«الكونية القيمية أبعاد وتجليات».. موضوع بحثي بالملتقى العالمي للتصوف
تواصلت فقرات الملتقى العالمي السادس عشر للتصوف بالمغرب، والذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم “CEMEIA”، تحت شعار "التصوف والقيم الإنسانية: من المحلية إلى الكونية"، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، من خلال برمجة الجلسة العاشرة والتي بحثت موضوع "الكونية القيمية أبعاد وتجليات"، وقدمها الدكتور عبد الرحيم السوني، أستاذ باحث بالرابطة المحمدية للعلماء.
وأكد الدكتور عبد الله مشنون من إيطاليا، في كلمته أن رسالة الإسلام جاءت متممة لمكارم الأخلاق، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم عند حسن الخلق من كمال الإيمان موردا الحديث "اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم اخلاقا"، واضاف أن الإسلام جعل حسن الاخلاق أساسا للتعامل بين المسلمين وغيرهم ومنطلقا للحوار والدعوة الى دين الله عز وجل بالرفق واللين، مستشهدا بقوله تعالى لموسى عليه السلام "اذهب اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآياتي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ".
وأبرز الدكتور مشنون أهمية خلق السلم والسلام وقبول المخالف في تحقيق التعايش وإدارة التنوع في المجتمعات الإنسانية والابتعاد من أسباب التنافر والقطيعة، ونوه بما يقوم به المغرب بقيادة حكيمة من جلالة الملك لمد يد الحوار للقريب والبعيد ورأب الصدع، مستشهدا بقوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم".
وتناول الكلمة بعد ذلك الدكتور كريم غوش، متحدثا عن "فقدان المعنى وإعادة بنائه"، مبرزا الحاجة إلى القيم الروحية لتحقيق توازن الانسان، مؤكدًا ان امتلاك زمام العلوم المادية لوحدها لا يكفي للوصول الى الطمأنينة والسعادة التي يتوقف جزء كبير منها في العناية بحاجيات القلب.
وبدوره أكد الشيخ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية سابقا و عضو هيئة كبار العلماء إلى أن الإسلام جاء لسعادة الدارين الحياة الدنيا والدار الآخرة، داعيا الى التعاون بين كافة البشر لتحقيق القيم الانسانية، مضيفًا أن التصوف هو الصيغة المثلى من أجل التواصل مع امة الدعوة وكل إنسان في هذا العالم، وتابع أن التصوف هو الطريق الحتمي الوحيد اللازم للاتصال بأمة الدعوة والانتقال من المحلية إلى الكونية وإيصال السعادة للعالمين.
وأشار الدكتور جمعة إلى أن شعار الملتقى "التصوف والقيم الإنسانية من المحلية إلى الكونية"، يذكر بصفة مهمة من صفات التصوف الإسلامي، وهي انفتاحه على الناس جميعا سواء المؤمنين "امة الإيجابية" أو غير المؤمنين "أمة الدعوة"، مبينًا أن كل العالمين يعتبرون من امة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم جاؤوا بعده.
وأكد أن مقولة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لواليه على مصر مالك النخعي صارت مثالا يحتذى، موضحا أن الأمم المتحدة قد اعتمدته منطلقا للقيم الانسانية وحقوق الانسان في وقتنا المعاصر، وشدد فضيلته على أن القيم الإنسانية التي حصرتها الأمم المتحدة في 11 قيمة ، كانت كلها جزءا من القيم اسلامية.
وتطرق المفكر الفيتنامي الدكتور ميشال طاو شان إلى غنى المغرب في المجال الروحي، معبرًا عن امتنانه لهذا البلد الذي اكتشف فيه التصوف، موضحًا أن المغرب يعد نموذجا للانتقال القيم المحلية الى الكونية، وأضاف أن قيم التصوف المغربي تتميز بكونها قيما نبيلة ومستدامة، وتابع ان الذي و يعيش التجربة الصوفية يمنح كل يوم من معين متجدد من الحب، مطالبا بدمج التصوف في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
وتناول الدكتور جون اوندري كاليغون، نائب رئيس منتدى الفكر الاممي بفرنسا، في مداخلته موضوع "القلب المتعلم" ، تحدث من خلالها عن معارف وبيانات القلب المتعلم وخصوصيات هذا التعلم، موضحا انه "تعلم يحتاج الى مسيرة من السلوك والتأني، مسار يدري من خلاله الانسان فضاء ومعارف من العلم القلبي الذي يستمد من علم الله المطلق"، وأضاف أن لقاء العارفين بالله يثري عملية التعلم بفضل التربية الروحية التي يخوضونها، وقدم مثالا حيا وهو تجربته في الطريقة القادرية البودشيشية.
وفي الأخير تدخل الدكتور مصطفى بوزغيبة، باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، بكلمة عن إسهامات الصوفية في تحقيق الوحدة الوطنية، منطلقا من تعريف الوحدة الوطنية التي هي مجموع القيم المشتركة والمنظومات الثقافية والحضارية التي تجمع أفراد المجتمع والجماعة والتي على السلطة والمجتمع حمايتها والدفاع عنها وتنميتها لتحقيق الرقي الحضاري، كما أكد على أن الثوابت المشتركة للمغاربة تتمثل في العقيدة الأشعرية وإمارة المومنين والتصوف الجنيدي.
وذكر المتحدث الدور الكبير الذي لعبه الصوفية في تحقيق الأمن المجتمعي لفض النزاعات وتحقيق التكافل الاجتماعي، مشيرا إلى دورهم الفعال في مقاومة الغزو الأجنبي، ومن الصوفية الذين كان لهم دور كبير، تحدث عن الشيخ ماء العينين بالصحراء المغربية، والشيخ المختار بودشيش بالشرق، كما لم يفوت المحاضر إسهام الصوفية في الحفاظ على طابع إمارة المومنين من كل فتنة او انقلاب، مما جعل المغرب ينعم بنعمة الأمن والاستقرار.