أن تستيقظ على طلاق مجاني!
"معنى هذا أن - أعزائي المشاهدين- كل المتجوزين في مصر قانونًا.. اتطلقوا".
تهليل وصياح الجمهور، فرحة بالخبر الذي يبدو رائع الوقع على مستمعيه، بعد أن تم بث الخبر من خلال برنامج "من الآخر" للإعلامي المشهور "خالد مختار"، والذي تسبب فيه عن غير قصد، عندما استخدم هاتفه الجوال داخل غرفة التحكم الإلكترونية بالمكتب الحكومي القائم على تحويل الأوراق الحكومية إلى نظام رقمي بالأكواد. يتسبب خالد في مسح قاعدة البيانات الخاصة بقسائم الزواج في مصر، لتذهب تلك الوثائق بلا رجعة!
لن ننكر السعادة العارمة التي شعر بها حينما انقطع الاتصال بينه وزوجته ثريا - مستشارة العلاقات النفسية وعلاقة الأزواج- واستغل الفرصة بأن يُعلن بنفسه أن مصر كلها صارت من المطلقين. هذه السعادة جاءت ضمن مشاهد فيلم "البعض لا يذهب للمأذون مرتين".
يدور الفيلم حول الإعلامي الفذ خالد/ كريم عبد العزيز، الذي ينقل الحدث بالبث الحي لجمهور البرنامج الذي يحظي بالشهرة ويُعَّد أحد البرامج الأعلى مشاهدة؛ وعلاقته بزوجته ثريا/ دينا الشربيني، المحللة النفسية وخبيرة العلاقات الزوجية غير المشهورة، أو حتى يعرفها عدة أشخاص - والديها من ضمنهم- حيث تُعاني من إحساس التقلص في مقابل عملقة زوجها الناجح، ترجع ذلك إلى أنها تخلت عن عملها في مقابل الحصول على حياة زوجية هادئة ومستقرة، لكن سرعان ما تندم بعد بزوغ نجم زوجها، الإعلامي الطموح الذي لا يتورع عن فعل أي شيء لإتمام مسيرة عمله.
وفي غضون ساعات قليلة بعد بث خبر فقد قاعدة بيانات المتزوجين، تغزو البلاد حالة من الفوضى وعدم تقدير لأبعاد الحدث الفانتازي والمبالغ فيه، فيظهر خالد على شاشة برنامجه يعلن أنه حتى هو وزوجته أصبحا مطلقين بحكم القانون بعد ضغطة زر منه، ليُحرر ملايين من التعساء المتزوجين. بالطبع هي لحظة حرية استثنائية، فكل مجموعة من المواطنين لديهم وجة نظر مختلفة في كيفية التعامل بشأن زواجه، وآخرين سعداء لأنهم حصلوا على الطلاق الذي يتمنونه دون الإضطرار للخوض في التفاصيل القانونية وتسوية الأمور الماضية بين الزوجين، أو حق رؤية الأطفال والحضانة؛ إلى آخر مشكلات الطلاق التي تواجه راغبيه، إلا أن الجميع - رغم اختلافهم- اتفقوا على استحسان الحدث واعتباره طوق نجاة وسهم من الحرية.
من خلال أحداث الفيلم تظهر القيم والأفكار المتناقضة، ما بين فكر الرجل في حصوله على حريته وانطلاقه بعد الطلاق، وبين السيدات اللواتي يجدن في طلاقهن عودة للشباب والحصول مجدداً على شعر صحي بعد أن أنهكه الضغط الزوجي والاكتئاب. وفي حقيقة واضحة يعود الزوجين أصدقاء من جديد لما يشعران به من أريحية في التعامل مع شخص ليس ذي سلطة على حياته أو حقوق مقيدة لحريته، فيبدو الجميع سعداء بالحدث، حتى تقرر إحدي الجهات الحكومية المعنية بالشأن الجاري على مستوى الدولة في الخوض بشئ يُشبه مبادرة بعنوان "الصلح خير" ويتم اختيار الإعلامي خالد وزوجته المعالجة النفسية أن يبادرا بالعودة إلى حياتهما وعمل عقد زواج جديد عوضاً عن الذي تم تدميره في قاعدة البيانات، وتكون المواجهة مع النفس في سؤال هام: هل هما حقًا يريدان الانفصال ويشعران بالسعادة ضمن جموع الشعب؟ أم أن هذه فرصة جديدة لترميم علاقتهما جاءت بالصدفة؟! في الوقت نفسه، يُعَّد ماجد الكدواني بطل العمل والعنصر الأساسي القائم عليه الأحداث، فهو المحامي الجشع أول المتضررين من الطلاق المجاني الذي عم البلاد، مما يدفعه للبحث عن حلول تمكن المواطنين بعقد زواجهم من جديد لتعاود الكرة قضايا الطلاق وهكذا.
مثل أفلام الرأي العام وانتشار حدث بعينه في الانحاء على شرائح متعددة من الشعب، يركز السيناريو في إلقاء الضوء على حياة عدة شخصيات وردود أفعالها حيال ما يحدث، والذي يذكرنا بفيلم "النوم في العسل". كقضية عامة شارك فيها المواطنون من الرجال دفاعا عن فحولتهم، ومثل أفلام عدة تدور حول قضية حرية الرجال وتملصهم من واجباتهم منذ فيلم "البعض يذهب للمأذون مرتين" 1978 لسمير غانم وعادل إمام ونور الشريف وأعمال كثيرة على غرار هذا الفيلم الذي صار أيقونة كوميدية، وحتى فيلم "نادي الرجال السري" 2019 ، لفريق العمل نفسه مع اختلاف المخرج فخالد الحفناوي صانع النادي السري واحمد الجندي اكمل مسيرة النادي بشكل قريب جدا ، ويؤكد هذا التشابه ان السيناريست ايمن وتار هو نفسه من قام بكتابة كلا منهما بشكل مضحك غير مبتذل بالاضافة الي تقديم الابطال نفسهم شخوص تشبه سابقتها الي حد كبير حتي يظن البعض أن الفيلم هو أحد أجزاءه، أو فرع من عائلة التيمة المستخدمة في الفيلمين! لم يمنع تكرار الفكرة من الاستمتاع بالأداء والمواقف الكوميدية المبتكرة، أو الشخصيات التي قدمها كل من بيومي فؤاد ومحمد ثروت والتي تميل للشكل الكارتوني الخفيف، فيظهر ثروت الرجل المزواج صاحب ال23 زيجة على مدار الفيلم في لقطات تفيد انه عاد للزواج مجددا بارادته بعد ان قام الخطأ التقني في برنامج الوثائق بالغاء كل زيجاته السابقة لكنه يمر بخفة ظل ما بين مشهد واخر حاملا عروس جديدةفي كل مرة ،
نتتحول الاحداث في المشاهد النهائية الي خطاب اسري عن العلاقات ومفهومها والغرض من الارتباط بالشخص نفسه الي الابد او حتي يغير شئ من هذا، ولماذا ينفرون من بعضهم البعض مع مرور الوقت، مشاهد متوقعة وغير مفاجئة ان نجدها في هذا النوع من الافلام التي يجب ان تحمل ثلاثي ارضاء المشاهدين وهي العظة والرسالة والنهاية السعيدة.