التأهيل النفسى للرياضيين أثناء كورونا
لا يزال مفهوم الرياضة فى مصر والعالم العربى منحصرًا فى كرة القدم التى تستحوذ على الاهتمام الأكبر من جانب الإعلام الرياضى.
البعض سيقول لى: هذا المتعارف عليه، ففى كل دول العالم تلفت انتباه ملايين المشجعين والمتابعين، لكن فى الحقيقة هناك اهتمام لباقى الرياضات، وهناك استثمارات تقدر بمليارات الدولار فى كل الرياضات.
ذكر الدكتوران «ريك ماكنتوش»، أستاذ مساعد فى الإدارة الرياضية بجامعة أوتاوا بكندا، والدكتور «جونزالو برافو ومينغ»، أستاذ مساعد فى إدارة الرياضة فى جامعة وست فرجينيا بالولايات المتحدة، فى كتابهما «إدارة الرياضة الدولية» الصادر ٢٠١٩- أن حجم الاستثمار والإنفاق الرياضى فى عام ٢٠١٩ تخطى ٥٠٠ مليار دولار، وربما يصل إلى تريليون دولار خلال عامين مقبلين.
إذن الرياضة ليست ترفيهًا وإنما استثمار ضخم، وقوى ناعمة تستطيع من خلالها تصدر المشهد العالمى وتحريك الرأى العام.
بالطبع أثرت كورونا على حجم الاستثمار الرياضى، لأن المنافسات توقفت ومن ثم لا وجود للتذاكر أو حقوق البث أو الإعلانات، وتوقع خبراء الاقتصاد الرياضى أن تصل الخسائر إلى ١٤٠ مليار دولار، بالتأكيد هذه الخسائر لها انعكاس على الحالة النفسية للرياضيين، بخلاف تأثير توقف النشاط ذاته.
أزمة كورونا أزمة متفردة، ليست لها سابقة، لذلك تتطلب تعاملًا نفسيًا مختلفًا، وهنا يأتى دور الطب النفسى الرياضى.
دعونا نوضح أولًا ما هو ودور الطب النفسى الرياضى؟
يركز الطب النفسى الرياضى على تشخيص وعلاج الأمراض النفسية لدى الرياضيين، بالإضافة إلى استخدام المناهج النفسية لتحسين الأداء، ونظرًا لأن هذا المجال وقاعدة أبحاثه جديدة نسبيًا، فإن الأطباء غالبًا ما يقدمون رعاية نفسية للرياضيين دون فهم كامل للمشكلات التشخيصية والعلاجية الفريدة لهذه الفئة من المجتمع.
فى أى مسابقة رياضية، تنتج عن الإنجازات المفاجئة والإخفاقات غير المتوقعة، ردود أفعال مختلفة، قد لا تكون واضحة، وعلى مر السنين طور المجتمع الرياضى طرقًا لفهمها.
ماذا عن دور الطب النفسى الرياضى فى أزمة كورونا، وإذا لم تكن للوباء سابقة فإننا يمكن تشبيه الأمر بلاعب أصيب إصابة شديدة أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة.
إصابات الملاعب فى مختلف الرياضات شىء شائع، ووارد أن تؤثر الإصابة البدنية على الحالة المزاجية للاعب.
ونشير هنا إلى أن الاستجابات العاطفية للإصابة تشمل الحزن، والشعور بالعزلة والتهيج، ونقص الحافز، والإحباط والغضب، وتغيرات فى الشهية واضطراب النوم والشعور بالانفصال.
تحدث ردود الأفعال العاطفية الإشكالية عندما لا تختفى الأعراض أو تزداد سوءًا بمرور الوقت، أو تبدو شدة الأعراض ومفرطة بالنسبة للرياضيين المصابين، والاكتئاب علامة تحذيرية مهمة بشكل خاص.
هنا يأتى دور الطبيب النفسى الرياضى ليجعل اللاعب يتخلص من المشاعر السلبية والإحباط ويتكيف مع الوضع ويتحفز لممارسة جلسات العلاج الطبيعى.
وبعد ذلك يأتى تأهيل اللاعب نفسيًا لعودته إلى الملاعب فى كامل لياقته النفسية والبدنية.
تتشابه استجابة الرياضيين العاطفية مع كورونا باستجابتهم مع الإصابة، وهذا طبقًا لدراسات حديثة حول الحالة النفسية للرياضيين أثناء الجائحة، وتختلف مشاعر وعواطف المشاهير والنخبة من الرياضيين عن مشاعر الجمهور العادى.
الرياضى المحترف اعتاد على حياة معينة: تدريب ومنافسة ومظهر معين، واعتاد على الشهرة، وعندما يختفى كل هذا، يبدأ فى إنكار ما حدث، ثم يدخل إلى الغضب ثم الإحباط.
دور الطب النفسى الرياضى هو جعل الرياضى يتكيف مع الظروف الطارئة حتى لا يصل إلى مرحلة الاكتئاب.
وهناك الكثير من النصائح التى يمكن أن تحول دون الوصول إلى مرحلة الاكتئاب فى أزمة كورونا:
كن مرنًا
المرونة هى المفتاح، حيث تؤثر كيفية تكيف الرياضيين على أدائهم فى المستقبل على وجه الخصوص.
ضبط وتحديد الأهداف
يحتاج الرياضيون إلى النظر إلى هذه الفترة كفرصة لمواصلة التحسن، وبينما لا تتغير أهدافهم يتعين عليهم تعديل الجدول الزمنى لهذه الأهداف.
استخدام الوقت بحكمة
يجب استخدام الوقت الإضافى كفرصة للعمل على الأشياء التى أهملوها، أو لم يتمكنوا من العمل عليها مسبقًا.
حماية ضد الإرهاق البدنى والذهنى
توفر هذه الفترة من البقاء فى المنزل للرياضيين فرصة للراحة أكثر، وممارسة تقنيات الاسترخاء وبناء إمدادات الطاقة للمستقبل.
ركز على أشياء أخرى
يمكن للرياضيين أن يكونوا مشهورين بسبب تفضيلهم رياضتهم على حساب كل شىء آخر، ويمكن للرياضة أن تولد الهوس، لذا يمكن الآن أن يكون الوقت قد حان للتركيز على المساعى الأخرى.
لتنفيذ هذه النصائح بشكل عملى يحتاج الرياضى إلى الخضوع إلى جلسات علاج سلوكى معرفى وتحفيزى.
الخُلاصة أن الرياضة الاحترافية صناعة ضخمة تحقق أرباحًا كبرى إذا تمت إدارتها بشكل علمى ونفسية، والرياضيون جزء من هذه المنظومة الاحترافية.