يتنفسون هواء ملوثا.. «مخلفات المصانع» تنشر فيروسات قاتلة بين المصريين
في أكتوبر 2019، تحولت حياة شاب لم يبلغ من العمر سوى 22 عامًا فقط، من أيام طبيعية يقضيها في ممارسة عمله كموظف في إحدى شركات خدمة العملاء، ودراسته في كلية التربية الرياضية بجامعة حلوان، إلى جحيم لم يكن على البال، بعد استنشاقه للروائح المتصاعدة من داخل مصنع أسمنت بمنطقة «أبو دحروج».
عانى محمد الوكيل، من فشل رئوي حاد حين بّدل عمال المصنع الغاز بحرق مخلفاتهم من أجل صناعة الأسمنت، والتي تسببت في نشر العديد من الفيروسات داخل المنطقة في ذلك الحين، ليجد نفسه في مأزق كبير جعله لا يتسطع العيش دون استخدام الجهاز التنفسي بمعدل مرتين في اليوم الواحد.
عمال المصنع كانوا على دراية تامة بمقدار الضرر الذي يتسببون في حدوثه، بل وشجعهم المالك على ذلك من خلال حثهم على تهدئة سكان المنطقة بتوزيع المال عليهم، مقابل عدم تقديم شكاوى ضد ما يقترفه المصنع من أضرار جسيمة.
وصف الشاب أولى لحظات مرضه خلال حديثه مع "الدستور": "في البداية كنت أعاني من ضيق شديد في التنفس، وتجاوزت الأمر لمدة يومين، حتى اشتدت الأعراض في اليوم الثالث، وتأثرت عضلات جسدي بشكل كبير منعني من الحركة أو قضاء يومي المعتاد.
التحليل الطبي واختبارات الدم التي أجراها الشاب العشريني، كشف انخفاض مستوى الأكسجين في جسده، وارتفاع مستويات ثانيأكسيد الكربون في الدم، ما جعله غير قادرًا على الاستغناء عن جهاز التنفس الصناعي حتى تعافيه نهائيًا بعد 5 أشهر.
الكارثة البيئية التي تسببها مخلفات المصانع مازالت مستمرة، وضحاياها يقعون يومًا بعد يوم، في غياب تام من الأجهزة الرقابية المسؤولة عن التفتيش ورصد المخالفات.
كانت آخر التحذيرات التي خرجت بخصوص هذا الأمر، صادرة من جهاز تنمية مدينة السادس من أكتوبر، الذي نشر بينًا يدعو فيه للحفاظ على المظهر العام واللائق بالمنطقة الصناعية، كما أهاب أصحاب المصانع بالمدينة الالتزام الكامل بعدم تواجد أي إشغالات خارج القطع أو إلقاء أي مخلفات، وفي حالة وجود خلل منهم، سيرفع الجهاز جميع الإشغالات، ويتخذ كافة الإجراءات القانونية.
وبالحديث مع الدكتور أمجد الخولي، استشاري الأمراض التنفسية، أوضح أن مخلفات المصانع تُعد من أخطر الظواهر التي تهدد البيئة بشكل عام، وصحة المواطن القاطن بقرب المصانع المصدرة لها بشكل خاص، فالأدخنة المتصاعدة تهاجم الرئة على الفور، وتخلق فجوة كبيرة بداخلها لا يمكن علاجها بسهولة.
وأضاف: "أخطر الحالات المتضررة من مخلفات المصانع الملقاة في الشوارع والمحترقة، كونهم يصابون بالفشل التنفسي الناجم عن مرض رئوي طويل الأمد يتفاقم تدريجيًا، أو عن مرض رئوي شديد يحدث فجأة، إثر استنشاق كمية كبيرة من الغازات الضارة كثاني أكسيدالكربون.
ومن ضمن الأعراض التي وصفها الطبيب: "تتسبب هذه الروائح الكريهة في خفض مستويات الأكسجين في الدم، كما تؤدي إلى تلوُّن الجلدبلون قريب إلى الأزرق، وأيضًا زيادة حموضة الدَّم، ما يجعل الرئتين عاجزتين عن العمل بشكل طبيعي، وبالتالي يحدث خللًا واضحًا فيوظائف المخ والقلب تدريجيًا، وحسب تفاقم الحالة، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى الوفاة.
ومن بين الـ1.1 مليون حالة وفاة بالتلوث الهوائي، تحمّل تلوث الهواء المنزلي المسؤولية عن 700 ألف حالة وفاة، في حين أزهقت أرواح 400 ألف شخص بأثر النسبة المتزايدة من التلوث البيئي الخارجي، بحسب عدد من الباحثين الذين قادتهم "كلية بوسطن" الأميركية و"برنامجالأمم المتحدة للبيئة".
ومن خلال دراسة تأثير ذلك الأمر على الأطفال، خلص فريق الباحثين إلى أن تعرض الرضع والأطفال الصغار لتلوث الهواء تسبب في فقدانعقولهم 1.96 مليار نقطة من "مُعامِل الذكاء" على صعيد القارة ككل.
وفي ذات السياق، شرح الخبير البيئي، محمد مدكور، أنواع الملوثات الصناعية في بداية حديثه مع "الدستور": "هناك نوع ينتج عن النفايات الخطرة اسمه الملوثات الصناعية السائلة، يؤثر بشكل مباشر على البيئة حين يدخل الماء في مرحلة التصنيع، ويصبح ملوثًا بعد ذلك، فالخطورة تظهر حين يتعمد أصحاب المصانع التخلص منه في الأنهار والبحار.
واستكمل: "لا يتوقف الضرر عند الحياة المائية فقط، ونفوق عدد كبير من الأسماك، بل يمتد أيضًا إلى صحة المواطن الذي يستخدم المياه الملوثة بعد ذلك، فضلًا عن الملوثات الصناعية الصلبة، التي تكون غير قابلة للتدوير أو الترك داخل المصنع، لذا يلجأ المصنع لوضعها ملقاة في الخارج أمام المجمعات السكنية".
أما عن الملوثات الصناعية الغازية، فهي تنتج عن عن الغازات السامة المتصاعدة من مداخن المصانع، وتحوي غاز ثاني أكسيد الكربونوأكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت، الناتجين عن الاحتراق، ما يؤثر على عملية التنفس التي تعتمد على عنصر الأكسجين بشكل أساسيًا.
شدد الخبير البيئي أيضًا على ضرورة وقف هذه الممارسات، والتخلص نهائيًا من انبعاثات الغازات السامة في الهواء، عن طريق تفعيل الرقابة المشددة على المصانع غير الملتزمة بمواصفات الصحة والسلامة، والتي تنقل فيروسات خطيرة بين المواطنين قد تتسبب في قتلهم.