«مكرم سلامة» حافظ تراث السينما المصرية على مدار 50 عاما
إن كنت من محبي السينما والأفلام السينمائية فما عليك إلا أن تحجز تذكرة وتكون أحد المتواجدين في صفوف أي من دور العرض لمشاهدتك فيلمك المختار مقابل عشرات الجنيهات، ولكن عشق "عم مكرم" للسينما اختلف لكي لا يكتفي بذلك وليرغب أن ترافقه كواليس السينما المصرية الموثقة طيلة حياته بشقته السكنية.
على مدار أكثر من خمسين عاما، حولت هواية مكرم سلامة، ٧٢ عاما، لجمع وأرشفة وثائق السينما المصرية شقته السكنية بمحافظة الإسكندرية لمتحف سينمائي، يجلس بين رفوف حملت أقدم الوثائق والكتب سينمائية، وأجهزة تليفيزيون وراديو لا تعرف أشكالها إلا من خلال الصور القديمة، لينقسم لشخصين، أحدهما صاحب شركة ملاحة بمدينة السويس بعدما كان يعمل في أحد مصانع السكر بمدينة نجا حمادي، والآخر عاشق ومحب للسينما المصرية لينفق ما يجمعه من ماله في شراء الأفيشات السينمائية والأوراق الأصلية لترافقه درب حياته.
التقت "الدستور" مع سلامة في آخر لقاء له قبل عرض متحفه المنزلي للبيع، ليحكي البداية في جمع وشراء أفيشات الأفلام ونسخه لشرائط السينما من سينمات مدينة نجا حمادي.
وبعد حرب أكتوبر إنذاك مع بدء بيع شركات الإنتاج لمحتوياتها من أرشيف الورق ونيجاتيف الصور الفوتوغرافية منهم مكتب أنور وجدي، وشركة محمد عبد الوهاب، وأيضا مكتب يوسف شاهين، ليضم متحف مكرم الفترة الحقيقية للسينما المصرية وإنقاذها من الضياع أو الهدر وتحديدا في الفترة من عام ١٩٣٠ إلى ١٩٦٠.
تزينت حوائط متحف مكرم المنزلي بأقدم أفيشات أفلام السينما المصرية منهم فيلم خلي بالك من زوزو، في بيتنا رجل، في الهوا سوا، حبيب الروح، ليلة الحنة، وأيضا عدد كبير من صور الزعماء والرؤساء المصريين وصور للفنانين المصريين، التي جمعها من بعض المكاتب وتجار الروبابيكيا.
كما حملت الرفوف أقدم أجهزة السينما والإذاعة وكاميرات العرض السينمائي التي جمعها من المنازل أنذاك ليقول سلامه إن تلك الكاميرات بحجم الـ١٦ ملي كانت تقتنى قبل تواجد التليفزيون وهي ما تم عرضها للبيع بعد ذلك مقابل أسعار زهيدة.
رحلة جمع وتوثيق قضاها سلامة طيلة حياتة، شغل تفكيره في كيفية إنقاذ التراث السينمائي من الهدر، لينقذها من بين أيدي تجار الفضة إنذاك بسعر مضاعف، والتي كانوا يتخلصون منها مقابل الحصول على جرامات محدودة من الفضة.
بجانب الأرشيف السينمائي احتوى متحف مكرم مجموعة نادرة من الأفلام الوثائقية لفترة الستينات والسبعينات، ليدير الكاميرا على فيلم توثيقي للنيل بصوت صلاح جاهين، وتحتضن مكتبته أفلام عن حرب أكتوبر، وأخرى للرؤساء المصريين، لأندرهم فيلم بمدة ٤٠ دقيقة لقضاء مناسك الحج باللغة العربية وآخر بالفرنسية صنعته دولة فرنسا لجنوب أفريقيا.
من أقدم الوثائق التي حملتها أرفف مكرم السينمائي، أول رخصتين للسينما في الإسكندرية واحدة لثالث عرض سينمائي في العالم بعد دولتي فرنسا وأمريكا وأول عرض في مصر وأيضا مايقرب من ٣٥ ألف نيجاتيف لصور فوتوغرافية للإذاعة المصرية في الفترة من عام ١٩٥٢ إلى عام ١٩٦٤.
إلى الآن يجلس مكرم سلامة على طاولته البلاستيكية ممسكا بين يديه نيجاتيف للصور الفوتوغرافية تحكي حكايات مصرية يشاهدها بين الحين والآخر، وعلى الرغم من عرض مقتنيات متحفه للبيع إلا أنه يرفض بيع نيجاتيف صور الحياة المصرية العادية، وأيضا مايقرب من ٥٠٠٠ صورة لمدينة الإسكندرية في الماضي لشواطئها وشوارعها والمعالم التي اختفت من الواقع الآن.
يحكي سلامة أن زوار متحفه السينمائي كثيرون وكان ممن يترددون عليه في فترة التسعينيات كان الفنان محمود عبد العزيز ليجلس بداخله والاطلاع على بعض محتوياته، فالمتحف ليس مغلقًا على ما تم أرشفته على مدار ٥٠ عاما، لكنه مفتوح لكل من يرغب زيارته والاطلاع على محتوياته، من الهواه والباحثين.
وعن بيعه لمتحفه السينمائي يقول سلامه إن ما اضطره لهذا هو سفر ابنه للخارج، الذي كان يساعده في أرشفة المقتنيات جميعها على أجهزة الكمبيوتر لتصل إلى ١٠٠٠ جيجا مليئة بالأفلام والوثائق والصور الفوتوغرافية لمزيد من التوثيق.
فبيع المتحف لم يكن هينًا على سلامه بعد ٥٠ عاما من التوثيق ليشترط أن من يريد اقتناءه، عليه شراء محتوياته التراثية كتلة واحدة دون تجهزأه لحفظها من الهدر والتفرقة.
وتابع سلامة أن هناك اجتماع بينه وبين ممثلين من وزارة الثقافة المصرية، للوصول لاتفاق مرضٍ لبيع محتويات متحفي السينمائي والذي قضيت عمري وأموالي في اقتنائها والحفاظ عليها.