على جمعة: العمل الصالح أقوال وأفعال
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية: لقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى في الكتاب وأخذ العهد علينا بأن نعبده لا نشرك به شيئًا، وأن نترجم هذا الإيمان في واقع الحياة بالعمل الصالح، وجعل العمل الصالح يتمثل في الأقوال والأفعال، أما الأقوال فالعمل الصالح يتمثل في ذكر الله ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وقال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾، وتتمثل أيضًا بأن نقول للناس حسنا، وجعل الله سبحانه وتعالى أن نقول للناس حسنا قبل أن نقيم الصلاة، قال تعالى وهو يحكي علينا قصة بني إسرائيل ويريد منا أن نعتبر منها وأن نمتثل إليه سبحانه وتعالى من خلالها ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾ قدم القول الحسن على إقامة الصلاة، وهناك نرى سبحانه وتعالى وهو يقول ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، فالكلم الطيب الذي يتمثل في ذكر الله، والذي يتمثل في أن نواجه الناس بالحسنى يصعد وحده، وينجذب إلى الملأ الأعلى وحده من غير رافع ولا معين.
وتابع "جمعة"، عبر صفحته الرسمية قائلًا: العمل الصالح من الصلاة وهى ركن الدين، ومن الزكاة وهى ركن الدين ترفعه الملائكة، وهذا يبين لك مدى علاقتك مع الناس ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد هذا فيقول (رب الكلمة من رضوان الله لا يلقي أحدكم إليها بالا تدخله ربض الجنة– وسط الجنة.. أعلى الجنة- ورب الكلمة من سخط الله لا يلقي أحدكم إليها بالا تهوي بها سبعين خريفا في جهنم).
العمل الصالح لا يقتصر فقط على حسن العشرة وحسن الجوار وحسن صلة الرحم وحسن أداء مهام الأهل في البيوت، وإنما أيضًا يتمثل في عبادة الله سواء أكانت قاصرة على نفسك كالصلاة، أو متعدية إلى غيرك في الخير كالزكاة، وربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وربنا سبحانه وتعالى يأمرنا مع ذلك بعمارة الأرض ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وأمرنا أن نتعلم؛ والعلم من خير العمل الصالح حتى قال العلماء: "وشرف العلم فوق كل شرف، ومن ذاق عرف ومن عرف اغترف"، وربط سبحانه وتعالى العلم بالتقوى ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
مفهوم العمل الصالح ليس قاصرًا على الكلام والقول الصالح، وليس قاصرًا على فعل الجوارح عبادة لرب العالمين، وليس قاصرًا على عمارة الأرض، وليس قاصرًا على تعلم العلم؛ إنما مفهوم العمل الصالح أن يتعلق قلبك بالله فتجعل كل عملك في هذه الحياة الدنيا لله رب العالمين (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) و﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ فلا نجعل الشيطان ينزغ بيننا لأننا من أمة سيد الخلق، صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء فأخرج الناس من الظلمات إلى النور وأيده ربه سبحانه وتعالى فحفظ له كتابه كما وعد ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وحفظ عليه أهل بيته بالرغم من أنهم قد قتلوا جميعًا، وحفظ علينا سنته صلى الله عليه وآله وسلم نأخذ منها المناهج ونسير عليها، فسل نفسك: أين أنت من هذا كله؟ وجدد إيمانك والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول (جددوا إيمانكم ) وابدأ في تجديد الإيمان بالكلمة التي تركها لنا الأنبياء دليلا على طريق الله، قالوا: كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال (قولوا: لا إله إلا الله).
وأوضح: هذا هو عنوان المقام وهذا هو حقيقة العمل الصالح لا تتخلف عن العلم ولا عن عمارة الدنيا ولا عن تزكية النفس.. تدبر قوله تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ حيث إنه يصعد وحده، وقوله تعالى قبل أن يأمرهم بالصلاة ويأمرنا بها ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾.