الفيلسوفة جوديث بتلر: الأعراف الثقافية ما زالت تتحكم في تحديد النوع الاجتماعي
تُعد الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، أحد أبرز زعماء الجيل الثالث من النظريّة النقديّة المعاصرة، إذ تولي اهتمامًا واسعًا بالفلسفة السيّاسيّة والاجتماعيّة ونظريّة الأدب والدراسات الثقافيّة والجنسانيّة والنوع الاجتماعي والهويّة، وفي عام 1984 حصلت على درجة الدكتوراة من جامعة يال، حول مفهوم الرغبة عند هيغل، وتعمل الفيلسوفة الأمريكية أستاذة للأدب المقارن والبلاغة في جامعة كاليفورنيا.
و أجرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أخيرًا حوارًا معها تطرقت فيه إلى كتابها الرائد "مشكلة النوع الاجتماعي"، الذي مرّ على نشره 31 عامًا، وما يتصل به من قضايا النوع الاجتماعي.
وأوضحت "بتلر" في الحوار أنها كانت تهدف من خلال الكتاب إلى نقد الافتراضات الخاصة بالميول الجنسية الطبيعية من خلال النسوية، لكنه انتهى ليكون أكثر عن التصنيفات الجندرية، وضربت مثالَا بما تعنيه قائلة، ما يعنيه أن تكون امرأة لا يظل كما هو من عقد إلى آخر يمكن لتصنيف المرأة أن يتغير، ونحن بحاجة إلى ذلك.
وتابعت "إذ يتطلب تأمين المزيد من الحريات للمرأة أن نعيد التفكير في تصنيف "النساء" لتشمل احتمالات الجديدة، فلا ينبغي أن نندهش أو نعارض عندما تتوسع فئة النساء لتشمل النساء المتحولات، وبما أننا نعمل أيضًا على تخيل مستقبل بديل للذكورة، يجب أن نكون مستعدين وحتى سعداء لنشهد ما يفعله الرجال المتحولين جنسيًا بفئة الرجال".
- مشكلة النوع الاجتماعي
و تبين الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر، في حوارها حول الكيفية التي يتشكل بها النوع الاجتماعي أن أفعال اللغة التمثيلية هي التي تسهم في حدوث شيء أو تسعى لصياغة واقع جديد، فعندما يعلن القاضي حكمًا، على سبيل المثال، فإنه ينتج واقعًا جديدًا، وعادة ما يكون لديه السلطة لتحقيق ذلك، لكن القاضي يتبع مجموعة من الإجراءات والقوانين، وبالتالي فإنه يتذرع بسلطة لا تخص شخصه، ولكنها سلطة محددة تجعل أفعاله مجرد بروتوكول ثابت.
من هذا المنظور، ترى بتلر أن الناس بوعي أو بدون وعي يتبنون أعراف النوع الاجتماعي عندما يزعمون أنهم يعبرون عن حقيقتهم الداخلي أو حتى عندما يقولون إنهم يخلقون أنفسهم من جديد، فلا أحد منا يفلت تمامًا من الأعراف الثقافية، وفي الوقت ذاته، لا أحد منا مُحدد بالكامل بالمعايير الثقافية.
وتتابع يصبح "الجندر" إذن تفاوضا وصراعًا وطريقة للتعامل مع الإكراهات التاريخية وصنع حقائق جديدة.، عندما نكون فتيات، فإننا ندخل في عالم الفتيات الذي بُني على مدار فترة طويلة والذي هو سلسلة من الاتفاقيات المتضاربة أحيانًا التي تصنع الفتاة داخل المجتمع نحن لا نختاره بالتأكيد، وكذلك ليس مفروضًا علينا فقط، ومع ذلك فهذا الواقع الاجتماعي يمكن أن يتغير، بل إنه يتغير بالفعل.
- الافتراضات الثقافية
و تشير "جوديث" إلى أن النوع الاجتماعي لا يُحدد مرة واحدة فقط، لكنه عملية مستمرة تبدأ من تحديد جنس لنا عند الولادة ثم يتبع ذلك مجموعة كبيرة من التوقعات التي تستمر في تحديد الجندر لنا، فالقوي التي تفعل ذلك هي جزء من نظام للجندر يعين القواعد ويعيد تخصيصها للأجساد وينظمها اجتماعيا لكنه يحركها أيضًا في اتجاهات تتعارض مع تلك الأعراف.
وتضيف، ربما يجب أن نفكر في الجندر كشيء مفروض عند الولادة، من خلال تحديد الجنس وجميع الافتراضات الثقافية التي عادة ما تتماشى مع ذلك، ومع ذلك فإن "الجندر" هو أيضًا ما يُصنع على طول الطريق. يمكننا تبني سلطة الفروض ونجعلها فرضًا ذاتيًا، ما قد يشمل إعادة تحديد الجنس على المستويين القانوني والطبي.
- الجدل حول الهوية
تعتقد "بتلر" بأنه لا ينبغي أن تكون الهوية أساس السياسة، فمن الضروري العمل عبر الاختلافات وبناء حسابات معقدة للقوة الاجتماعية، الحسابات التي تساعد على بناء روابط بين الفقراء والمعرضين للخطر والمحرومين والمثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا والعاملين وجميع الأشخاص المعرضين للعنصرية والقهر الاستعماري.
تقول هذه ليست دائمًا مجموعات أو هويات منفصلة، ولكنها أشكال متداخلة ومترابطة من القهر التي تعارض العنصرية وكراهية النساء وكراهية المثليين ورهاب المغايرين وأيضًا الرأسمالية وتدميرها، بما في ذلك تدمير الأرض وأساليب الحياة الأصلية.
وردًا على سؤال المُحاوِر: "تبنى منظرون مثل أسد حيدر نظريتك لمعالجة الانقسامات العرقية في الولايات المتحدة، ويؤكد على نظرتك في تشكيل الهوية على أنها مضطربة ومقتلعة دائمًا. لكن ألا يسجل اليمين عادة انتصارات من خلال تقديم رؤية أكثر ثباتًا للهوية؟"، أجابت"يسعى اليمين بشكل يائس إلى استعادة أشكال الهوية التي قوبلت بالاعتراض، وفي الآن ذاته، فإنهم يميلون إلى تحجيم الحركات المطالبة بالعدالة العرقية باعتبارها سياسات هوية أو تقديم صورة كاريكاتورية للحركات المطالبة بالحرية الجنسية أو المناهضة للعنف الجنسي باعتبارها معنية فقط بـالهوية".
وتابعت، "في الواقع، تهتم هذه الحركات في المقام الأول بإعادة تعريف ما يمكن وينبغي أن تعنيه العدالة والمساواة والحرية، وبهذه الطريقة، فهي ضرورية لأي حركة ديمقراطية راديكالية، لذلك يجب أن نرفض تلك الصورة الهزلية".
واختتمت "إذا قمنا ببناء وجهات نظرنا على هويات معينة فقط، فأنا لست متأكدة من قدرتنا على فهم تعقيد عالمنا الاجتماعي والاقتصادي أو بناء نوع التحليل أو التحالف المطلوب لتحقيق مُثُل العدالة الراديكالية والمساواة والحرية، في الوقت نفسه يعد تحديد الهوية وسيلة لتوضيح كيف يجب أن تتغير التحالفات لتكون أكثر استجابة للقمع المتشابك".