علي جمعة: تأملوا صفات الله واجعلوها أمامكم وتعلقوا بجلاله واستحوا منه
قال الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل في هذه الأمة كتابًا أبقاه خالدًا إلى يوم الدين ، وكان الكلمة الأخيرة فآمنّا بلفظه ومعناه ، بعقيدته وشريعته وما يدعو إليه من أخلاق، وأهل الله _وهم يعلمون أنه حبل الله المتين ، وأنه كلمة ربنا إلى العالمين ، كما علمهم رسول الله ﷺ _ يتخذون من القرآن الكريم حفظًا لهم من المصائب والعوائد ومن تقلبات الزمان حسًا ومعنى، وحفظًا لهم من الدخول فى دائرة الكفر والطغيان، وحفظًا لهم من الخذلان والخسران ، يتخذون القرآن عقيدةً في الجنان ، وألفاظًا تجرى على اللسان ، وعملاً في الجوارح بالأركان ، يتخذونه دستورهم.
وتابع " جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا : ومن هذا ما رواه الترمذى رضي الله تعالى عنه والدارمى وابن السنى والمروزى وغيرهم في كتب السنة المشرفة عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال: « مَنْ قَرَأَ (حم) لْمُؤْمِنَ إِلَى ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ،وَآيَةَ الْكُرْسِىِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِىَ ،وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِىَ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ ». وهنا يُعلمنا رسول الله ﷺ أن القرآن الكريم مفيد في لفظه وتلاوته كما أنه مفيد في معناه وأحكامه ، وأن الإنسان إذا ما تلى آية الكرسي -وفضلها معروف مشهور بين المسلمين- وحـم في ثلاثة آيات من سورة غافر أحاطته بكلأ الله ورعايته وعنايته.
وأوضح : فألفاظ القرآن مقصودة وتضع الإنسان في رَصَدٍ لا يستطيع إنس ولا جان أن يخترقه ، بعض الناس قد حوّل القرآن إلى هذا فقط ، وما نزل القرآن ليكون تميمة ولا ليؤدي بالناس إلى أن يختزلوه في ذلك ؛ بل إن القرآن نزل لهداية البشر ،ومن عظم شأنه وأنه كلمة الله التي لم تُحرف لا في لفظها ولا في معناها وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه.
وأشار: إذن القضية ليست هي طلب التعاويذ والتمائم من القرآن، ولا القضية هي أن نقف عند معانيه وأحكامه ونؤمن بها ؛ بل هو المعيشة في آيات الله صباح مساء ، نُعلنها بألفاظنا ونطلب الحماية والرعاية والعناية وصرف السوء من ربنا بها ، ونؤمن بها ونقوم بشأنها ونوقِعها على حياتنا الدنيا ، نعم ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ إذًا فهو حق لا يأتيه الباطل من بين يديه وهو صدق ووعده وموعوده صدق ، فهو كلام رب العالمين تنطلق منه بعد فهمك مراد ربك منه من غير لَكاعة. يقول رسول الله ﷺ (لا تقوم الساعة إلا على لُكع بن لُكع) من غير تأخر ؛ بل بهمة تنطلق من هذا الكتاب الكريم في طريق ربك إلى ربك ﴿اللَّهِ الْعَزِيزِ﴾ الذى لا مثل له ، وما دام لا مثل له فكلامه لا مثل له لا يشبه كلام المخلوقين ﴿الْعَلِيمِ﴾ وما دام عليمًا فهو كتاب علم مؤسس على الحقائق لا على الأوهام ولا على الأساطير ولا على الخرافات ، تكلم عن الغيب وأثبت ملائكةً وجِنّا فالملائكة والجن حق ، وأخبرنا عن الجنة والنار فالجنة والنار حق ، وعن البعث والقيامة فالبعث والقيامة حق ، وأرشدك فى هذه الحياة الدنيا إلى الصراط المستقيم.
وأضاف: كانت صفات جماله سبحانه وتعالى غالبةً على صفات جلاله ﴿غَافِرِ الذَّنبِ﴾ بدأ بالجمال وغافر الذنب حتى من غير توبة لمن يشاء ، فأتى بالواو وقال ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ و﴿التَّوْبِ﴾ جمع توبة أو مصدر لتاب يتوب توبًا ، وسواء أكان جمع توبة لأن الإنسان يتوب مرةً بعد مرة ، أو كان مصدرًا لتاب يتوب توبًا ، فالمصدر مطلق خالص غير مُقيد ، سواء أكان ذلك أو هذا فإنه قابل التوب ، جمال في جمال ثم لا يأتي بالواو ويقول ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾ وكأنها مفردة حتى لا يطمع الفاسقون في عفوه ويفسدون في الأرض فيقول ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾ ثم يرجع بعد ذلك لصفات جماله أيضًا لا يطيق البشر أن يكون ربنا شديد العقاب فيقول ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ أي الفضل والعفو والرحمة من بعد هذه الشدة ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ فيجعل هذه الصفة شدة العقاب بين جمالين؛ بين غفران ذنوب وقبول التوبة وبين الفضل الواسع من عنده سبحانه وتعالى والذي لا يحُدُه شئ.