«كل نفس ذائقة الموت».. كيف نعى المفكر الكبير حسن حنفى نفسه؟
أصدر المفكر الكبير حسن حنفي كتابه "ذكريات.. 1935/ 2018"، في 11 فصلاً وذلك عن الجمعية الفلسفية المصرية، وعَنْون حنفي الفصل الأخير من كتابه بـ"كل نفس ذائقةُ الموت (٢٠١٨م–…)".
كتب مذكراته في شهرين
كتب د. حسن حنفي في نهاية مذكراته يقول:"استرسلتُ في الذكريات قَدْر المستطاع، قد أكون نسيتُ بعضها أو أوَّلتُ البعض الآخر، لكني لم أظلم أحدًا، ومن يُحسَّ بالظلم بعد قراءتها فليرُدَّ عليَّ، وتُجمَع هذه الردود وتُطبَع في نهاية الذكريات في الطبعة الثانية.
وذكر حنفي أن الكتابة هنا كعلاج نفسي، يكمل:" الذكريات تسيل كنهرٍ دافق، أكتبها كي أستريح من الكتب العلمية المُوثَّقة في أجزاء «التراث والتجديد»، وتنتهي براحة نفسية بعد التخلِّي عن ثقل التاريخ وهمومه، هو علاج نفسي أعطيه لنفسي عن طِيبِ خاطر، وأُجرِّبه لعلي أعود إلى «الروح الطائر». كنتُ أظن أنها ستأخذ مني سِنين، ولكنها أخذت مني شهرَين في صياغتها الأُولى، ثم شهرًا ثالثًا في الصياغتَين الثانية والثالثة، وأنا أَكتبُ كل يومٍ مرتَين، صباحًا ومساءً، لَعَلِّي أترك للأجيال القادمة قصةَ حُب مُفكِّرٍ لا يُفرِّق بين هموم الفكر وهموم الوطن.
حسن حنفي يودّع نفسه
في الفصل الأخير يستشهد حنفي بقول الرسول "ص" لأبي بكر:" الآن وقد اكتمل المشروع، وقاربت حياتي على الانتهاء؛ إذ لمَّا سمِع أبوبكر آية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، قال: «إن الرسول ينعَى نفسه.».
مشاريع كان حسن حنفي يود استكمالها
يكمل حنفي في نهاية مذكراته عن المشروعات التي يود استكمالها، يقول:" كان بِودِّي أن أُنجِز تفصيلاتٍ لما تركتُه عامًّا مثل «مقدمة في علم الاستغراب»؛ فالإعلان عن كونه مقدمة يُوحي بأن أجزاءً أخرى ستأتي؛ فقد أُعلن في مشروع «التراث والتجديد» أن موقفنا من التراث الغربي وهو علم الاستغراب يشمل ثلاثة أجزاء: الأول، مصادر الوعي الأوروبي خاصة المصادر الأفريقية والآسيوية كما فعل مارتن برنال في الجزء الأول من «أثينا السوداء» لتحليل المصدر الأفريقي للحضارة الأوروبية. والثاني، تكوين الوعي الأوروبي؛ أي مراحله القديمة اليونانية والرومانية، الوسطى المسيحية، الحديثة في عصر الحداثة، وبالتوثيق اللازم كما فعلتُ في «موقفنا من التراث القديم». وكان هذا يحتاج عمرًا جديدًا لا أملكه، وعوضًا عن ذلك ساندتُه ببعض الترجمات مثل «نماذج من المسيحية في العصر الوسيط» والجزء الثاني من «قضايا معاصرة في الفكر الغربي المعاصر»، و«دراسات فلسفية».
كما ساندتُه ببعض الترجمات مثل «رسالة في اللاهوت والسياسة» لإسبينوزا، و«تربية الجنس البشري» للسنج، و«تعالي الأنا موجود» لجان بول سارتر؛ حيث يضع التقابل بين «الأنا أفكر» Cogito في بداية عصر الحداثة و«الأنا موجود» Ego في نهايته أو ما أسماه هوسرل الكوجيتاتوم Cogitatum؛ فالأنا ذاتٌ وموضوع، وبينهما إحالةٌ متبادلة. ولو امتدَّ بي العمر لَنقلتُ إلى العربية «جوهر المسيحية» لِفيورباخ حيث يُحوِّل فيه الثيولوجيا إلى أنثربولوجيا، وذلك لِمساندةِ مُحاولاتِ المُعاصرِين بمشروعٍ مُشابهٍ داخل الحضارة الإسلامية، وكتابيَّ الأخيرَين عن «برجسون، فيلسوف الحياة»، «فشته، فيلسوف المقاومة».
يواصل:"كان بِودِّي الكتابة عن فلاسفة الحياة، ليس بالضرورة كُتبًا، ولكن يكفي المقالات العلمية كما كُنتُ أفعل في بداية حياتي العلمية الفلسفية في «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» و«الكاتب» و«المجلة». وقد جُمِعَت فيما بعدُ في «قضايا معاصرة» (جزءان)؛ الأول «في الفكر العربي المعاصر»، والثاني «في الفكر الغربي المعاصر»، وأيضًا في «هموم الفكر والوطن» (جزءان).
يتابع"كُنتُ أَوَدُّ أن أكتُب عن فلاسفة الحياة الذين أتَوا لِيملَئوا الفراغ بين العقليِّين والحسيِّين كـ دريش Driesch، دلتاي Dilthey، جويو Guyau، فوييه Fouillée، ثم فلاسفة الشخصانية مثل مونييه بعد أن قدمها محمد عزيز لحبابي في المغرب باسم الشخصانية، وهو مؤسس مجلة «روح» Espirit مع بول ريكير، ويُمثِّل اليسار المسيحي. كما كُنتُ أود الكتابة عن فلاسفة الوجود مثل هيدجر، وياسبرز، ومارسيل، وميرلوبونتي. وكُنتُ أوَدُّ الكتابة عن أورتيجا إي جاسيه بعد أن كتبتُ عن «ثورة الجماهير»، ونيتشه فيلسوف القوة والعدَم بعد أن قدَّمه فؤاد زكريا.