30 سنة «كيت كات».. احتفاء خاص برائعة داود عبدالسيد
استضاف مهرجان القاهرة السينمائى، أمس، حلقة نقاشية حول فيلم «الكيت كات» بمناسبة مرور ٣٠ عامًا على عرضه، بحضور مخرجه الكبير داود عبدالسيد؛ ومهندس الديكور أنسى أبوسيف، والفنانين شريف منير وعايدة رياض، والمنتج حسين القلا.
وقدمت الحلقة النقاشية تحليلًا لمشوار داود عبدالسيد الذى تبدو الأفكار لديه أقرب إلى حبات العقد المنثورة التى تحتاج إلى أن يتم تجميعها وترتيبها بصورة منتظمة ومتوالية، لأن الفكرة- كما يقول- تأتى فى البداية ثقيلة الظل وغير مفيدة، لكنها عندما تقترن بفكرة أخرى إلى جانبها، ثم فكرة أخرى تالية لهما، تبدأ فى الظهور بصورة أكثر بريقًا وجاذبية، لأنه كلما تكاملت الأفكار فى العمل الإبداعى صار بناؤه قويًا ومؤثرًا.
ويرى «عبدالسيد» أن تشكيل اللوحة الإبداعية عنده مثل محاولة حل لغز غامض، ينتظر إضافة قطعة صغيرة لكى تكتمل الصورة وتظهر واضحة. وقد تكون هذه القطعة- حسب رأيه- شخصية أو جملة حوار أو حركة ممثل أو مكان، وساعتها يكتمل التصور، ويصبح كل شىء أمامه جليًا وكاملًا، ينتظر فقط قلمه لتدوين تلك الأفكار، ليصل فى النهاية إلى اكتمال هيكل فكرة فيلمه القادم.
ولا يحتاج داود عبدالسيد إلى الاستماع إلى الموسيقى كى تلهمه الأفكار، فى حين يعبّر عن كيفية تعاطيه مع الموسيقى بأنه يفضل أنغام الراديو ذات الصوت المنخفض.
ويعتبر المخرج الكبير أنه ليس لديه عمل آخر سوى ممارسة الكتابة والإبداع السينمائى، ودأب على ذلك منذ عمله مخرجًا مساعدًا فى أفلام «الأرض» عام ١٩٦٩ ليوسف شاهين، و«الرجل الذى فقد ظله» ١٩٦٨ للمخرج كمال الشيخ، و«أوهام الحب» ١٩٧٠ لممدوح شكرى. لكنه تمرد على مهنة مساعد المخرج لما تجلبه عليه من التعاسة، حسب رأيه، كونه لا يستطيع التعبير عن أفكاره الخاصة، وشعوره أن لديه رؤية مختلفة، يريد تقديمها على طريقته، فحمل كاميرته ونزل يجوب شوارع القاهرة يسجل من خلالها لقطات حية وحقيقية.
وصنع المخرج حينها أفلامًا تسجيلية أهمها «وصية رجل حكيم فى شئون القرية والتعليم» عام ١٩٧٦، وفيلم «العمل فى الحقل» ١٩٧٩، و«عن الناس والأنبياء والفنانين» ١٩٨٠، وقد حققت تلك الأفلام لداود عبدالسيد معرفة أوسع وأعمق بالمجتمع المصرى بجميع طبقاته ليصنع من بعدها أول أفلامه الروائية الطويلة «الصعاليك» عام ١٩٨٥، الذى حصل على جائزة العمل الأول فى مهرجان أسوان الأكاديمى لنفس العام.
وينفى «عبدالسيد« أن تكون الرموز فى أفلامه مقصودة، مثل أسماء أبطاله من «يحيى إلى موسى»، وربما يمكننا اعتبارها مجرد إسقاطات من التراث والأساطير.
أما عن أنسى أبوسيف، فهو الذى صنع عالم فيلم «الكيت كات»، ومن منا لا يتذكر المشهد الشهير للشيخ حسنى وهو يقود الدراجة البخارية وسط الشوارع، فقد كان هناك فى هذا المشهد بطل خفى لا يدرك الكثيرون حجم الإبداع الذى قدمه من أجل أن تظل هذه باقية فى ذاكرة الجمهور.
واستطاع أنسى أبوسيف أن يصمم بلاتوهًا كاملًا ليصيغ منه حى الكيت كات، ويمنح كاميرا «عبدالسيد» ودراجة محمود عبدالعزيز تلك المساحات والتعرجات والنواصى التى أشاع فيها الشيخ حسنى فوضاه الخلاقة، وكأنه يعيد تشكيل ذات المكان ببصيرته النافذة وهو الشيخ الضرير الذى يرى من العالم أبعد مما يراه الآخرون.
ويعرف «أبوسيف» مهندس الديكور بأنه «إنسان لديه قدرة على الإبداع، ونقل الواقع بشكل مبسط يستطيع من خلاله توصيل رسالة الفيلم للمشاهد الجالس أمام الشاشة، لذلك لا بد أن يكون على جانب من الثقافة والمعرفة بالمجتمع الذى يعيش فيه، وفى نفس الوقت لا بد أن يمتلك ذاكرة بصرية لجميع الأماكن التى وقعت عليها عيناه».
كما يعرف «أبوسيف» كيف يعيد خلق الواقع على الشاشة عبر المسافات والأبعاد وأحجام الأشياء وتناغمها اللونى وارتباط كل هذه العناصر بالدراما وموضوع الفيلم وشكله وإيقاعه البصرى.