العالم عنده استعداد لتغير ما قد يكون قد أخطأ فيه وأنه يرجع عنه فورا إذا ما تبين له الحق بالبرهان، وأنه يعلن أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، ولذلك فإنه لا يحترق أبدًا كما ذهب إليه بعضهم، ومن حكمة هذه المقالة أيضا أنه يرجع العلم إلى أهله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم كما في قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ، وفي قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) ، وفي قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) ، بل في أصل الخلقة حيث يقول : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا).
وأضاف : ورد العلم إلى الله يفيد فائدتين عظيمتين : الأولى : مستوى التفكير المستنير الذي يربط ظواهر الحياة بحقائقها، وهي أن هذه الدنيا مخلوقة لخالق وأن الله سبحانه وتعالى، لم يدعنا بعد ما خلقنا عبثا كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)، والفائدة الثانية : فائدة نفسية ترجع إلى العالم نفسه الذي يزداد تواضعًا لله كلما ازداد علمه، والذي يعلم عن يقين معنى قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ)، ومعنى قوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا)، ومن الحكم أيضا لهذه المقولة العظيمة أن العالم يترك مساحة للبحث بعده من غيره من العلماء.
وأوضح: هذه المعاني السامية التي أحاطت بقول العلماء (الله أعلم) قد تجاوزها كثير من المتصدرين بغير علم فيما لا يعنيهم، والذين نصحهم رسول الله ﷺ فقال : (من حسن إسلام المرء تركه ملا يعنيه) [أحمد، وابن حبان] فترى هؤلاء يتصدرون لكل أنواع المعرفة من غير علم، ويظنون أنهم إذا أنهوا كلامهم بقولهم (والله أعلم) قد نجاهم ذلك من المسئولية، ومن الحساب أمام الله، والأمر ليس كذلك، بل إن الله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى مسئولية الكلمة، وإلى أهميتها، فقال رسول الله ﷺ (المستشار مؤتمن) [الترمذي والدارمي]، وقال أيضا : (من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه) [الحاكم في المستدرك].
وأشار : وتراهم في كتبهم -حتى في دقائق المسائل- قد راعوا قضية المطلق والنسبي بصورة علمية دقيقة، خاصة من خلال اللغة فيما هو وصلة بين الخالق والمخلوق، فتراهم يقررون أنه يجب أن نخرج الذات العلية ـ سبحانه ـ عن سياق الكلام عن الأكوان، وأن يختص سبحانه ويستثنى مما تقتضيه استعمالات ألفاظ اللغة، يؤيد ذلك قول الشيخ الأمير: (والاسم الكريم حقيقة، وقال في الإتقان : الأعلام واسطة بين الحقيقة والمجاز، وكأنه لاحظ أنها ليست من موضوعات اللغة الأصلية، ولا يخفاك أنها لا تضعف عن اصطلاح التخاطب، والظاهر عدم المجازية فيه بوجه من الوجوه، ولو قلنا إنه كلي وضعا وإنه في الجزئي باعتبار خصوصه مجاز؛ إذ لا مانع من استثناء أسمائه تعالى، وتخصيصها بمزايا كما جعلوا تعريف علميته فوق الضمير إلى غير ذلك) اهـ. [حاشية الأمير على شرح الملوي على الاستعارات في شرح البسملة].