في ذكري تأسيس جامعة القاهرة.. هكذا كان دور مصطفي كامل وقاسم أمين
قبل 113 عام، في مثل هذا اليوم من عام 1908 افتتحت جامعة القاهرة أبوابها، لتنشر المعرفة والنور، وتكون نبراسا في طريق النهضة المصرية، وتشكل فكر أجيال تميل إلي توسيع مداركها بالعلوم والمعارف، لتسهم في إضافة نظريات مبتكرة ترفع شأن الحضارة الإنسانية.
شهدت مصر في أوائل القرن العشرين إنشاء مدارس للتعليم العالي، لكنها لم تكن جديرة بتكوين نواة من العلماء، فأدرك القائمون على إدارة البلاد أهمية إنشاء جامعة مصرية، وكان الزعيم مصطفي كامل أول من نادي في أكتوبر 1904 بإقامة جامعة للأمة.
وفي العدد 26 من صحيفة اللواء بتاريخ 1904 كتب مصطفي كامل :"مما لا يرتاب فيه إنسان أن الأمة المصرية أدركت في هذا الزمان حقيقة المركز الذي يجب أن تكون فيه بين الأمم. وأبلغ الأدلة علي ذلك نهضتها في التعليم وقيام عظمائها وكبرائها وأغنيائها بفتح المدارس وتأسيس دور للعلم بأموالهم ومجهوداتهم، ولكن وقد آن لهم أن يفكروا في الوقت الحاضر في عمل جديد، الأمة في أشد الحاجة إليه، ألا وهو إنشاء جامعة للأمة بأموال الأمة. وأخذ يبين ضرورة تنفيذ هذا المشروع الجليل، ودعا المفكرين وأصحاب الرأي إلي موافاته بآرائهم فيه، وطرق الوصول إلي تحقيقه.
وفي يناير 1905 عاود الدعوة إلي المشروع وكتب مقالات عدة، شرحا وتأييدا للمشروع، وأيد الأمير حيدر فاضل دعوة مصطفي كامل، فكتب أكثر من مرة عام 1905 في تحبيذ المشروع، واستنهض الأغنياء إلي الاكتتاب له، وجمعت في 1905 اكتتابات لهذا الغرض بلغت حوالي ثمانية آلاف جنيه، ثم وقف المشروع لعدم موافقة الخديوي في بادئ الأمر.
ــ حادثة دنشواي تعيد فكرة الجامعة للمشهد
في سبتمبر 1906 دعا محمد فريد إلي تأليف لجنة للاحتفال بعودة مصطفي كامل إلي مصر، فكتب إليه من باريس يعتذر عن عدم قبول هذا الاحتفال، واقترح فتح اكتتاب عام لتأسيس الجامعة المصرية. هكذا تجددت الفكرة عقب حادث دنشواي.
وفي سبتمبر 1906 أراد مصطفي كامل الغمراوي أحد أعيان بني سويف أن يوفر علي الطلاب المصريين الغربة في أوروبا، ففتح اكتتابا لإنشاء جامعة تضم كليات مختلفة قدوة بجامعات أوروبا. ولكن وقف الاستعمار حائلا دون تنفيذ الفكرة، إذ عارض اللورد كرومر إنشاء الجامعة، خشية أن تصبح نواة للقلاقل والثورات، فشن حربا عليها في الصحف، محبذا التعليم الأولي، فاستمال إلي رأيه بعض الناس، ونجحت معارضته بعض الوقت، فظل المشروع مهملا عدة أشهر.
ــ قاسم أمين يبعث الفكرة مجددا
نهض قاسم أمين، أحد زعماء الحركة الإصلاحية في مصر، ينفخ في النار التي كادت تخمد، فطلب من الخديوي أن يشمل المشروع رسميا برعايته الخاصة، وأن يجعل رئاسة الجامعة لأمير من أمراء أسرته، وقد تم ذلك، وبدأت الجامعة المصرية نشاطها في عام 1908، معتمدة علي طائفة من العلماء المصريين والأجانب. فألقيت في السنة الدراسية الأولي محاضرات عن الحضارة الإسلامية، والحضارات الشرقية، وعلوم تقويم البلدان والتاريخ والفلك واللغة العربية ولهجاتها، وآداب اللغتين الإنجليزية والفرنسية، والفيزياء والاقتصاد السياسي.
لم تعرف الجامعة المصرية قيود اللوائح والبيروقراطية، ولكنها كانت تتسم بالمرونة، فسمحت بحضور المحاضرات لكل مثقف، وشهدت قاعات المحاضرات لأول مرة في مصر العنصر النسائي، وكان روادها الأوائل الذين أرسلوا إلي فرنسا، هم الذين نهضوا بمسئولية المرحلة الجامعية التالية، ومنهم من جدد في مناهج التفكير والتعبير، وعلي رأسهم الدكتور طه حسين ومن زاملوه في جامعة القاهرة.