علي جمعة: الإنسان المسلم ولد ولا يعرف له وطناً سوى هذه الأرض
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية: "ذهبت مع جماعة من العلماء والمفكرين إلى لندن في الفترة من 6-14 يونيو 2004 لمناقشة صورة الإسلام والمسلمين مع بعض المهتمين من أهل الفكر والعلم والسياسة والاجتماع، فازداد يقيني في وجوب إنشاء ذلك العلم الذي سيعالج تلك القضايا الخاصة المعقدة المركبة التي حيرت الغرب، وجعلته مع موروثه الحضاري المصادم والمستعمر لبلاد المسلمين في غاية الاضطراب والتخبط في المعاملة حتى مع مواطنيه.
وتابع “جمعة” عبر صفحته الرسمية، قائلا: وجدت مشكلة الجيل الثالث وما بعده الذي هاجر أجداده من شبه القارة الهندية وغيرها، وشارك في الثورة الصناعية وشارك أبناؤهم في الحروب التي خاضتها بريطانيا، وولد هذا المسلم لا يعرف وطنا سوى هذه الأرض؛ وإذ بالرغم من كل ما تعلمه ونشأ هذه النشأة يذهب لأعمال انتحارية هنا وهناك، والعقل الإنجليزي غير قادر على استيعاب هذه المعضلة، ويخرج له من يقول له: إن الإسلام في ذاته هو السبب؛ لأنه دين صدامي.
وأوضح : يقول برنارد لويس: إن الإرهابيين يطبقون الإسلام، وليس أنهم قد انحرفوا عنه، وتبدأ الحيرة لدى غير المسلمين؛ لأنهم رأوهم معمرين سالمين وفجأة يخرج منهم هذا الصنف ويكون برنارد جاهزا بتفسيره هذا، بل إن بعض من أسماؤهم أسماء المسلمين في حيرة أيضا ينشرون هنا وهناك ما يدل على قيام شبه التناقض في أذهانهم.
وأضاف: إن علم الخطاب سوف يؤكد على مفاهيم كثيرة تفسر هذه الحالة على وجهها، وتجعلها حالة خلل وتبين وجه هذا الخلل من غير حاجة للحيرة، سيؤكد علم الخطاب على مفهوم الأمة، ولكنه سيؤكد أيضا على مفهوم المرجعية، وعلى مفهوم التخصص، وعلى الفرق بين علم الدين والتدين، وسيؤكد على مفهوم الشروط التي لا يصح العمل إلا بها، فالصلاة لا تجوز بغير وضوء، ولو صلى مائة ركعة، ولا لقبلة غير الكعبة، ولو صلى ألف ركعة، ولا قبل دخول الوقت المعتبر شرعا، وكذلك الجهاد لا يجوز إلا تحت راية، وعندما فقدت الراية فلا جهاد، وسيتحول إلى قتل بدل أن يكون قتالا، ولو ادعى صاحبه أنه في سبيل الله، ففقدان المرجعية والشروط هو سبب الظاهرة مع قيام مفهوم الأمة في ذهن ذلك الشاب، وهو مفهوم صحيح ولكن لم يصله مقيدا بشروط العمل من خلاله فاختل الميزان في يده وأفسد أكثر مما أصلح.
وأوضح قائلا: النبي صلى الله عليه وسلم في مكة جاءه خباب يشكو إليه ويطلب النصرة، ويقول خباب بن الأرت رضي الله عنه: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا [في رواية أحمد] (فاحمر وجه وتغير لونه). فَقَالَ :« قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) [أخرجه البخاري].
وأشار: وقد ثبت في السنة النبوية (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَاباً لَهُ أَتَوُا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً. فَقَالَ « إِنِّى أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلاَ تُقَاتِلُوا) [رواه النسائي]، وقال الله تعالى، وكأنه يخاطب أولئك الجهلة الذين أعماهم الحماس عن الطاعة لربهم: (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوَهُمْ أَن تَطَؤُوَهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ) [الفتح : 25]، والذي تحير في تناقضه بين نصوص الكتاب المؤكدة للجهاد، ونصوصه المؤكدة للتسامح والعفو والصفح وقبول الآخر لم يعرف شروط كل منهما، وانفكاك الجهة يجعل الاختلاف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ونؤكد مرة أخرى على وجوب إقامة هذا العلم عسى أن نرى مؤلفاته خلال عشرين سنة قادمة وقد ملأت طابقا بحاله في مكتبة كبرى أو حُمّل على C.D حتى امتلأ به حمولة جهاز الكمبيوتر.