«المصريون والحرب».. كيف سجل جمال الغيطاني رحلة الكرامة؟
في كتابه “المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر” الذي صدر عن روز اليوسف عام 1974، وأخبار اليوم وأخيرا هيئة الكتاب 2016 عمد جمال الغيطاني إلى زيارة التاريخ أولا، هذه الزيارة كانت بمثابة التمهيد لما هو قادم، تماما مثل إعداد الجندي للحرب وتأهيله لأن يكون مقاتلا، راح الغيطاني يسجل أحداث الحروب منذ عصر الفراعنة مرورا بكل العصور التي كان بها حروب، ودلل على أن المقاتل المصري هو نفسه المقاتل المصري القديم، وأن الامر حين يحتاج فإنه يتحول من رجل صانع حضارة إلى رجل صانع وجود، راح الغيطاني يراقب ليس فقط من عين كاميرا ترصد وإنما من عين ترصد وجسد وروح يشاركان الجنود ذلك الحلم الكبير.
هؤلاء هم رجال الصاعقة.. قصص رجال على خط النار
قبل حرب أكتوبر وفي الفصل المعنون بـ"البعث" شرح الغيطاني كيف أن الجنود المصريين راحوا يتدربون على يوم أكتوبر قبله بكثير:" حتى الكيلو عشرة جنوب بورفؤاد كانت المنطقة المحررة من سيناء وقتئذ وحتى 6 اكتوبر كان ممكنا التجول والمشي".
ويعرج الغيطاني لشرح المقاتلين والأسلحة وكأنه يمهد القارئ للدخول للحرب:" في موقع متقدم كان هناك رجال الصاعقة، القناصة، إعداد جديد للمقاتل المصري يناسب ظروف المواجهة مع العدو، إن هذا الإعداد يمتد إلى كافة النواحي لكن بالنسبة إلى القناصة فأمامها تشعر برهبة إن رجال القواتا لمدربة على العبور للقناة تحيد بهم هالة خاصة تعبر عن التجسيد الحقيقي لما وصل غليه المقاتل المصري وقتئذ عبور القناة واقتحام مواقع العدو وخطفه واسره".
وينتقل ليشرح احد رجال القناصة:" كان القناص محمود نحيلا، يجلس في مربضه المواجه لمواقع العدو مباشرة، يستند جسمه على ساق واحدة، أما الاخرى فيستند إليها كوعه الذي يحمل البندقية الطويلة المركب عليها منظار دقيق، يظل القناص في موقعه ربما لعشر ساعات لا يحرك، وعينيه حادتين لا تملان ولا تكلان، يتظر ظهور طرف أي جسم منهم والطلقة عنده تساوي واحدا، طلقة واحدة فقط تنطلق من فوهة البندقية لتستقر في منتصف الرأس تماما، وعندما يقضي مدة لا يصيب فيها أحد فإن الضيق ينتابه وكثيرا ما يتراهن مع زملائه من القناصة أو الضباط على إصابة فرد من افراد العدو بعينه، إن القناص لا يطلق رصاصة بمجرد ظهور الفرد، إنما يتابعه وينتقل بسرعة إلى مكان أفضل للضرب، وغالبا ما يعرف خط سير الفرد من العدو.".
أما تعلب فيحكي عنه الغيطاني أنه نموذج عظيم للجندي المصري:" قدم إلينا نفسه وقعدنا نستريح، كان يشبه ناس الصعيد، فهو من سوهاج وتحديدا من جهينة، كان تعلب هو مرعب اليهود، أخذني وزحفنا في نفق طويل تحتا لأرض، والتقينا ضابطين على ضفاف القناة، تعلب لم يغاد ر موقعه منذ ست شهور، والعداء بينه وبين العدو عدا شخصي، هنا تحولت القضية للجنود من قضية عامة إلى قضية خاصة، العدو الصهيوني يهدد مصر، ومصر هي أختي وأمي".
الجيش المصري يخلق ابطاله، هكذا كان تعلب، أبطاله يولدون معمدين بالنيران، وهناك من شهرتهم فاقت لكل مكان في املعركة، يحكي الغيطاني:" كان هناك قناص يواجه العدو في أحد المواقع أثناء فترة التمهيد ولم تكن هناك اوامر بفتح النار، كان منظر العدو يستفز القناص فأطلق النار على اثنين واضطرت قيادة المنطقة لنقله للصفوف الخلفية، فتظلم وعاد مرة أخرى، هددوه بالمحاكمة وأعلن أنه لو حوكم سيقضي فترة المحاكمة ويرجع مرة أخرى".
ينتقل الغيطاني لمعتز أحد رجال الصاعقة:" التقي به ورجاله مرتين في 69 و 73، معتز فيه سمرة أهالي بورسعيد وجراتهم يتدلى من حزامه خنجرا ومسدس، وهو شديد الخبرة بمسالك سيناء، دروبها جبيالها وكهفوها، ومرات كثيرة التحم مع الاسرائيليين في قتال وجها لوجه
ويستمر الغيطاني في ذكر بطولات المصريين:" تسمع عنه، لا يقابلك جندي أو ضابط غلا ويحدثك عنه، هو المقاتل مرجان، اسمر اللون ينتمي إلى النوبة من قرية الديوان التي تتبع "كوم امبو"وهو طي ب ومرح يخدم زملاؤه ويعرض نفسه كثيرا للخطر من أجلهم، يعمل ميكانيكيا وبطولاته يعرفها الكل، تزوج أثناء تواجده في فترة التجنيد ويحظى بحب الجميع".
الطريق إلى النصر.. قصة الشوارع التي مهدت للفرحة الكبرى
هناك الكثير من المواقف التي مهدت للنصر العظيم، ويحكي الغيطاني عن الامور التي كان لها اسهام عظيم في جعل القلوب تؤمن بذلك،ومنها اسقاط الطائرة الفانتوم، كان ذلك عام 1970، ولم تكن هناك إلا طائرة واحدة فقط اسقطت من هذا النوع في كوريا، أما حكاية الطائرة فيقول:" كانذلك يوم ثلاثاء بعد العصر في منطقة فايد، واسقطت الطائرتان بواسطة سلاج دفاع الجو المصري، وحين سقط الطيار الإسرائيلي بعد نجاحه من القفز من الطائرة طلب جرعة من ماء، رجل كان يحمل الموت للجنود المصريين يطلب الحياة، وهنا تبرز قيم الجندي المصري، فقد منحوه الماء ليشرب".
أما أكبر دافع فيقول الغيطاني:" قبيل منتصف يونيو 1970 طلب غلى مجموعة من ضباط الدفاع الجوي قادة كتائب الصواريخ الاستعداد لمقابلة شخصية كبيرة، وفي هذه الفترة كان العدو يلقي بكافة ثقله بواسطة السلاح الوحيد الذي تبقى له في مجال التفوق، وهو الطيران، كانت هناك جهود مصرية لبناء قواعد الصواريخ في جبهة القناة، والعدو يستميت ألا يخرج هذا إلى حيز الواقع، لدرجة ان قوات الاستطلاع بمجرد ان ترصد خطوط بيضاء فوق الارض تحدد موقعا لبناء قاعدة حتى تجئ طائرات العدو لتلقي اطنان المتفجرات".
يكمل" كان المقاتل عادل أحد الذين وجهت لهم الدعوة لمقابلة الشخصية الهامة، وعندما فتح الباب لم يصدق عادل عينيه، كان الزعيم جمال عبد الناصر بنفسه، وبعد السلام راحت مناقشات تدور لمدة أربع ساعات كاملة، ولم يكن الاجتماع الوحيد واعقبه اجتماع ثان".
بعد سقوط الفانتوم سقطت العديد من الطائرات، كان هناك تفوق في مواجهة الطائرات، وحالة من الزهو تخللت نفوس ابناء الجيش المصري".
يشرح الغيطاني أنه عبر التاريخ المصري كان العدو يحرز تقدما بناء على استخدامه آلات حرية جديدة، ولكن المصريين ينفذون إلى اسرار هذه الآلات ويتفوقون عليها، حدث ذلك كثيرا:" العجلات الحربية التي جاء بها الهكسوس والمدفعية الثقايلة التي جاء بها السلطان العثماني سليم الاول عام 1517، واسلوب القتال الحديث الذي جاء به نابليون من اوروبا، وكانت الحرب الالكترونية التي خاضتها القوات المسلحة المصرية في اكتوبر وهي اول حرب في التاريخ تستخدم فيها الوسائل العلمية الحديثة على نطاق واسع وتمثل تطورا هاما من التطورات التي قام بها المقاتل المصري".