نجيب محفوظ فى حوار تاريخى: القاهرة عسيرة الهضم.. وظاهرة الغناء الحديث ليست جديدة
أجرى الإذعي عمر بطيشة حوارًا مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ في برنامجه الإذاعي الشهير "شاهد على العصر"، وكان الحوار يناقش قضايا وجودية تهم انسان العصر.
القضايا التي نوقشت في بدايات الثمانينيات لا تصلح فقط للثمانينيات لكنها تصلح للثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة حتى وقتنا الحالي، ولو قمنا بتغيير بعض الأسماء فسيظهر وكأنه أجرى بالأمس، وإلى نص الحوار..
وكتب عمر بطيشة في مقدمته للحوار: "يقولون عن شاهد هذه الحلقة حينما يمسك بالقلم فإنه يكون في أحسن حالاته، كالفارس المحنك حين يمتطي صهوة جواده، فيجول ويصول، أما حينما تنتزع منه قلمه وتضطره للحديث الشفوي فكأنك سلبته سلاحه وجواده لذلك سندعوه إلى الكتابة الصوتية أو الكتابة بصوت مسموع، فإلى عالمه المصري الرحيب نقترب، وإلى أزقة وشوارع القاهرة ندخل، وبعضها أصبح عالميا حينما صورها قلمه، وكانت تلك المقدمة محاولة استفزاز مني للكاتب الكبير نجيب محفوظ إلى الإفضاء بحديث شفوي طويل صريح، فالمشهور عنه أنه لا يجيد الحديث أمام الميكروفون، وكم حذر الإذاعيون بعضهم البعض من هذه الصفة فيه ويبدو أن الاستفزاز أتى ثماره فقد صال وجال وانفعل واحتد وهدأ وثار".
وقال:"بشكل عام يخيل إلي أننا نعيش عصر انتقال طالت مدته بسبب ما صادفنا في السياسة الخارجية من عقبات ومتاعب، وإنه نتيجة لثورة 23 يوليو وما غيرت من وسائل الانتاج، والعلاقات الاجتماعية، وما ترتب عليها من تغيرات، تعرض المجتمع وما زال إلى تغير مماثل في القيم والمعاملات والرؤى الاجتماعية والثقافية والروحية، كيف انعكس هذا على العصر وفي أي الأشكال، تراجعت مثلا طبقات برمتها وبرزت الطبقة الوسطى، ولحقت بها طوائف شعبية جديدة، ثم جاء الانفتاح والتغيرات الاقتصادية الأخيرة فقلبت الموازين، بحيث أصبح مكان الطبقة الشعبية القديمة طبقة الموظفين الآن تعلوها الطبقة الوسطى ومعها الحرفيون وفوقهم التجار ورجال الصناعة والمال".
- ما مدى اختلاف صورة القاهرة بين الثلاثية والحب تحت هضبة الهرم؟
اختلاف شاسع، القاهرة زمان كانت محدودة قليلة السكان أنيقة المظهر أما قاهرة اليوم فهي من التضخم أصبحت عسيرة الهضم، مثلا أنا لا أعرف أجزاء كثيرة من القاهرة الآن وممكن أتوه فيها، زحام وضجيج ومواصلات مكتظة، متضخمة وكأنها متروكة لقدرها بدون أي تنظيم أو دفاع، قاهرة زمان كانت تقوم على الطبقات الشعبية من اهل الحرف، وكانوا فقراء، وبعض الموظفين، ثم السادة من كبار الملاك والأريستوقراطيين المعزولين عن باقي الطبقات، اليوم نجد الصناعات ورجال الأعمال والعمال والحرفيين الذين انتعشوا أخيرا، وهذه إيجابيات، أيضًا كثرة المدارس جانب إيجابي، ولكن الجوانب الإيجابية تحتاج لتنظيم، مثلا العمال، مطلوب تأهيلهم لمواجهة الآل الحديثة، وكذلك الحرفيون، التعليم مكتظ، ولكن بلا عناية بالتدريس ولا المدرسة، لكي يصبح التعليم مجانيا فعلا، لأني أخشى أنه جاءت فترة أصبح اسمه، "لا تعليم بمصروفات باهظة"، نحن نريده تعليما حقيقيا، مدرسة زمان كان بها ملعب كرة ومكتبة ومجلة وفريق موسيقي وتمثيل وخطابة، ورحلات اسبوعية، إننا في المرحلة الابتدائية رأينا أمجاد مصر رؤية العين، الآثار الفرعونية والإسلامية والقبطية، التليفزيون ينوب الآن عن هذه المدرسة في هذه المهمة خاصة للغالبية من الأميين، ولكن هذا يختلف عن أن ترى الواقع نفسه وليس مجرد صورة له، لقد كنا نشارك إيجابيا في الحياة الاجتماعية والسياسية، وقد وجدنا في أعقاب ثورة شعبية وهي ثورة 1919 – قام بها الشعب- لذلك كانت كل القوى الشعبية في حالة خلق وإبداع وعمل، فولد الاقتصاد المصري ولادة طبيعية والفن والثقافة والعلم هكذا".
- القلق الضياع الغربة اللا انتماء.. مصطلحات أصبحت إدانات لصيقة بهذا العصر فهل هي فعلا جزء من "تركيبة" هذا العصر؟
لدرجة كبيرة نعم، على قدر ما نستطيع أن نزعم أننا نفهم هذا العصر، وأسباب ذلك معروفة، في الخارج، بعد الحروب وخيبة أمل الناس فيما أعقبها من سلام وقلق، ولأنهم غالبا فقدوا الإيمان الديني ولم يجدوا بعد ما يحل محله، حدثت هذه التصدعات التي تجد جذورها في الفلسفات الأوروبية الإلحادية، بالنسبة لبلادنا لم يحدث انفصال عن العقائد الدينية، ولكن السياسة لعبت دورا مهما في هذا، فالثورة، أي ثورة مثل أغلب الثورات في العالم الثالث، كانت ثورات شمولية، حيث تتضخم الدولة، لانها هي من تقوم بالتخطيط للإصلاح، ويتضاءل دور الفرد والمشاركة الشعبية، لأنها لم تكن ثورات ديمقراطية.
من هنا كان الإحساس بالغربة والقلق وضعف الانتماء في الشباب أسبابه الأولى سياسية، فضلا عن أن العالم قد أصبح في شبه وحدة بسبب ثورة وسائل الاتصال الحديثة، مما ساعد على تسرب فلسفات العالم الأخرى إلى بعض المثقفين، حتى لأسباب غير نابعة من بيئتهم، فتضافر العنصرين لإبراز ظاهرة الضياع والقلق وعدم الانتماء.
الإنسان المصري وهذا الجيل
الأجيال الحديثة تحتاج منا إلى عناية كبرى، يجب الاعتراف أننا ربما رغبة منا في إتاحة فرصة التعليم للجميع، لم نحسن تعليم أحد، وذلك بسبب زحام المدارس وعدم إعداد المدرسين الأكفاء، فأصبح تعليما ناقصا والتربية انعدمت، من الخير الذي تضمره الدولة ينشأ شر لم تكن تفكر فيه، لقد أرادت أن تضمن علاجا لكل خريج، وهذا شيء جميل، ولكن كانت نتيجته البطالة المقنعة التي نشكو منها، الإنسان المصري الآن لا يهتم إلا بذاته، خاصة الشباب، وممكن علاج هذا بخلق المدرسة السليمة وتدريب الحرفيين".
أزمة الثقافة
- هل حقا لدينا ظاهرة أزمة ثقافة؟
نعم نحن لدينا أزمة ثقافة وجزء من هذه الأزمة له أسبابه العالمية وهو تغير وسائل الثقافة في العالم وانتقال قراء الكلمة إلى مستمعين ومشاهدين، والمشاهدة تراعي الامتاع والتسلية أكثر من الجدية، لأن طبيعة العرض تقتضي ذلك، هذه ظاهرة عالمية، جاءت لنا ونحن في حالة تختلف عن أوروبا المتحصنة بمناعة ثقافية، كما انهم في أوروبا استطاعوا خلق أدب إذاعي وتلفزيوني راق، أما عندنا فلم نفعل ذلك، بالإضافة لانعدام المناعة بسبب أخطاء التربية والتعليم، جيلنا لقنوه عشق الكلمة المكتوبة في المدرسة، كنا نحفظ قرآنا وشعرا، وكل أساتذتنا يعتبرون أنفسهم حفظة اللغة وسدنة التراث، وكانوا يضيفون إلى المقرر من عندهم من منابع التراث، وكان فضلهم علينا كبيرا لأنهم عرفونا بالأدب، قبل أن نتعرف على طه حسين أو العقاد أو غيره، أما اليوم فقل لي ماذا يتلقى ابنك في المدرسة، أو ما الذي يحببه في القراءة، لا شيء، بل يمكن العكس، فظهر جيل ليس من عشاق الثقافة الجادة، "ما صدق" وجد التلفزيون والراديو ووسائل التسلية وانصرف إليها، ومن جهة أخرى فإن هذه الثورة أي ثورة من طبيعتها أن تحمي نفسها ضد أي أفكار مضادة، خاصة في بدايتها لذلك تجد أن حرية الفكر قد عانت، ولذلك أصاب القكر كبح جامح، فلم توجد في الثلاثين عاما الماضية مغامرات فكرية كما وجدت في أعقاب ثورة 1919، إنما جاءت على الثورة تيارات وإن كانت متكاملة ولكنها متناقضة بعض الشيء، ففي وقت من الاوقات سادت الروح اليسارية فحجبت اليمين ثم اعتدلت فحجب اليمين اليسار، فأصبحت القوة الثقافية المصرية تطير دائما بجناح واحد جناح مقصوص، أضف إلى ذلك الانفتاح وسوء الحالة الاقتصادية والغلاءوغلو الكتب، تجد أن القاعدة التي ظلت على وفائها للثقافة الجادة المكتوبة صادفت عقبة جديدة في غلو الكتب، كل هذه العوامل أصابت النهضة الثقافية، ولذلك أصبح مناخنا الثقافي عليلا يحتاج لعلاج إنما من حسن الحظ أن القوة الانتاجية في الشباب غزيرة وقوية ومتنوعة فنحن لا نشكو من الإبداع في الأفراد وإنما من الجمهور القارئ ومن مناخ التحيز السياسي".
المواهب الجديدة بخير وتشق طريقها للنشر بشتى الطرق، ولكنها تمر في جو مظلم معاد لا يعطيها حقها.
- لكن هل المواهب الجديدة تعكس عصرها؟
فعلا، أجد هذا في كل ما قرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر جمال الغيطاني وصنع الله ابراهيم ومجيد طوبيا وجميل عطية واسماعيل ولي الدين وسعيد سالم ومحمد الجمل وعبدالله الوكيل وذكر أنها مواهب لا تحتاج إلا إلى مناخ.
- هذا يأخذنا إلى تقييمك لموقع الأدب المصري من الأدب العالمي؟
حينما أدعى للكلام في هذا الموضوع أجد نفسي غير مفتوحة حين أدعى لهذا الكلام، هل وصلنا إلى الأدب المحلي لنتكلم عن العالمي، أقول أنه سيكون لدينا أدب محلي حينما يستوفي شرطين، كاتب أصيل وجمهور، من حيث الجمهور 60 في المائة أميون، والأربعون في المائة الباقون لا يزيد علي خمسة في المائة من يحبون القراءة منهم، ومن حيث الكاتب فلا زلنا نتطلع إلى شكل عربي أصيل، يظهر ويتميز بين الأدب العالمي، كما تميز فن الأرابيسك مثلا في الفن التشكيلي العالمي، ثم ماذا تظن فائدة العالمية، أليس بالكثير أن يحصل أديب منا على جائزة نوبل، أيغني هذا عن علاج التدهور الثقافي الموجود؟
- كيف يحصل على هذه الجائزة ماركيز ولا يحصل عليها أحد من عمالقتنا؟
ألا يجوز أنه يخيل إلينا أنهم عمالقة؟.
الرواية وعصر السرعة
-أستاذ نجيب، يسمي البعض عصرنا بعصر السرعة، وقد أقلمت الرواية الطويلة نفسها لتلائم إيقاع العصر، فكيف كان الأمر بالنسبة إليك؟
إن صح أن نطلق عصر السرعة على الحضارة الاوروبية أو العالمية فإننا لا ينبغي أن نطلقها بنفس الدرجة على البلاد النامية، ومع ذلك فقد تأثرنا، وعن نفسي أقول أن الإيقاع الذي أكتب به قد تغير فقد أصبح أوجز وأسرع، والمدهش أنني كتبت رواية تتناول حياة أجيال ثورة 1919 وهي الثلاثية في ألفي صفحة، وحينما أردت كتابة رواية مثيلة لها تتناول ثلاثة أجيال أيضًا من هذا العصر وهي "الباقي من الزمن ساعة"لم تستغرق أكثر من مائتي صفحة، هلهو عنصر السرعة؟، ربما، ولكن بالإضافة لذلك فإن الفرد لم يصبح مهما بذاته، إن تمسك بشخصيته مثل "أحمد عبد الجواد" لتصفه من شعر رأسه إلى أخمص قدمه لم يعد موجودا الآن، لم يصبح للفرد أهميته المركزية السالفة، بل أصبح مجرد اسم وظيفة، وموقف، وكأنها رؤيةعامة وليست رؤية خاصة تفصيلية، لقد تراجع دور البطل الرئيسي، وهذا واضح أيضًا في كتابات الشبان، اختفت بلورة وعملقة الفرد، بل إن هذا الفرد العملاق لم يعد أيضًا موجودا في الحياة المعاصرة نفسها، لا يوجد عمالقة".
-أريد أن أسألك.. بما يتفوق جيل العصر عن جيلك؟
ربما بمغامرات فكرية لم تكن موجودة أيامنا، لأننا كنا أصحاب قضية واحدة هي القضية الوطنية، أم الآن فقد تعددت الأيديولوجيات، لقد دخل جلينا في معركة كانت جديدة ايامنا وهي معركة اللغة، هل تصلح الفصحى كلغة للرواية أم القصة، وكانت مشكلة حاولنا تذليلها، الجيل الحديث استفاد من هذا لصراع، وابتدأ محررا من حيث انتهينا، فجاءت لغته أكثر خصوصية وأكثر فردية وأكثر إبداعا".
- ما قضية الجيل الحالي؟
قضية الشعب قبل الدولة، وقضية الامة قبل الامم الأخرى، وقضية الفرد للخلاص من ضياعه وقيوده، فهو أدب أكثر ثورية من أدبنا، رغم ان أدبنا كان شعاره ثورة ضد الأجنبي.
- هل أدباء الجيل واعون لهذه القضايا؟
بالتأكيد، بل أؤكد لك أنهم أكثر وعيا، ففي جيلنا كان الوعي ينبثق من عدم الوعي، بمعنى أن الكاتب كان يخيل إليه أن يكتب قصة غرامية، فتخرج قصة طبقية مثلا، أم الآن فالوعي بالقضية أوضح وربما الثقافة أكثر، المهم العبرة بالنتيجة الفنية لا الوعي أو عدم الوعي بالقضية".
- لو ترجمنا الظواهر التي رصدتها عن العصر في هذا اللقاء إلى مشاهدات مرئية في الشارع المصري ..ماذا تكون؟
طبعا الزحام غير المعقول، وعدم النظافة، والمطبات، والأرصفة المكسرة، وأزمة المواصلات، كل خطوة بمعاناة، وكلها ظواهر حديثة، وانسان العصر يعاني أكثر من اسلافه، وإن لكل عصر همومه، ولكن كانت الأعصاب أهدأ، والحياة أيسر، والثقافة اكثر تنوعا، والملاهي أكثر.
- ما رأيك في أغنية اليوم؟
لا تنس أنك تتحدث لرجل كبير له تذوق كبير لكل أنواع الغناء، وأجد سعادة كبيرة في سماع التواشيح العربي، أو أم كلثوم وعبد الوهاب، كذلك عبد الحليم حافظ، وبعد اختفاء عمالقة الغناء الذين رحلوا لاحظت أنني فقدت حماسي لمن يتبعونهم في المدرسة الفنية، لأنني تعودت على العمالقة، والأفضل أن استمع إلى شيء جديد أو مختلف حتى لو لم يكن في نفس عملقة الراحلين، فأحيانا استمع غلى الفرق الحديثة التي استبدلت الآلات الحديثة بالتخت التقليدي، مثل نوح والمصريين والأصدقاء، وأجد فيها جمالا، أيضًا هناك أغان حديثة الإذاعة تقاطعها مثل أغاني عدوية، أجد فيها كلاما وألحانا، تمشي معايا، أيضا أطرب لها، وأجد صلة بينها وبين فوضى العصر، أو هي ترجمت فوضى العصر في قالب غنائي جميل، مثلا حينما اسمع "نار يا حبيبي نار.. فول بالزيت الحار" يخيل إليك أنه كلام فارغ ولكن في الواقع حينما تسير وسط مجاري طافحة ألا يكون له معنى حينئذ".
- لكنك طبعا لا توافق على أن تحتل هذه الألوان خريطة الغناء في مصر؟
يجب أن تعلم أن هذا الأغنيات لم تنشأ من فراغ، ألا يسمعها الملايين؟، نعم، إذا فهي غناء، أم تظن أن الغناء هو ما يعجبني وما يعجبك فقط؟، ألا يسمي الذي يعجب الملايين غناء؟.
-أستاذ محفوظ.. هذا الرأي يطرح قضية الجمهور، وهل تقدم للجمهور ما يريده أم ما يحتاجه، وفرق كبير بين الاثنين؟
لقد طوحت بنا بهذا الحديث-دون أن تدري- لما يقال عن المسرح الحديث والسينما الحديثة، لقد امتلأ السوق بالحرفيين الذين اغناهم ربنا، أولا إن ربنا أغناهم فأنا اسعد الناس بذلك، فقد ظللنا طوال عمرنا عاملين كتاب واشتراكيين من أجل العمال والحرفيين فلا يصح أن نغضب حينما يفتح عليهم ربنا، بالعكس، أنا أعتبر أنه من حسنات الانفتاح –مهما قلت فيه- انه كان خيرا وبركة على هذه الطبقات، وأنا أدعو لهم بالمزيد، طيب، أليس من حقهم التسلية مثلنا، طبعا وقد جاءهم الرزق، ولكن لم تأت الثقافة بعد، وهم يحتاجون فنا يناسبهم إلى أن تصلهم الثقافة، وقد جاءهم هذا الفن فيما يقدم الآن من اغاني عدوية أو مسرحيات فكاهية أو أفلام عادل إمام، ماذا يغضبك أنت في ذلك، اكتفي أنت بعدم مشاهدة هذه الفنون الهابطة كما تسميها.
وللعلم كان هناك دائما فنان أو نوع من الفن في مصر والعالم فن عماد الدين ورمسيس للمثقفين، وفن في روض الفرج للطبقات الشعبية، وإلى جانب سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب كان يوجد شكوكو وشكري الجزايرلي، المسألة ببساطة أن الحرفيين ملأوا سوق المشاهدة والاستماع والفرجة فخيل للناس أنها ظاهرة جديدة، هذه واحدة، أما النقطة الاخرى فإن حبهم للمسرح والسينما أيا كانت درجة هبوطها، افضل من أن يحبوا شيئًا فارغًا، هذا مكسب، بل إن أولادهم يتعلمون اليوم في الجامعة الامريكية وستخرج منهم طبقة مثقفة جديدة، يصبح المسرح والسينما من تقاليدها العائلية، فتساعد على رفع الفن، إذا هي مرحلة لا تخيف أحدا عاقلا".
- هل لديك اقوال أخرى؟"
أريد أن أقول أن أمتنا تجابه الآن تحديات مماثلة للتحدي الصليبي والاجتياح التتاري، ليس لنا أعداء في قوتهم، ولكن العدو الحقيقي أسوأ من كل هؤلاء هو التخلف في عصر السرعة العلمية الذي لا يعرف الرحمة، وإذا لم نلحق أنفسنا فإن السياح الذين يأتون للتفرج على بلادنا سيأتون للتفرج علينا غدا، باعتبارنا شعبا تخلف عن الدنيا، ونحن نملك مقومات التحدي منذ تحدينا الطبيعة وأخضعنا النسل وأنشأنا الحضارة".