«حكايات عرَّاب الكاميرا».. على بدرخان لـ«الدستور»: بعض مخرجى هذه الأيام يسرق الأفلام الأجنبية بكل مشاهدها
إذا تحدثنا عن المخرج الكبير على بدرخان فنحن نتحدث عن التاريخ، ليس فى جوانبه الفنية فقط، بل بمعناه الشامل وبتفريعاته الإنسانية والاجتماعية والسياسية كذلك، لأنه ليس مجرد مخرج أو صانع أفلام فريد من نوعه، إنما «عرّاب» لزمن وحقبة مليئة بالزخم والريادة والتنوع فى كل المجالات.
وكرّم مهرجان الإسكندرية لأفلام البحر المتوسط، فى دورته الـ٣٧ مؤخرًا، المخرج الكبير على بدرخان، لإسهاماته البديعة فى السينما المصرية، من خلال أفلامه التى لا تزال فى ذاكرة ووجدان المشاهد العربى على اختلاف شرائحه. وفى الحلقة الثانية من حواره مع «الدستور»، يتحدث على بدرخان عن جوانب مهمة وخفية من حياته الشخصية، وكواليس خاصة من تصوير وصناعة أفلامه، وتجربته السياسية وغيرها.
قدت ثورة على مهرجان الإسكندرية حينما اختاروا فيلمًا فائزًا غير الذى حددته لجنة التحكيم
تجربة على بدرخان مع دورات مهرجان الإسكندرية السينمائى مليئة بالزخم، حيث عاش أجواء فنية وإنسانية جيدة حينًا وشديدة التعقيد أحيانًا أخرى، خاصة عندما تولى مهمة التحكيم فى إحدى الدورات.
يحكى المخرج الكبير: «كنت عضوًا فى لجنة تحكيم المهرجان عام ١٩٩٣، مع المخرج داود عبدالسيد، والناقد أحمد الحضرى، وكان المخرج صلاح أبوسيف مدير المهرجان».
يقول: «حكمنا واخترنا الفيلم الفائز، وكان (توت توت) من بطولة نبيلة عبيد، وإخراج عاطف سالم، وانتظرنا صناع الفيلم لاستلام الجوائز لكن لم يحضر منهم أحد. قمت بإبلاغهم تليفونيًا لحضور الحفل فى اليوم التالى».
ويكشف عن موقف غريب تعرض له خلال إعلان الجائزة: «لحظة إعلان الجوائز اكتشفنا أن الفيلم المعلن عنه ليس هو ما اتفقنا عليه كلجنة تحكيم، فلم أسكت، بل صعدت على المسرح وأمسكت بالميكروفون ونفيت هذا الاختيار، وأعلنت عن اسم الفيلم الذى اختارته لجنة التحكيم».
ويضيف: «ما كان من مسئولى مهرجان الإسكندرية سوى أن رفعوا قضية علىّ، اتهمونى فيها بإفساد الحفل، وتشوية سمعة مصر أمام المجتمع الدولى، وكان خصومى فى هذه القضية صلاح أبوسيف رئيس لجنة التحكيم، وأحمد الحضرى رئيس المهرجان، ومع ذلك كسبت القضية، وكان المفروض أطالب بتعويض، لكن لم يحدث، فلن أطالب زملائى بتعويض، وقتها الصحافة والإعلام انتقدتهما بشدة».
لكن على بدرخان لا يغفل دور مهرجان الإسكندرية «كمؤسسة وكيان يحفل بالعديد من السينمائيين والنقاد»، ويقول: «يتمتع المهرجان بزخم صنعه النجوم، وأفلام جديدة، وندوات، كما أن حضور الشباب السكندرى من محبى السينما يزيده بهاء».
ويضرب مثالًا بأحد الشباب السكندرى المحب للسينما فى مطلع التسعينيات، هو المخرج على رجب، ويوضح: «تعرفت عليه فى مهرجان الإسكندرية وكان طالبًا فى كلية التجارة يعشق السينما، واقترب منى فترة طويلة، ثم أصبح مخرجًا له أعمال جميلة»، ويتابع: «من هؤلاء أيضًا شباب درسوا فى معهد السينما بعد تخرجهم فى الكليات، مثل أحمد رشوان، وهشام الشافعى».
ويعيب «بدرخان» على بعض مخرجى هذه الأيام متهمًا إياهم بالاستسهال، ويقول: «المخرج إذا كان لا يملك أيديولوجية يريد نقلها للمشاهدين، فإن داخله فارغ»، ويضيف: «حاليًا نجد كثيرًا من المخرجين الموجودين منفذين جيدين، كل منهم يفعل ما يطلب منه، فينفذ المشهد المطلوب بصورة حرفية سليمة دون أن تكون له رؤية تربط بين أجزاء العمل، لأنه بالأساس لا يمتلك هذه الرؤية، ولا وحدة الأسلوب». ويكمل حديثه: «بعض المخرجين الحاليين فى الغالب يُحاكون مشاهد من أفلام أجنبية أعجبتهم فينقلونها حرفيًا بشكل أشبه بالترجمة وليس حتى الاقتباس أو التمصير. يصل الأمر إلى تشغيل الفيلم الأصلى على اللابتوب فى موقع التصوير ونقل لقطات بحذافيرها».
أحسست بالتعاسة حين بعت منزل العائلة بسبب ضائقة
يتحدث مخرجنا عن جوانب مهمة من مراحل تثقيفه منذ الصغر، ويقول: «أنا لم أقرأ لنجيب محفوظ أو توفيق الحكيم وأنا صغير. بل قرأت أرسين لوبين وروايات أجاثا كريستى والروايات العالمية الأخرى فى ذلك الوقت، لكن على الأقل قرأت، ووقتها لم يكن هناك أى وسائل ترفيه سوى القراءة، فلا إنترنت أو تليفزيون مثل الآن، حيث حلت هذه الأشياء مكان القراءة، حتى فى أثناء المذاكرة صرنا نجد الطالب يضع هاتفه إلى جوار كتابه المدرسى وينشغل به عن المذاكرة». ويعرج بالحديث إلى أجواء طفولته ونشأته ومنزل عائلته، ويقول: «تبقى فيلا عائلة بدرخان فى ذاكرتى، الظروف الصعبة أجبرتنى على التخلى عنها، كنت تعيسًا وأشعر بالأسى عند بيعها، مررت بأزمة مالية، وكثير من المتطلبات والاحتياجات كان من اللازم الوفاء بها، وأحزننى هدمها فيما بعد، لكن عزائى أن هناك من هدم بيت أم كلثوم وهى قيمة مصرية ضخمة». ويتابع الحديث عن منزله: «كانت الفيلا فى شارع استوديو الأهرام، وكانت وسط منطقة تضم أراضى زراعية يملكها مالك الاستوديو. وقتها كان والدى يعمل مع الاستوديو ويخرج له أفلامًا، وكانت قطعة أرض الفيلا عبارة عن باقى أجره. وكان الشارع الذى يقع فى حى الهرم عبارة عن استوديو ومنزل وسط المزارع حيث تمركزت حياتنا». ويروى: «اعتدت صغيرًا لعب الكرة مع عمال الاستوديو، فقد ولدت وحيدًا، ولدى شقيقة لا تلعب الكرة. كنت أدعو وأسأل الله لماذا ليس لدى جيران أو أصدقاء إلا أبناء العائلة الذين كانوا يعتبرون زيارتهم لى رحلة إلى الريف، إذ أن المنطقة الزراعية والحقول كانت ممتدة حتى شارع معهد السينما، ولكن كان يمر ترام فى شارع الهرم (التروماى الأبيض)، ولم يكن الأسفلت يحيط القضبان، ولكنها تربة زراعية، وعندما تهطل الأمطار يتحول كل شىء إلى طين ولا نستطيع السير، وكان شارع الهرم ممتلئًا بالسيارات وباعة الخضروات، خاصة الكرنب والقرنبيط من محاصيل المنطقة. كان منتجًا محليًا وليس استيرادًا من الخارج مثل الموجود فى أيامنا هذه».
طلعت رحلة مع سعاد حسنى لبلطيم ووالدى اكتشف الأمر
يتحدث على بدرخان عن علاقته بوالده المخرج الكبير الراحل أحمد بدرخان، ويقول: «كان يعاملنى بشكل رسمى، وأنا كنت أحاول أن أبدو جادًا، لأنه فى النهاية والدى، مثلاً، لم أستطع تدخين السجائر أمامه فى أثناء التصوير، فكنت أختبئ خلف الديكور، وكان يسأل: (أين على؟)، فيقولون ذهب ليشترى ساندوتش. فيرد أبى: (ساندوتش بلامونت ولا إيه؟) ويقصد السجائر».
ويحكى أنه أثناء تصوير فيلم «نادية» أصيب مخرجه أحمد بدرخان بأزمة قلبية، ونقل إلى المستشفى، وكان لا بد من اكتمال التصوير، فجاء المنتج حلمى رفلة لاستكمال تصوير اللقطات المتبقية، وفى تلك الفترة كان يعيش علاقة حب مع سعاد حسنى بطلة الفيلم.
ويحكى: «والدى كان يعرف أن هناك عاطفة متبادلة، لكنه كان يتظاهر بعدم المعرفة، خاصة بعد أن قمنا أنا وسعاد برحلة إلى بلطيم، وكنا نعتقد أن لا أحد يعلم عن هذه الرحلة، لكنى رجعت المنزل لأجد والدى يسأل صارخًا: (على.. أنتم كنتم فى بلطيم؟)، تعجبت جدًا، فأكمل حديثه: (هناك رجل قال إنه رأى سعاد حسنى فى بلطيم بصحبه شاب)، ودهشت».
ويروى كذلك عن صداقة والده للفنان الكبير فريد الأطرش، حينما كان متزوجًا من شقيقته أسمهان، ويقول: «كانت علاقة قوية، والأطرش شخص جميل، وكان يعرف تاريخ ميلادى، ويجلب تورتة عيد الميلاد كل عام حتى غادر مصر إلى لبنان».
ويكمل: «مرة فى أثناء تصوير فيلم، وكنا فى لبنان، دعانا فريد الأطرش فى كازينو، وكانت الاستعراضات الراقصة رائعة وقبل أن نودعه قال: (شفت يا أحمد؟ مش البلد القرف اللى انتوا فيها)، وكانت المرة الأولى التى أنظر له بغضب، بينما رد أبى: (هذه البلد التى صنعتك. هل نسيت فضلها عليك وحولتها إلى قرف؟)».
سجنت مع نجم وإمام وكان معنا تاجر مخدرات ظل يردد: «أنا بتاع الحشيش»
يكشف على بدرخان جوانب من تجربته فى عالم السياسة التى كان أبرز فصولها تعرضه للسجن.
ويحكى: «كنت صديقًا للشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ووقتها كان الرئيس الأمريكى نيكسون يزور مصر، فجمع الأمن كل المشاغبين والمتمردين. حينها كنا فى بيت (نجم وإمام) ومعنا بعض الأصدقاء من الجنود عابرى القناة فى حرب أكتوبر ٧٣. واعتقلونا جميعًا من منزلهما».
ويتابع: «كان معنا رجل فى المنزل يتاجر فى المخدرات، وأثناء التحقيق وعندما سمع التهم الموجهة له نفى كل ما ذكر وردد (لا دا أنا بتاع الحشيش يا بيه) واتحبسنا ١٥ يومًا، قضيتها ألاعب العساكر بأعواد الكبريت، وأصبحوا أصدقائى طوال فترة الاعتقال، وبعد خروجى كانوا يزوروننى».
وينفى انتماءه لأى فصيل سياسى، ويقول: «لم أكن وقتها يساريًا أو شيوعيًا، عمرى ما انتميت لحزب أو تنظيم، بالرغم من العروض المتوالية للانضمام لأحدها، لكنى فنان حر، وعندما أنتسب لحزب سوف أصبح ملتزمًا تجاهه بتبنى أفكاره وأسلوبه وطريقته. لكن حتى لو أننا متوافقين فكريًا أنا أرفض القيود».
ويكمل: «جاءت والدتى تطلب منى الانضمام للاتحاد الاشتراكى، لأن من ليس عضوًا فيه فهو مغضوب عليه ولن يعمل، فرفضت قائلًا: (يعنى أشترك فى الحزب عشان يشغلونى؟).. لا مش عايز أشتغل».
ويكشف عن سر انتمائه الكروى: «أنا أهلاوى.. ليه أبقى زملكاوى؟.. ليه أفضل متنكد على طول؟».
تمنيت صناعة فيلم عن فلسطين
يكشف على بدرخان عن أعمال وموضوعات كان يتمنى صناعة أفلام عنها، ويقول: «تمنيت كثيرًا إخراج فيلم عن القضية الفلسطينية، وتمنيت تنفيذ قصص أدبية مثل (العايش فى الحقيقة) لنجيب محفوظ عن أخناتون، وكان هناك مشروع لإخراجها مع التليفزيون فى فترة رئاسة ممدوح الليثى، ولكنها لم تصور». ويضيف: «بالرغم من إعطاء الرجل مراجع مهمة عن التصميمات المصرية القديمة (الفرعونية)، لكن هناك من يعمل دون فهم لطبيعة المهنة، فوجدتهم يبنون الديكور بالأسمنت، فشكوت لممدوح الليثى، لكن لم تكن لنا سلطة فى ذلك، توقف المشروع من جانب التليفزيون، ولم يسمحوا لى بالتدخل أو التعديل».