في ذكري ميلاده.. كيف دشن جيمس وات عصر الصناعة في العالم؟
كان لاختراع الآلة البخارية علي يد العالم الأسكوتلاندي جيمس وات، والذي تحل اليوم الذكري الــ286 علي مولده، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1736، نقلة كبيرة وقفزة في الحضارة الإنسانية، والتي نقلت العالم من الزراعة ودشنت عصر الصناعة، كما فتحت الباب علي مصراعيه أمام الاستعمار لفتح أسواق جديدة أمام وفرة الإنتاج التي حققتها الآلة البخارية، وفتح طرق جديدة للنقل البري من خلال القطارات.
ويشير الكاتب الأمريكي صمويل نيسون، في كتابه المعنون بـ"أحداث شهيرة من التاريخ"، إلي أنه: قلما اتفق أن يكون عمل ترميمي ميكانيكي عادي، سببا في تغيير مجري التاريخ العالمي، غير أن ذلك وقع بالفعل ذات يوم في مدينة "جلاسجو" باسكتلندا سنة 1764.
لم تكن الفكرة، كما لم يكن وجود آلة بخارية بالفعل، بشيء جديد على جيمس وات في ذلك اليوم، فمن قبل هذا ركب "نيوكومان" و"سافري" ماكينات استعملت في نضح الماء من مناجم الفحم، غير أنه لم يحدث، من قبل، أن اطلع وات وهو في الثامنة والعشرين من عمره، علي نموذج من ماكينة "نيوكومان"، عهد إليه به قسم العلوم في الكلية لترميمه وإصلاحه، ولم تتهيأ له الفرصة من قبل لكي يظهر عظم الميسرات التي يمكن أن تمد به هذه الماكينة أجيال البشر.
كان قد تمرس في لندن بصناعة الآلات، فلم يجد الاسكتلندي الصغير كبير عناء في إصلاح نموذج "نيوكومان"، غير أن هذا العمل أحيا في وعيه رغبة ساورته بصدد التفكير في الآلة البخارية ثلاث سنين سويا. فعندما تأمل في النموذج وهو يعمل، أدرك سريعا الغلطة الأساسية التي وقع فيها كل من "نيوكومان" و"سافري" في استعمال جهازهما، وأنهما كانا يستعملان كمية وافرة من البخار، فلم يكن ثمة من سبيل لأن يعمل الجهاز بطريقة اقتصادية.
وعمد من ثم إلي عدد من التجارب الميكانيكية لمعالجة هذه الصعوبة.
فلما فشل لم ييأس، وإنما ارتد يدرس خواص البخار علميا، وبخاصة العلاقة بين الثقل النوعي والضغط ودرجة الحرارة. أما أخص شيئ كشف عنه بدراسته هذه، فهو أن المحركات القديمة كانت تحاول القيام بعمل يتعذر القيام به في داخل الأسطوانة. وكشف عن أن درجة حرارة البخار المكثف المعد للدفع، ينبغي أن تكون منخفضة، في حين أن الأسطوانة نفسها تكون في نفس درجة حرارة البخار الذي يدخلها.
ومن هنا حكم بأن المطلوب هو مكثف منفصل يمكن تبريده بالماء يحقن فيه أو يغشاه من الخارج، وأن تظل الأسطوانة ساخنة لتتقبل البخار الجديد.
ولقد بادر إلي العمل علي تحقيق الفكرة، فركب نموذجا وضح له أنه صالح للعمل كما تصوره، في حين أن استهلاك الوقود، بعد أن اكتملت ماكينة جيمس وات وصنعت فعلا، كان أقل من ربع المقدار الذي كان يستهلكه نموذج "نيوكومان" من قبل.
لقد أدخل جيمس وات تحسينات حيوية أخري علي الآلة البخارية، وهي تحسينات من الكثرة والأهمية بحيث يكون من الظلم ألا نضفي عليه شرف الاختراع برمته.
من أوليات النتائج التي ترتبت علي نجاح جيمس وات في اختراع الآلة البخارية، إنقاذ عدد كبير من عمال مناجم الفحم وبخاصة في مقاطعة "كورونوول". ولولاه لهجرت، لضعف وسائل نضح الماء منها. وبعد قليل، عم استعمال قدرة البخار في النقل والصناعة، ثم بعد ذلك في توليد القدرة الكهربية.
ويلفت "نيسون" إلي: من أعجب الأشياء أن جيمس وات، قاوم فكرة التجريب علي البخار ذي الضغط العالي، بالرغم من أن احتمالات ذلك لم تكن لتخفي عليه بحال، بل إنه حاول أن يحمل البرلمان علي تحريم مثل هذه التجارب، غير أن فورة التقدم التي بدأها بنفسه، استمرت ولم تقف.