«دراسات في الأدب العلمي».. كتاب يرصد ملامح الخيال العلمي في أعمال عربية
شهد أدب الخيال العلمي حضورًا واسعًا في الكتابات الإبداعية العربية رغم نشأته وازدهاره في العالم الغربي، ورغم ذيوعه إبداعيًا فإنه لم يلق الاهتمام النقدي الكافي، انطلاقًا من هذه الفكرة يرصد الكاتب والناقد السوري أحمد علي محمد ملامح وسمات الخيال العلمي في الأدب العربي قديمًا وحديثًا في كتابه "دراسات في الأدب العلمي"، الصادر حديثًا ضمن سلسلة الدراسات عن اتحاد الكتاب العرب.
يرى الباحث السوري أن النقد العربي قد غفل عن أدب الخيال العلمي مُتذرعًا بعدد من الحجج مثل عدم نضج هذا النوع من الكتابات في العالم العربي، وتغافل كُتابه عن سمات الكتابة الأدبية، وكذلك تهافت المعارف العلمية لديهم، وهي حجج يعتبرها الكاتب واهية لا سيّما مع وجود كتابات لافتة في هذا المضمار نجحت في أن تضع قدمًا راسخة وتتغلب على كثير من أوجه القصور.
الريادة في الأدب العلمي
يشير “علي” إلى أن الرسائل الفلسفية عند كل من ابن سينا وابن طفيل يمكن اعتبارها بداية للصلة في الأدب العربي القديم بين الأدب والعلم، فالتراث العربي يضم رسائل فلسفية كتبت في أزمنة متعاقبة مثّلت أساسا للتفكير الأدبي القائم على الخيال العلمي، ومن أبرز هذه الرسائل: "رسالة حي بن يقظان" لابن سينا. ورسالة "الغربة الغريبة" لشهاب الدين السهروردي المستوحاة من قصة حي بن يقظان، و"الرسالة الكاملية" لابن النفيس التي حذا فيها حذو سابقيه.
ويقول الكاتب عن صلة هذه الرسائل بالخيال العلمي: "هذه الرسائل ترسم أساسًا قصصيًا يعتمد على حقائق العلم، وتسهب في الخيال المرتكز على التفكير والمعرفة، وصورت جانبًا من معارف أصحابها. وأبرز ما في هذه الرسائل هو الجانب المنوط بالمتخيل السردي المرتبط بحقائق العلم وتصورات الفلسفة مما يؤكد وجود بذور للأدب العلمي عند العرب".
شعر الخيال العلمي
يلفت الكاتب إلى أن أدب الخيال العلمي قد ارتبط بالأشكال القصصية، فكانت نشأته مع الكاتب الفرنسي جول فيرن الذي نشر أول قصة في أدب الخيال العلمي عام 1863 بعنوان "خمسة أسابيع في منطاد" ثم كتب قصة أخرى بعنوان "رحلة إلى جوف الأرض" وبعد ذلك توالت الإنتاجات ومنها رواية "آلة الزمن" لجورج ويلز وغيرها.
أما شعر الخيال العلمي فنادر، ومنها قصيدة "الكويكب" للشاعر الروسي نيكولاي جلازكوف التي ترجمها الأستاذ بجامعة الأزهر أحمد شفيق الخطيب، وهي قصيدة تتكئ على منجزات أدب الخيال العلمي فيما يخص التوقع والاستبصار والسفر عبر الزمان.
نقد الأدب العلمي
يبين الكاتب أن ثمة كتابات أدرجها النقاد تحت مسمى أدب الخيال العلمي منها نتاجات نهاد شريف، الذي يعتبره النقاد رائد أدب الخيال العلمي في مصر، وبعض أعمال توفيق الحكيم كقصته "في سنة مليون" 1953، والتي يغلب عليها النظر الفلسفي في الحياة والطبيعة والكون، ومسرحيته "رحلة إلى الغد" 1958 التي تنطوي على نظرة استشرافية للمستقبل تتصل بصراع الإنسان مع الزمن، وكذلك مسرحيته "الطعام لكل فم" التي يتحدث فيها عن مشكلة الغذاء التي ستعاني منها الشعوب مستقبلًا، ومسرحيته "صلاة الملائكة" التي تتعرض لأثر العلم في إسعاد البشرية وتوفير حاجاتها.
أدب الخيال السياسي
يرصد الكاتب فروع أدب الخيال العلمي التي لم تكتف بمعالجة مشكلات البيئة والتلوث والفضاء والكواكب وإنما لامست مشكلات السياسة والمجتمع والاقتصاد عبر أدب الخيال السياسي، الذي يضم تحت لوائه أدب اليوتوبيا والديستوبيا.
ثمة عدد من الكتابات اهتمت بتصوير اليوتوبيا التي تعني مدينة فاضلة لا أثر فيها لفساد أو شرور أو مظالم، ومن أبرز هذه الكتابات كتاب "يوتوبيا" لتوماس مور الذي صوّر عالما مثاليا منتقدًا الأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية في عصره.
أما أدب الديستوبيا فيأتي على النقيض من اليوتوبيا ولكنهما ينضويان تحت مسمى أدب الخيال السياسي الذي يعد فرعًا من فروع أدب الخيال العلمي، إذ يتناول كل منهما الحياة السياسية بطريق القص مشفوعًا بالخيال، والديستوبيا تعني أدب المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير التي تصور مجتمعًا مليئا بالمفاسد وتبرز فيه ظواهر الخراب والقتل والدمار وتتحول فيه الكائنات البشرية إلى مسوخ متناحرة.
ويذكر الكاتب عددًا من الكتابات الغربية والعربية التي برزت في مجال الديستوبيا، ففيما يخص الكتابات الغربية ثمة أعمال نالت شهرة واسعة في هذا الصدد منها رواية "1984" لجورج أورويل، و"عالم جديد شجاع" لألدوس هكسلي، و"فهرنهايت 451" لراي برادبوري.
أما على صعيد الكتابات العربية، يمكن رصد عدد من الأعمال مثل رواية "الواجهة" لعز الدين عيسى، ورواية "حكاية العربي الأخير" لواسيني الأعرج، و"فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، و"حرب الكلب الثانية" لإبراهيم نصر الله، و"عطارد" لمحمد ربيع، و"الطابور" لبسمة عبد العزيز، و"روائي المدينة الأول" لعمر حاذق، و"أورويل في الضاحية الجنوبية" لفوزي ذبيان.
دراسات أدبيّة
يقدم الناقد السوري في كتابه قراءات نقدية في عدد من الأعمال المندرجة تحت راية أدب الخيال العلمي، ومنها رواية "هالة النور" لمحمد العشري، ساعيًا للوقوف على المنحى الجمالي خاصة مع انصراف النقد الأدبي عن دراسة الجوانب الجمالية لأدب الخيال العلمي، راصدًا أساليب مزج الروائي حقائق العلم بالتراث الأسطوري العالمي.
ويقدم الكتاب تحليلًا آخر لمجموعة "خلف الجدران المعتمة" للكاتب السوري طالب عمران، والتي تندرج ضمن أدب الديستوبيا، لما تصوره القصص من عوالم يسود فيها التوحش والدمار والقتل والخراب، ومن جهة أخرى يرصد اهتمام القاص السوري بأسلوب القص العلمي واعتماده على معارف فلكية ومعلومات جغرافية.
ويحلل الكاتب كذلك عناصر وسمات الفنتازيا في بعض أعمال أحمد خالد توفيق بصفته من أبرز الكتاب في هذا المضمار، موضحًا أن أدب الخيال العلمي يختلف عن الفنتازيا أو العجائبية في الرواية المعاصرة في كونه ينطلق من الناتج العلمي الحديث، ويعتمد على معرفة علمية تخصصية في حين تتحلل الفنتازيا من المنطق كليا وتعتمد على الخيال ولا نجد فيها أثرًا لقوانين نعرفها في الواقع وتعتمد على الزاد الأسطوري والميثولوجي وتشكل بنية متماسكة ومنسجمة ليس مع العالم الخارجي بل مع عالمها الخاص الذي ترتب أحداثها وفقه.