don't Look Up.. كبار«هوليوود» يكتبون شهادة وفاة العالم
زخم كبير أحدثه فيلم «don’t look up» أو «لا تنظر إلى السماء»، على الساحة السينمائية، من خلال محتوى يمزج بين الكوميديا والدراما والتحليل الاجتماعى للشخصية العصرية، فى أجواء «فانتازية» مبهجة ومرعبة فى نفس الوقت، ما جعله يحوز على إعجاب الملايين.
استطاع مخرج العمل آدم مكاى تقديم جرعة من «الهجاء الاجتماعى» مغايرة لما قدمه فى أفلام مثل «vice» أو «النائب»، و«the big short» أو «العجز الكبير»، وأراد أن يقول للجمهور فى هذا الفيلم الجديد: «انظروا إلى السماء لكن احذروا من المستقبل».
ويصدم الفيلم الجمهور بنهاية محتملة لكوكب الأرض، فى الوقت الذى يمر العالم فيه على أرض الواقع بأزمة تغير المناخ التى تهدد بتبعات مرعبة على الوجود البشرى، فى ظل النقد الاجتماعى والسياسى الذى تواجهه الدول الصناعية بسبب ذلك.
ويطرح المخرج فى العمل نظرة شبه ساخرة للحياة وللنظام الأمريكى، كعادته فى أفلامه السابقة، لكنه يسخر هذه المرة من الكوكب بشكل كلى، عن طريق إظهار تفاهة البشر والمجتمعات الحديثة.
ويفتتح «مكاى» الفيلم بمشهد هادئ لـ«كيت»، التى تجسدها جينيفر لورنس، فى أثناء ممارسة عملها كعالمة فلك، وتتوصل إلى اكتشاف كبير وتخبر زملاءها، وأبرزهم «د. راندال»، الذى يجسد دوره ليوناردو دى كابريو.
بمنتهى الحماس والإثارة، تقول «كيت» لزميلها إنها اكتشفت خطرًا مرعبًا يهدد بقاء كوكب الأرض فى المستقبل القريب، بعدما تأكدت من وجود «مذنب» يقترب من الكوكب وسيصطدم به خلال فترة قريبة.
وتدور الأحداث فى إطار فانتازى، منذ لحظة اكتشاف ذلك الخطر، وتأخذ المشاهدين معها خلف مواقف متلاحقة بين «كيت» و«راندال» بعدما انضم لهما «د. كلايتون»، الذى يجسده روب مورجان، مسئول حماية الفضاء الحكومى، الذى وعدهما بعرض أمر «المذنب» الضخم على رئيسة الولايات المتحدة «أورليان»، التى تجسدها ميريل ستريب.
ويتوقع الثلاثة اتخاذ إجراءات حاسمة وإيجاد حلول تنقذ أرواح سكان كوكب بأكمله، لكن الرئيسة وموظفيها يتجاهلون المعلومة ويركزون فى انتخابات التجديد النصفى بدلًا من ذلك، ويشاهد «راندال» و«كيت» كيف تم تجاهلهما، فيقرران التعاون لإيصال قضيتهما إلى الناس، فيطرقان أبواب الإعلام على أمل أن تؤدى الدعاية إلى صدمة قادة العالم ما يسهم فى تحركهم لاتخاذ خطوات دفاعية ضد هذا الخطر.
ويخرج العالمان فى برنامج على الهواء مباشرة ليشرحا القضية للجمهور، لكن يواجهان إنكارًا وسخرية لاذعة من الضيوف والمذيعة اللامعة «برى ايفانتى»، التى تؤدى دورها كيت بلانشيت، وزميلها «جاك بريمر»، الذى يؤدى دوره تايلر بيرى.
ويتعرض العالمان لحملات إهانة وسباب إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى، وسخرية من صورهما باستخدام برامج «الفوتوشوب» والفيديوهات المزيفة، عبر تحويل خطابهما إلى أصوات كارتونية من خلال القطع والتركيب والمونتاج.
فى هذا العمل، يُظهر «مكاى» البشر فى المجتمعات الحديثة على حقيقتهم، عبر شرح الفراغ الذى يعيش فيه الناس وكيف يعانون من اضطرابات فى الفهم والإدراك، وهو ما يجعل مهمة «راندال» و«كيت» مستحيلة لإيصال ما لديهما إلى الرئاسة المنشغلة بالانتخابات والمصابة بجنون العظمة وتشن حروبًا ضد العلم، رافضة الاعتراف بخطورة «المذنب»، لدرجة أنها تطلب من العالِمين التوقف عن الأبحاث التى تخص الكارثة، والتراجع عن اكتشافهما لتهدئة العالم الذى بدأت الفوضى تنتشر بينه.
ويقدم «لا تنظر إلى السماء» نقدًا شديدًا للمجتمعات الحديثة، ويظهر مدى الاختلافات التى حدثت فى بنية التفكير لدى الناس على مدار السنوات، ويتم لأول مرة فى هذا الفيلم فضح وكشف البطل الأمريكى الخارق الذى طالما أظهرته الأعمال الفنية فى تيمات أفلام نهاية العالم التى تمجد نموذج البطل الأوحد، مثل «Armageddon» أو «أرماجدون» ١٩٩٨ لمايكل باى، وفيلم «deep impact» أو «ارتطام»، وهى الأعمال التى تناولت فكرة فناء العالم عن طريق اصطدام «نيزك» بكوكب الأرض، فيهرع البطل الأمريكى مُشمرًا عن أكمامه لينقذ الكوكب دون مساعدة من أحد أو من أى دول أخرى.
ويطرح الفيلم التساؤل الأكبر وهو: «كيف نعيش فى عالم ترى فيه الحكومات والقادة المأساة وتنتظر حدوثها ببرود، بل وتسمح بحدوث أسوأ الأشياء من أجل تحقيق مكاسب سياسية قد تمكنهم من النجاح فى الانتخابات أو تحقيق دعاية؟».
وتجسدت تلك الحالة فى الرئيسة «أورليان» المتعجرفة، التى تظهر وهى تدخن بشراهة ضاربة العالم عرض الحائط، وتتزعم حملة شعبية مضادة لتجاهل أخبار اقتراب «المذنب» رغم أن الناس قد بدأت تشاهده بوضوح فى السماء.
ويكتسب الفيلم زخمه ونجاحه من فكرته، وليس من هذا العدد الضخم من الأسماء اللامعة لنجوم هوليوود المشاركين فى العمل، الذى نجح المخرج كذلك فى توظيف شخصياتهم بشكل يخدم طبيعة العمل وفكرته وهدفه.
ونجد الشخصية التى أداها «ليوناردو دى كابريو»، على سبيل المثال، عادية متباينة، فهو رجل وسيم وخجول ومرتبك، عالم فلك وزنه زائد، ويفشل فى علاقته الزوجية، ورغم أنه يبدو غير مقبول اجتماعيًا، فإنه يحصد حب الجميع بعد ذلك، وأولهم المذيعة التى سخرت منه، ما يزيد شخصيته ارتباكًا، ويعد هذا الدور مغايرًا تمامًا لأدوار رجل العصابة أو ضابط البوليس التى اعتاد النجم الهوليوودى تقديمها مؤخرًا.
وتقدم ميريل ستريب دورًا مختلفًا فى شخصية رئيسة الجمهورية المنسحبة من مسئولياتها والمدخنة الشرهة، على عكس معظم أدوارها التى بدت فيها هادئة رزينة، مثل دورها فى فيلم «the post» أو «الناشر»، الذى لعبت فيه دور الصحفية «كاى جراهام»، التى تحاول فضح أحداث وقعت فى ٤ فترات رئاسية فى الولايات المتحدة، فيما تألقت كيت بلانشيت فى شخصية مقدمة برامج إخبارية، وظهرت واثقة بشكل مفرط وتمتلك طاقة عالية.
أما الحلقة الضعيفة فى الشخصيات فكانت جينيفر لورنس التى ليس لديها الكثير لتفعله فى أحداث الفيلم، بعد اكتشافها «المذنب» وحضورها فى البرنامج الإخبارى، لتختفى فى منتصف الفيلم، ورغم موهبتها الفذة ظهرت فى أداء عادى يمكن لممثلات كثيرات أقل قبولًا وموهبة منها تقديمه.
وبالرغم من المأساة التى تطرحها فكرة الفيلم حول النهاية الكارثية للعالم، يحتوى العمل على لحظات عاطفية قوية جدًا ومواقف كوميدية سوداوية للغاية.