«كان عصبيًا وحادًا وحكاءً شعبيًا».. سعيد الكفراوى يتحدث عن يحيى الطاهر عبدالله
روى القاص الكبير سعيد الكفراوي، لقاءه الأول وحكاياته مع الراحل يحيى الطاهر عبدالله، فيقول: "يحيى الطاهر بالنسبة لي حالات متعددة، هو الصديق، وهو الكاتب، وهو عاشق القصة القصيرة، وهو من أكثر جيل الستينيات موهبة"، وذلك في حوار أجرته معه جريدة الدستور قبل رحيله.
ويتابع الكفراوي: "أذكر أنه في أواخر الستينيات من القرن الماضي، جاء أربعة من الصعيد، هم: أمل دُنقل، وعبدالرحمن الأبنودي، ومحمد مستجاب، ويحيى الطاهر عبدالله، فكانوا في إطار الكتابة التي كانت تكتب في ذلك الحين، ركن أساسي من الإبداع الجديد، بما يحملونه من وعي، من الضمير الصعيدي، ومن رؤى عاشوها، وحلموا بها وكانت تمثل تلك المنطقة الغامضة من الواقع الصعيدي".
ويضيف "الكفراوي": جاء يحيى الطاهر عبدالله من الصعيد، وكان يقيم في بيت عبدالرحمن الأبنودي في أبنود، وكان شابًا نحيلًا وأسمر اللون، وعصبيًا، وجاءني بمدينة المحلة الكبرى، وكنا نمارس شئونًا في الكتابة، ومكث في بيتي أيامًا وكان مزعجًا لدرجة أننى تمنيت أن يغادر، إلا أنه وجد من قلوب أصدقائه من أفراد هذا الجيل، سكنًا ومحبةً، وكان يتمتع بذاكرة مكنته وميزته بحفظ ما يكتبه من قصص، يلقيها علينا في المقاهي، فكان مثل الحكاء الشعبي على مقاهي المدينة في ذلك الوقت.
ويتحدث "الكفراوي"، عن المرة الأولى التي التقى فيها بـ"الطاهر عبدالله"، فيقول: تعرفت عليه، على مقهى ريش بوسط المدينة، في الحلقة التي كانت حول كبير المقام نجيب محفوظ، والتي أطلقوا عليها "جيل الستينيات"، وأذكر أن يوسف إدريس عندما رأى يحيى الطاهر عبدالله أمام مقهى ريش، يثير الصخب والاختلاف بعدوانية أهل الصعيد، أشار ناحيته وقال مقولته المشهورة "الواد دا يا حرامي.. يا كاتب قصة"، وبعد وقت قليل أخذ منه قصته "جبل الشاي الأخضر" ونشرها في مجلة "الكاتب".
ويختتم الكفراوي حديثه قائلًا: "يحيى الطاهر عبدالله أبدع عالمًا ظهر فيه البشر على حقيقتهم، يعيشون في مكان كأنه الخرافة، وفي زمان كأنه أسطورة، وأبعث تلك الأساطير، التي تسكن الوعي الصعيدي، وكان حفيًا باكتشافاته التي أضافت بالفعل لفن القصة القصيرة الرؤى الجديدة واللغة الطازجة، والشخصيات التي لا تُنسى، ورحل يحيى صغيرًا، شابًا في أول الأربعين، وترك لنا العديد من القصص التي تمجد الإنسان وتغوص في روح الوطن، وتفاجئنا بالنادر، والجميل في الذاكرة المصرية.
يحيى الطاهر عبدالله مواليد 30 أبريل 1938 بقرية الكرنك بمحافظة الأقصر بصعيد مصر - توفي يوم 9 أبريل 1989 على طريق القاهرة الواحات. يعد واحدًا من الوجوه البارزة بين مبدعي فترة الستينيات، وهو شاعر القصة القصيرة بحق كما لُقِّب، وما زال الفيلم المأخوذ عن روايته يذكِّر الجميع به، وهو الطوق والأسورة، بالرغم من اعتباره فيلمًا نخبويًا غير جماهيري على نحو ما.
أما عن يحيى الطاهر محمد عبدالله فقد ولد في(30 أبريل عام 1938) عام بقرية الكرنك بمحافظة الأقصر بصعيد مصر، وقد توفيت والدته وهو في سن صغيرة فتولت خالته رعايته والتي أصبحت زوجة أبيه فيما بعد، كان ترتيب يحيى هو الثاني بين إخوته الثمانية، وكان والده شيخًا معممًا يقوم بالتدريس في إحدى المدارس الابتدائية بقرية الكرنك، وكان لوالده تأثير كبير عليه في حب اللغة العربية بالإضافة إلى أنه كان مهتمًا بكتابات (العقاد) و(المازنى).
تلقى تعليمه بالكرنك حتى حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة ثم عمل بوزارة الزراعة لفترة قصيرة، في العام 1959 انتقل يحيى إلى قنا مسقط رأس الشاعرين الكبيرين عبدالرحمن الأبنودي وأمل دنقل حيث التقى بهما وقامت بينهم صداقة طويلة.
في عام 1961 كتب يحيى الطاهر عبدالله أول قصصه القصيرة (محبوب الشمس) ثم كتب بعدها في نفس السنة (جبل الشاى الأخضر)، وفي العام 1964 انتقل يحيى إلى القاهرة وكان قد سبقه إليها صديقه عبدالرحمن الأبنودي في نهاية عام 1961 بينما انتقل أمل دنقل إلى الإسكندرية، أقام يحيى مع الأبنودى في شقة بحى بولاق الدكرور وفيها كتب بقية قصص مجموعته الأولى (ثلاث شجيرات تثمر برتقالًا).