«بانوراما البرشا».. فتاة منياوية تصل بالمسرح من شوارع القرية إلى العالمية
منذ ٩ سنوات، حلمت فتاة مسيحية من قرية البرشا بمركز ملوى، بمحافظة المنيا، بأن يخرج الفن الذى تعلمته فى المسرح الكنسى للعالم كله، وبأن تسهم فى القضاء على الختان والزواج المبكر، فخرجت مع زميلاتها إلى الشارع، ومارسن السحر الجميل، وأثمر الاجتهاد والإصرار عن وصول فن فتيات مصر لدول كثيرة، مثل ألمانيا والتشيك وتونس والأردن.
الفتاة التى حققت حلمها تدعى يوستينا سمير، مؤسسة فرقة «بانوراما البرشا» لمسرح الشارع، تعلمت فنون المسرح داخل الكنيسة، وأدركت مبكرًا قدرة الفن الجميل على التأثير فى الناس، وقررت فى عام ٢٠١٣، مع شروق شمس ثورة ٣٠ يونيو، أن تخرج مع زميلاتها إلى شوارع القرية، وأن تجعل الأرض مسرحها. وقفت مع صديقاتها فى الميادين وأمام البيوت وفى الأسواق، ولم يكن الأمر سهلًا بالتأكيد، لأن الفتيات الحالمات كنّ- بفنهن- يفعلن كل ما قد يغضب المتشددين كارهى النور. ولم تكن الدولة بعيدة عما يحدث، فقد قدمت للبنات كل أوجه الدعم لإنجاح الفكرة، وأصبح هذا النشاط جزءًا من مبادرة تابعة لبرنامج «إيدك معانا»، وهو البرنامج الحكومى الأول لدعم وتمويل رواد الأعمال المجتمعية الشباب فى مصر، على مستوى جميع محافظات الجمهورية.
ركزت «يوستينا» على أن تكون مسرحيات الفرقة معتمدة بشكل رئيسى على الحوار البسيط والواضح، لتصل الأفكار بسلاسة لكل المستمعين والمستمعات للعروض، بالأخص ممن لم يحظوا بتعليم أساسى. فى البدية واجهت الكثير من الانتقادات والسخرية، وفى أول عرض للبانوراما اعتلت الصدمة وجوه الحاضرين، ولم يتقبلوا المحتوى المُقدم لهم ومنعوا الفرقة من الوقوف أمام بيوتهم، ومنعوا أيضًا فتيات القرية لفترة من الانضمام للفرقة أو حتى الاستماع للعروض. كان أقوى عروض الفتاة مسرحية «الفرح»، التى تتحدث خلالها عن قضية الزواج المبكر، وصنعت مشاهد ممزوجة بأغانى التراث، واستطاعت الفرقة- رغم صدمة الأهل من العرض- إقناع الناس وإيقاف بعض حالات الزواج المبكر قبل حدوثها. امتد أثر الفرقة لكل العالم، فمن القرية خرجوا إلى القرى المجاورة، ثم إلى محافظة القاهرة، ثم دولة التشيك من أجل عرض مسرحيات الصحة النسائية، ثم لدولة ألمانيا لتبادل الخبرات، ثم إلى تونس، ثم الأردن. مسرح الشارع هو شكل من أشكال الأداء المسرحى والعرض التقديمى فى الأماكن العامة فى الهواء الطلق، دون دفع مقابل مادى، ويمكن أن تعرض المسرحيات فى مراكز التسوق ومواقف السيارات والمحميات الترفيهية والحرم الجامعى وزوايا الشوارع، وجمهور مسرح الشارع ليس هو الجمهور المتعارف عليه، الذى يذهب للمسرح ويشترى تذاكر العرض، بل جمهور تجمّع مصادفة، ولا يعلم جمهور مسرح الشارع مسبقًا بموعد العرض فى الشارع، بل يفاجأ به.