لقاء الأفغاني وإقبال.. أمنيات حسن حنفي الأخيرة ومشروعاته المؤجلة
كتب المفكر والدكتور حسن حنفي ذكرياته وذلك في كتاب جاء تحت عنوان"ذكريات 1935/ 2018" وذكر فيه أمنياته عن المشروعات التي يود انجازها في المستقبل وقت انتهائه من اكلتاب عام 2018.
يقول حسن حنفي في الفصل الأخير من كتابه: "كان بِودِّي أن أُنجِز تفصيلاتٍ لما تركتُه عامًّا مثل «مقدمة في علم الاستغراب»؛ فالإعلان عن كونه مقدمة يُوحي بأن أجزاءً أخرى ستأتي؛ فقد أُعلن في مشروع «التراث والتجديد» أن موقفنا من التراث الغربي وهو علم الاستغراب يشمل 3 أجزاء: الأول، مصادر الوعي الأوروبي خاصة المصادر الأفريقية والآسيوية كما فعل مارتن برنال في الجزء الأول من «أثينا السوداء» لتحليل المصدر الأفريقي للحضارة الأوروبية. والثاني، تكوين الوعي الأوروبي؛ أي مراحله القديمة اليونانية والرومانية، الوسطى المسيحية، الحديثة في عصر الحداثة، وبالتوثيق اللازم كما فعلتُ في «موقفنا من التراث القديم». وكان هذا يحتاج عمرًا جديدًا لا أملكه، وعوضًا عن ذلك ساندتُه ببعض الترجمات مثل «نماذج من المسيحية في العصر الوسيط» والجزء الثاني من «قضايا معاصرة في الفكر الغربي المعاصر»، و«دراسات فلسفية»، كما ساندتُه ببعض الترجمات مثل «رسالة في اللاهوت والسياسة» لإسبينوزا، و«تربية الجنس البشري» للسنج، و«تعالي الأنا موجود» لجان بول سارتر؛ حيث يضع التقابل بين «الأنا أفكر» Cogito في بداية عصر الحداثة و«الأنا موجود» Ego في نهايته أو ما أسماه هوسرل الكوجيتاتوم Cogitatum؛ فالأنا ذاتٌ وموضوع، وبينهما إحالةٌ متبادلة.
ويواصل: "لو امتدَّ بي العمر لَنقلتُ إلى العربية «جوهر المسيحية» لِفيورباخ حيث يُحوِّل فيه الثيولوجيا إلى أنثربولوجيا، وذلك لِمساندةِ مُحاولاتِ المُعاصرِين بمشروعٍ مُشابهٍ داخل الحضارة الإسلامية، وكتابيَّ الأخيرَين عن «برجسون، فيلسوف الحياة»، «فشته، فيلسوف المقاومة». وكان بِودِّي الكتابة عن فلاسفة الحياة، ليس بالضرورة كُتبًا، ولكن يكفي المقالات العلمية كما كُنتُ أفعل في بداية حياتي العلمية الفلسفية في «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» و«الكاتب» و«المجلة». وقد جُمِعَت فيما بعدُ في «قضايا معاصرة» (جزءان)؛ الأول «في الفكر العربي المعاصر»، والثاني «في الفكر الغربي المعاصر»، وأيضًا في «هموم الفكر والوطن» (جزءان).
ويستكمل حنفي: "كنتُ أَوَدُّ أن أكتُب عن فلاسفة الحياة الذين أتَوا لِيملَئوا الفراغ بين العقليِّين والحسيِّين مثل دريش Driesch، دلتاي Dilthey، جويو Guyau، فوييه Fouillée، ثم فلاسفة الشخصانية مثل مونييه بعد أن قدمها محمد عزيز لحبابي في المغرب باسم الشخصانية، وهو مؤسس مجلة «روح» Espirit مع بول ريكير، ويُمثِّل اليسار المسيحي. كما كُنتُ أود الكتابة عن فلاسفة الوجود مثل هيدجر، وياسبرز، ومارسيل، وميرلوبونتي. وكُنتُ أوَدُّ الكتابة عن أورتيجا إي جاسيه بعد أن كتبتُ عن «ثورة الجماهير»، ونيتشه فيلسوف القوة والعدَم بعد أن قدَّمه فؤاد زكريا.
وتابع "كنتُ أَوَدُّ أن أقرأ أكثر وأكتُب أَقلَّ خاصة من مكتبتي الزاخرة بكل فروع الفلسفة، تاريخها اليوناني والروماني والوسيط والحديث والمعاصر، والفكر الشرقي القديم وفلسفة الدين، والفلسفة العامة وفلسفة الفن، وباقي العلوم الإنسانية، المنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع. كنتُ أَوَدُّ إكمال ثقافتي في الفلسفة السياسية وأن أقرأ العلوم السياسية والاقتصادية. وكنتُ أَوَدُّ أن أُكمِل ثقافتي في تاريخ مصر وتاريخ العرب الثقافي.
ويكمل: "كنتُ أَوَدُّ إكمال ثقافتي للعالم الثالث، أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وكُنتُ أود الكتابة عن «أمريكا، الأسطورة والحقيقة» بعد أن أعددتُ مراجعها ولم ينقُصْني إلا الوقت والناشر الجيد. كنتُ أَوَدُّ أن تُجمع مُؤلَّفاتي في دارِ نشرٍ واحدة، أعمالًا كاملةً أم مُجزَّأةً حتى يَسهُل الحصول عليها كما هو الحال مع أعمال الجابري الموجودة في مركز دراسات الوحدة العربية؛ فقد تناثَرَت دراساتي بين دار الفكر العربي، دار الكتب الجامعية، الهيئة العامة للكتاب، دار عين، مركز الكتاب للنشر، مدبولي، الأنجلو المصرية، مركز الكتاب المصري الحديث، وغريب، وقد طبَعتُ على نفقَتي الخاصة منعًا لهذا التشتُّت ظانًّا أن ذلك يجمع المُؤلَّفات في مكانٍ واحد مثل: «الحكومة الإسلامية»، «جهاد النفس»، «اليسار الإسلامي»، «من النقل إلى العقل»، الجُزءان الرابع: «علوم التفسير»، والخامس: «علوم الفقه»، و«محمد إقبال»، «من النص إلى الواقع»، «وطن بلا صاحب». وما زلتُ أنوي طباعة «هيجل واليسار الهيجلي»، «ذكريات» على نفقَتي الخاصة؛ فأنا لم أعُد قادرًا نفسيًّا على التسوُّل أمام أبواب الناشرِين، بل هم الذين يأتون إليَّ سائلِين. وكيف لي أن أستمر في التعامل مع رجالٍ أو نساءٍ لا هَمَّ لهم سوى الربح، ولا شأن لهم بالثقافة الجادة ونَشرِها؟ لقد انتهى العصر الذي تم فيه تكوين اللجنة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر التي أَسَّسها زكي نجيب محمود وأحمد أمين وثالثٌ لا أذكره، ولم تستطع الهيئة العامة للكتاب أن ترثها؛ فقد تغيَّر عصر الثقافة إلى عصر التجارة.
أتمنَّى أن أُدفَنَ بجوارِ من أحببتُ طيلة حياتي، توفيق في الاختيار وسعادة في طولِ البقاء. ولن يحزن مَن في مقبرة أبي وأمي وأخي وزوجته وشقيقتي وخالتي وحماتي وزوج أختي وعلي النجار من أقربائي؛ فالروح لا مكان لها، تتزاور بين البساتين وطريق السويس. أَتمنَّى أن تكون ضغطة الموت خفيفة؛ فقد تعِبتُ في حياتي، وأرجو ألا أَتعَب في وفاتي. وأَتمنَّى أن ألقى من كتبتُ عنهم، فشته وبرجسون، والأفغاني وإقبال. وأتمنَّى أن ألقى أساتذتي عثمان أمين وجان جيتون وطلابي، نصر حامد أبو زيد وعلي مبروك.