الضبع: الدرس النقدى لم يستطع أن يقف على أعتاب محفوظ ليقدم ما يليق به
صدر حديثًا عن دار ميتا بوك للنشر والتوزيع كتاب "الأستاذ من جديد" إعداد الناقد والروائي سيد الوكيل والقاصة مرفت يس وقدم للكتاب الناقد والأكاديمي دكتور محمود الضبع.
يقول محمود الضبع عبر مقدمته "طرح أعمال نجيب محفوظ الإبداعية العديد من المداخل لتصنيفها، مثل: التصنيف الموضوعي (تبعا للموضوع القصصي والحكاية المركزية)، والتصنيف الشكلي (تبعا للحجم والمساحة واللغة السردية والأبنية الإيقاعية...إلخ)، والتصنيف البنائي (تبعا لتطور الأبنية السردية في أعماله وموقع الراوي والرؤية)، والتصنيف الجمالي (تبعا لجماليات الفنون ارتباطا بالعصر وامتدادا للمعاصر)، والتصنيف الفكري (تبعا لهيمنة فلسفة أو تيار فكري ما عبر مجموعة من القصص قد تنتمي زمانيا لمراحل متباعدة، لكنها تعود فكريا لشبيهاتها من الأعمال الأخرى)، وتصنيفات أخرى قد يطول بها الحصر للوقوف على منجز نجيب محفوظ السردي واكتشاف عوالمه.
وتابع: "غير أن القراءة الإجمالية لحجم الدراسات التي تناولت أعمال نجيب محفوظ عموما تكشف عن تحكم بعض المسارات التي تقتضي معاودة النظر فيها، على أدنى تقدير بعد اتساع مفهوم النقد، وتعدد مداخله، ومنها:
أولا: الدرس النقدي والأدبي عموما لم يستطع أن يقف حتى الآن على أعتاب نجيب محفوظ ليقدم ما يليق به وبمكانته كما يحدث مع الكتاب الذين يرقى محفوظ إلى مصافهم، إن لم يكن قد سبق بعضهم، أمثال: شكسبير، وتشيكوف، وبابلو نيرودا، وصامويل بيكيت، وماركيز، وماريو بارغاس يوسا، وغيرهم ممن حصل بعضهم على نوبل وبعضهم لم يحصل عليها، غير أن الدرس الأدبي يهتم بهم عالميا، وشعوبهم تعرف جيدا قدرهم ومكانتهم، سواء في المؤسسات التعليمية أو الثقافية أو الإعلامية أوالسياحية.
وثانيا: إن دراسة أعماله – في الغالب الأعم- اعتمدت التقسيم التاريخي في قراءتها وتقسيمها إلى مراحل:تاريخية واجتماعية وفلسفية، أو بمسمى آخر: رومانسية، وواقعية، وما بعد الواقعية، ويمثل المرحلة الأولي الأعمال من "عبث الأقدار" حتى "كفاح طيبة"، والثانية من "القاهرة الجديدة" عام ١٩٤٥م، حتى "الثلاثية"١٩٥٦-١٩٥٨، وتبدأ الثالثة بـ"اللص والكلاب"١٩٦٠م، حتى اكتمال مشروعه ورحيله.
وأكد الضبع "لقد اعتمد الدارسون هذا التقسيم منذ الكتابات الأولى عن نجيب محفوظ، مع سيد قطب بدءا من منتصف الأربعينات من القرن الماضي في مجلة الرسالة وغيرها، وهو أول ناقد تناول أعمال محفوظ بالدرس ولفت إليه الانتباه في مقالته عن رواية "كفاح طيبة" عام ١٩٤٤م كما يشير رجاء النقاش في كثير من كتاباته.
وثم تأتي كتابة الأب جاك جومييه في الغرب أواخر الخمسينات عن الثلاثية، والتي ترجمها نظمي لوقا، وهي تنطلق من اعتماد قراءة أعمال محفوظ في إطار التاريخي، ثم الواقعي، وهو ما اعتمده كل دارسي نجيب محفوظ البارزين من بعد، أمثال: أنور المعداوي، ولويس عوض، ومحمود أمين العالم، وإبراهيم فتحي، ورجاء عيد، وغالي شكري، وعبدالمحسن طه بدر، وسيزا قاسم، وفاطمة موسى، ونبيل راغب، وإن كان القليل قد تحرر نسبيا من هذه النظرة.
أوضح الضبع من هنا يأتي هذا الكتاب، محاولة، لقراءة نجيب محفوظ، بمداخل متنوعة تتحرر من هيمنة النظرة التقليدية إلى أعماله، ومحاولة تسكينها في مرحلة (تاريخية، رومانسية، واقعية)، أو محاولة فرض نظرية أو منهج أو مدخل بعينه عليها، بل يمكن القول بأنها أقرب ما تكون للقراءة الثقافية المتأملة والمنفتحة على معطيات النصوص، والمنطلقة من قراءة المدونة السردية لنجيب محفوظ إجمالا، وما تتضمنه بالفعل من علامات دالة ودلالات يمكن التقاطها وتتبع مساراتها الفكرية والجمالية.
وختم الضبع "بدأت فكرة هذا الكتاب من خلال مبادرة تبناها موقع "صدى ذاكرة القصة"، للاحتفاء بنجيب محفوظ وتقديم قراءات وشهادات ورؤى جديدة حول أعماله، وجاءت الاستجابات سريعة من النقاد والأدباء والمبدعين لتؤكد على ثراء مدونة محفوظ الثرية، وتعدد إمكانات ومداخل قراءته، وفتح الأبواب أمام إمكانية تقديم الجديد، وهو ما تم جمع بعضه هنا، ليكون وثيقة شاهدة على مرحلتنا الراهنة.