في ذكري افتتاح أهم ممر ملاحى.. تضحيات المصريين لشق قناة السويس
ربطت بين الشرق والغرب والبحرين الأحمر والأبيض، واختصرت طريق التجارة بين قارات العالم، إنها قناة السويس، التي تحل اليوم الذكري الــ 152 علي افتتاحها في حفل رسمي مهيب، ضم رؤوساء وملوك وأباطرة العالم ترأسه الخديوي إسماعيل.
كانت الإمبراطورة الفرنسية "أوجيني" ضيفة شرف الحفل، والتي أغرم بها الخديو إسماعيل حتي إنه أوصي المهندسين الذين صمموا الطريق المؤدي لمقر الاحتفال، بأن يضعوا عددا من المطبات، ما يجعل العربة تتمايل أثناء حملها لـ"أوجيني"، فتسقط في أحضان إسماعيل الذي كان يرافقها أثناء رحلتها بحسب الدكتور "عبدالمنعم جميعي" أستاذ التاريخ المعاصر.
بدأت فكرة شق قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر في عهد الملك سنوسرت الثالث، لربط البحرين عبر طريق غير مباشرة، من خلال النيل وفروعه، لتسهيل الطريق التجاري بين الشرق والغرب، لتمر السفن من البحر الأبيض عبر النيل حتى الزقازيق، وصولاً إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرّة، التي كانت تتصل بالبحر الأحمر آنذاك.
ومع دخول الحملة الفرنسية إلي مصر في الفترة من 1798 ــ 1801 تجددت الفكرة مع نابليوم بونابرت، إلا أن علماء الحملة الفرنسية عدلوا عن الفكرة عندما أكتشفوا أن معدل البحر الأحمد أعلي من البحر الأبيض. إلي أن وصل إلي حكم مصر الخديوي سعيد باشا، والذي منح امتياز حفر قناة السويس للمهندس الفرنسي فرديناند دي ليسبس، والذي بدأ في إجراءات تأسيس شركة لحفر القناة استعانت بالآلاف من المصريين للعمل في شق القناة، والذين استشهد منهم المئات وسط ظروف عمل سيئة.
ــ حفل افتتاح القناة بعيون رحالة برتغالي
يقول الرحالة البرتغالي إيسا دي كيروش في مذكراته “رحلتي إلي افتتاح قناة السويس.. خيالات الشرق” الصادرة في نسختها العربية عن دار العربي، بترجمة للدكتور السيد محمد واصل: " احتفالات السويس تمثل بالنسبة لي واحدة من ذكريين كبيريين، إحداهما عن القاهرة والأخري عن القدس. وهناك ذكريات تختنق بين تلك الذكريين الوضاءتين، ومثلها مثل رسم تخطيطي بالقلم بين قطعة قماش جميلة رسمها "دي كامب" عن القرآن الكريم وأخري رسمها دي لاروش عن الإنجيل".
تتفرد مذكرات "دي كيروش" عن غيرها من كتابات الرحالة الذين تناولوا حدث افتتاح القناة لأول مرة، في أنها رصدت حياة المصريين البسطاء من عامة الشعب، بعيدًا عن طبقة الأستقراطية المتمثلة في الأسرة العلوية.
يذكر “دي كيروش” أنه حوار دار بينه وبين "ديليسبس" ويقدمه علي أنه أحد المهندسين في شركة القناة، تطرق للفلاحين وأحوالهم المعيشية وطباعهم: "هنا يعيش الفلاح، إن الفلاح هو مزارع وادي النيل، وكنا قد رأينا في الإسكندرية مجموعات صغيرة من العشش خارج المدينة علي حافة الصحراء، وأكواخ من الطين الداكن تملؤها الشقوق وهي منخفضة مظلمة تستند إلي جذوع الأشجار.. تلك هي بيوت الفلاحين".
وكنا قد رأينا للتو الفلاح يعمل بالشادوف في الحقول منكفئًا فوق البالات الثقيلة ويملأ القرب بمياه النيل، وينام ليله في شوارع الإسكندرية مطأطئ الرأس منكمشًا دون حراك كجوال في جرن القمح. وكنا قد رأيناه يضرب بالعصي علي أرصفة المدينة. كما رأينا عبر شبابيك القطار يعمل في الترع يأخذ الطين ويخلطه بالتبن والقش لعمل الطوب، كما رأيناه يصلي ساجدًا علي حافة الجدول. لباسه عبارة عن جلباب قصير أزرق يشبه البلوزة تضيق عند الوسط بحزام، ويلبس فوق رأسه طاقية بيضاء صنعت من صوف الأغنام. له ملامح جميلة وهادئة وعيون سوداء ترتفع قليلا عند الأطراف، أسنانه بيضاء قصيرة ومتلاصقة، له رأس صغير وأنف مستقيم مفلطح قليلا عند الطرف، وجهه مستدير أهيف القوام، أقدامه عريضة مبسوطة وبشرته داكنة برونزية. إنه بالتأكيد سليل المصري القديم".
ويكمل ديلسيبس: "ورغم أن العلماء لا يرون ذلك فإن الشبه كامل بين هؤلاء الرجال الذي يروون الأرض بالشادوف في حقول الدلتا وتلك النقوش لفلاحين وعبيد كهنة وفراعين نجدهم في المقابر الملكية أو في أبهية المعابد المصرية.