أزمة إنسانية معقدة.. منظمات حقوقية تدين انتهاكات النظام الإثيوبي في تيجراي
أدانت منظمات حقوقية عدة الأوضاع في تيجراي الإثيوبية بسبب الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة ضد المدنيين العزل، والتي شملت الاعتقال والإخفاء القسري لأبناء الأقلية العرقية في أديس أبابا، إلى جانب الانتهاكات والفظائع الأخرى التي أدت إلى تدهور الأزمة الإنسانية في الإقليم المحاصر، مما دفع مؤسسات الإغاثة والمنظمات الأممية إلى المناشدة بتوفير تمويل عاجل لمساعدة المتضررين، وتزامن ذلك مع تحذير العديد من التقارير الدولية من أن الحرب في تيجراي تتجه إلى مستقبل أكثر تعقيدا وتهدد باستقرار وأمن القرن الأفريقي بأكمله.
هيومن رايتس ووتش
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن السلطات الإثيوبية ارتكبت العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد أتباع عرقية تيجراي في أديس أبابا، أبرزها الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري للعديد منهم، داعية الحكومة المركزية إلى إطلاق سراح السجناء الذين تم احتجازهم دون أدلة موثوقة على ارتكاب جريمة، وأن تنهي جميع أشكال المعاملة التمييزية ضد التجرايين.
وكشفت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، في بيان على موقعها الرسمي اليوم الأربعاء، أنه منذ أواخر يونيو 2021، اعتقلت السلطات الإثيوبية تعسفيًا وأخفت قسرًا وارتكبت انتهاكات أخرى ضد أتباع التيجراي العرقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك بعد ثمانية أشهر من القتال المستمر في منطقة تيجراي الشمالية بإثيوبيا واستعادة قواتها العاصمة الإقليمية ميكيلي من أيدي القوات الحكومية.
وقالت ليتيسيا بدر، مديرة مكتب القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش: "نفذت قوات الأمن الإثيوبية في الأسابيع الأخيرة اعتقالات تعسفية واسعة النطاق وحالات اختفاء قسري للتيجرايين في أديس أبابا".
وأضافت "على الحكومة أن تكف على الفور عن التمييز العرقي لأهالي تيجراي، وتقديم معلومات عن كل شخص محتجز وتطبيق العدالة والإنصاف تجاه الضحايا".
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أنها قامت بإجراء مقابلات هاتفية، في شهري يوليو واغسطس، مع ثمانية من المحتجزين الحاليين والسابقين من عرقية تيجراي، وأربعة من أصحاب المحلات التجارية التيجرايين ، و 25 من أقارب المعتقلين، فضلا عن مقابلة العديد من الشهود على الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة ضد التيجرايين ومن بينها التفتيش والاعتقال التعسفي في أديس أبابا بعد بدء الصراع.
ونوهت في بيانها إلى ان مفوض شرطة أديس أبابا، جيتو أرغاو، قال في منتصف يوليو الماضي لوسائل الإعلام إنه تم القبض على أكثر من 300 من سكان تيجراي، قائلًا إنهم يخضعون للتحقيق بسبب دعمهم المزعوم لعرقية التيجراي، التي كانت الحاكم السابق للبلاد.
كما أفادت وسائل الإعلام وشهود عيان أنه منذ 28 يونيو ، أغلقت السلطات عشرات المحال التجارية في أديس أبابا التي تعود ملكيتها للتجرايين ، لا سيما في هايا هوليت وعدة أحياء في منطقة بولي.
فعلى سبيل المثال اعتقلت الشرطة وضباط المخابرات صاحب فندق من عرقية تيجراي هو وزميله، ولكنهم أطلقوا سراح زميله لأنه من عرقية الأمهرة، فيما قال شقيق صاحب الفندق فإنه في غضون يومين ، نقلت قوات الأمن صاحب الفندق إلى مكان مجهول ، ولا يزال مكانه مجهولا حتى الآن.
وحسب البيان، قال شهود إن قوات الأمن أوقفت واعتقلت تيجرايين في الشوارع والمقاهي والأماكن العامة الأخرى ، وفي منازلهم وأماكن عملهم ، في كثير من الأحيان أثناء عمليات تفتيش دون إذن قضائي، وفي كثير من الحالات ، قامت قوات الأمن بفحص بطاقات هوية الأشخاص للتأكد من هويتهم قبل أخذهم إلى مركز الشرطة أو مركز احتجاز آخر. كان من بين المعتقلين ناشط سياسي وعامل إغاثة من تيجراي ، وكلاهما مقيمان في أديس أبابا.
المنظمة الدولية للهجرة
إلى هذا، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أنها بحاجة ماسة إلى مبلغ 27 مليون دولار بغرض مواصلة توفير المأوى الطارئ للنازحين داخليا في إقليم تيجراي الإثيوبي، مشيرة إلى أن 5 ملايين شخص تأثروا بالأزمة الإنسانية التي أثارها الصراع وأكثر من 2.1 مليون شخص نزحوا داخليًا في المنطقة.
ووفقا لما نقلته صحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية، أوضحت المنظمة الدولية للهجرة ، في بيان لها أمس الثلاثاء، إنه بالرغم من فرار العديد من المتأثرين من النزاع الإثيوبي إلى السودان المجاور، هناك أكثر من 2.1 مليون شخص نزحوا داخليا ويتم إيواء العديد منهم في 116 موقعا للنازحين داخليا في المنطقة.
وتشير المنظمة إلى إنها تترأس مجموعة مكونة من 33 منظمة غير حكومية، وطنية ودولية، ووكالتين تابعتين للأمم المتحدة، بهدف توفير المأوى والمواد غير الغذائية مثل البطانيات وأواني الطبخ، مضيفة أنها أنشأت مؤخرًا مجموعتين فرعيتين تعملان في مجال المأوى و المساعدة في المواد غير الغذائية في تيجراي لتحسين التنسيق والاستجابة.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد ناشدت، في يوليو الماضي، الحصول على 63.4 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الأزمة في الإقليم الواقع شمال إثيوبيا وتوفير المأوى الطارئ والمواد غير الغذائية لحوالي مليوني نازح في عام 2021، لكنها أعلنت أنها حصلت على 28.7 مليون دولار فقط من جملة المبلغ المطلوب، وفقا للمنظمة.
وعلى الجانب الآخر، أكدت مفوضية شؤون اللاجئين في بيان صحفي حاجتها للحصول على أكثر من 164.5 مليون دولار لمساعدة حوالي ثلاثة أرباع مليون شخص في تيجراي ونحو 120 ألف لاجئ إثيوبي في السودان. وأفادت أن المبلغ المطلوب سيكون في غالبيته لتوفير المأوى والمستلزمات المنزلية والحماية، بما في ذلك دعم الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل الإقليم المحاصر.
دويتشه فيله
وفي السياق ذاته، حذرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية من إن الصراع في تيجراي أقصى شمال إثيوبيا، مهدد بالتصعيد ويمكن أن يزعزع استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها، لافتا إلى أن المنظمات الأممية حذرت من خطورة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في المنطقة التي مزقتها الحرب والمجاعة، لا سيما بعد مقتل الآلاف من المدنيين وترك أكثر من خمسة ملايين مواطن بحاجة ماسة إلى المساعدة.
ولفتت الشبكة إلى أن أبرز تداعيات التصعيد في صراع تيجراي يتمثل في التحالف العسكري الأخير بين جماعة "جيش تحرير أورومو" و "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" مشيرا إلى أن هذا التحالف يهدف إلى الإطاحة بالحكومة المركزية الحالية.
وأضافت ان هذا التحالف جاء بعد بيان الحكومة الإثيوبية التي دعت فيه المواطنين لحمل السلاح والقتال في تيجراي، منهية بذلك قرارها الأحادى المسبق بوقف إطلاق النار، كما جاء بالتزامن مع تصعيد النزاع وامتداده نحو منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.
أوضحت أن هذا الصراع ،منذ بدايته، أثار التوترات في جميع أنحاء القرن الأفريقي، حيث وقفت إريتريا إلى جانب الحكومة المركزية لإثيوبيا، بالرغم من أن الدولتين كانتا حتى وقت قريب متورطين في نزاع حدودي دموي منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا في عام 2000، كما أثار القلق الدولي بشأن الاستقرار في القرن الأفريقي.
وتابعت : "طالب مجلس الأمن الدولي وكبار السياسيين بوقف إطلاق النار وتسهيل وصول عمال الإغاثة إلى المناطق المتضررة في إثيوبيا، فيما طالبت الولايات المتحدة بسحب القوات من منطقتي عفار والأمهرة، بينما تفرض في الوقت نفسه عقوبات على المسؤولين الإثيوبيين والإريتريين، كما علق الاتحاد الأوروبي الدعم المالي للدولة الإثيوبية، وعلقت فرنسا ايضا دعمها العسكري لإثيوبيا."
وأوضحت إنه على المستوى الإنساني، تأثر المدنيون في تيجراي بهذا الصراع بشكل مؤسف، حيث تشير احدث تقارير اليونيسف والمنظمات غير الحكومية إلى أن سوء التغذية قد يؤثر على أكثر من 100 الف طفل في المنطقة خلال العام المقبل، متهمة الحكومة الإثيوبية بارتكاب انتهاكات وفظائع حقوقية عدة مثل الاغتصاب والنهب والإعدام بإجراءات موجزة.
وتابعت أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقدر أن ما يصل إلى 900 ألف شخص في تيجراي يواجهون ظروف مجاعة "من صنع الإنسان" بينما لا تزال خدمات الاتصالات والخدمات المصرفية مقطوعة عن الإقليم المحاصر، وشكت الأمم المتحدة من عقبات بيروقراطية ومشاكل أخرى تمنع قوافل المساعدات والعاملين من الوصول إلى المناطق المتضررة.
موقع "ترامبيت" الأمريكي
من جانبه، قال موقع "ترامبيت" الأمريكي التابع لمجلة "فيلادلفيا ترامبيت" الأسبوعية التحليلية، إن الحرب الأهلية في إثيوبيا أصبحت أكثر تعقيدًا، مشيرا إلى أن التطورات الأخيرة، المتمثلة في التحالف العسكري بين "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" و جماعة "جيش تحرير أورومو" من الممكن أن تغير قواعد اللعبة في الصراع، حيث أنها من الممكن أن "تغرق إثيوبيا وتجر إريتريا وجيبوتي معها أيضا".
وقال الموقع " في نوفمبر 2020، دخلت إثيوبيا في حرب أهلية بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي. وكانت البلد الذي يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، معقدة بالفعل، ولكن بعد الاتفاق الأخير بين التجراي التي لديها قوات مسلحة كبيرة وعرقية الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، أصبحت أكثر تعقيدا".
وأضاف إنه على الرغم من أن قوات تيجراي جيدة التسليح، إلا أنها لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من سكان إثيوبيا، ولكن الأورومو هي أكبر مجموعة عرقية في البلاد، وإذا تمكنت التجراي من الحصول على الدعم الكامل من الأورومو ، فقد تمنحها الأخيرة رأيًا أكبر في كيفية إدارة الأمور في البلاد.
وتابع "كما يمكن أن تتعمق جيبوتي أكثر في الصراع، بالرغم من كونها دولة صغيرة لكن بها أكبر مجموعتين عرقيتين يتواجدان بشكل كبير في إثيوبيا، يمكن أن يعبر التيجراي الحدود في حرب عرقية أخرى. أو يمكن أن ترسل جيبوتي جنودًا لمساعدة إخوانهم في عفار ضد اثيوبيا وإريتريا التي لديها بالفعل جيوشها في إثيوبيا تقاتل جبهة تحرير تيجراي".
واستنكر الموقع دعوة الحكومة الإثيوبية جميع المواطنين القادرين إلى المشاركة في القتال في تيجراي وحمل السلاح تحت ذريعة "حب الوطن"، ووصف هذه الدعوة بانها "دعوة للحرب وليس السلام".
وفي الأشهر الأخيرة، كانت هناك مؤشرات على أن الحكومة في أديس أبابا تستخدم الجوع كسلاح في الحرب، ومنعت مرارا وتكرارا منظمات الإغاثة من الوصول إلى تيجراي لتسليم المساعدات اللازمة، كما أنها قامت بقطع كل خطوط الاتصالات عن الإقليم المحاصر لعزله عن العالم الخارجي.