هند البنا تكتب: الاغتصاب الزواجى.. ظاهرة أم اضطراب نفسى
" زوجي يمارس معي كل أشكال العنف الجسدي، واغتصبني عدة مرات، وعندما فشلت في إصلاحه، ولم أجد من يساندني من أهلي أو أهله، استسلمت، ولكني قررت تعاطي المخدرات، حتى لا أكون في وعيي وأنا معه" (حدث بالفعل)
الاغتصاب الزواجي يعتبر من أبشع أنواع الاغتصاب التي قد تتعرض له المرأة، فتأثيره النفسي أسوأ بكثير من الاغتصاب الذي قد تتعرض له من شخص غريب عنها، فإجبار الزوجة على ممارسة العلاقة الحميمة، بدون رغبة منها في ذلك باستخدام العنف أو التهديد أو غيره من الأساليب، يحول العلاقة بينهما إلى عذاب دائم، وجحيم لا ينتهي فالزوج الذي من المفترض أن يمثل حالة الأمان والاستقرار والحب، يصبح هو مصدر الألم والانكسار وفقدان الثقة بالنفس.
خطورة الأمر تتجاوز فكرة الحالات الفردية ، فللأسف أغلب حالات الاضطراب النفسي التي قد تتعرض له المرأة،تأتي نتيجة لخلل في العلاقة الزوجية، أو العنف الشديد التي قد تتعرض له من الزوج ، ويأتي الاغتصاب الزواجي على رأس أشكال العنف ، فتبعا للإحصائيات الرسمية سجلت محاكم الأسرة أن 60% من الزوجات المتقدمات بقضايا طلاق أو خلع ، قد تعرضن للاغتصاب الزوجى، كما أن دفاتر محاكم الأسرة سجلت 10 آلاف شكوى لزوجات وقعن تحت قبضة العنف الجنسى و7 آلاف شكوى سجلت إصابة الزوجة بعاهات.وحسب إحصائيات المركز القومي للتعبئة والإحصاء فإن 45% من النساء المتزوجات قد تعرضن للعنف الجسدي ومن ضمنها العنف الجنسي.
الأمر برمته مرعب، خاصة إذا علمنا أن أغلب حالات الاغتصاب الزواجي، لا تتم في بداية الزواج، وقد تظهر وهذا هو الأخطر، بعد عدة سنوات من الزواج، بعد معاناة الزوجين من حالات الخرس / الصمت الزواجي، الذي يبتعد فيه كل طرف عن الآخر، ولا يتمكنوا من معالجة الأمر بشكل علمي ومنطقي،فتتحول العلاقة بينهما إلى صراع دائم، وغربة بحيث لا يشعر أحدهما بالآخر، وبالتالي ينعكس ذلك على العلاقة الحميمة ، وتتحول إلى حالة من الكراهية والنفور،قد تؤدي إلى حالة الاغتصاب الزواجي.
في رأيي أن ممارسة العلاقة الحميمة بهذا العنف، ينبع من اضطراب نفسي شديد التعقيد، ويعكس حالة (سادية ) مخيفة تحتاج إلى علاج نفسي منتظم، فالمتعة التي يشعر بها بعض المضطربين من الرجال، أثناء ممارسة العنف الجنسي على زوجته، لدرجة أنهم يلجأوون لهذه الطريقة حتى وإن أتيحت لهم ظروف طبيعية لممارسة العلاقة الحميمة.يؤكد على أن المتعة في هذه الحالة مرهونة بالعنف، وليس بالجنس في حد ذاته.
الحقيقة إن التحليل النفسي لمثل هذا النوع من الرجال ، يتجاوز مجرد إحساس المتعة إلى أمور أكثر عمقاً، فمعظم الرجال الذين يمارسون هذا الفعل، يعانون من نقص حاد في مفهوم الذات، فهو يشعر أنه ضعيف في حياته الاجتماعية، أو عمله ، مما ينعكس على حياته الزوجية بوضوح، فممارسة العلاقة الجنسية وأشكالها هي التي تكشف العيوب والاضطرابات في النفس الإنسانية،فمثل هذا النموذج من الرجال لا يشعر بأي تحقيق لذاته أو اكتمال، إلا من خلال إحساسه بالقوة والتفوق الجسدي بطريقة عنيفة ضد زوجته.هذا الإضافة إلى الشرعية التي اكتسبها من أهله والمجتمع من حوله.فمتعته الجنسية في عملية الاغتصاب تحولت إلى إدمان يشعره بالرضا النفسي ، ولن يتمكن من التخلص منه إلا عن طريق العلاج النفسي المنظم والعلمي.
الأخطر في الأمر هو ارتباط الممارسة الجنسية بالحقوق الاجتماعية والشرعية،فالعديد من الحالات التي حاولن اللجوء إلى الأهل،لم يجدن لديهم الملجأ أو الملاذ،مما يعكس خللاً خطيراً في أسلوب التربية التي نربي عليه أبناءنا، مما يمنح الزوج شرعية العنف والاغتصاب لزوجته تحت سقف فهمنا الخاطئ للشرع، أو العادات والتقاليد الاجتماعية التي تقلل من قيمة المرأة أمام سطوة الرجل.
المشكلة الحقيقية في حالة العنف الجنسي، وغيرها من الأزمات في الحياة الزوجية، تكمن في غياب التوعية الجنسية منذ الصغر، فالحديث في الأمور الجنسية داخل الأسرة يُعد من المحرمات، رغم أن تناول الأمر بشكل علمي ومنضبط وتربوي سليم، قد يجنبنا العديد من الأزمات التي قد تقلب حياتنا الزوجية رأساً على عقب.
الجنس مثله مثل كل مناحي الحياة الأخرى، غريزة إنسانية خلقها الله تعالى بنا، وعلينا أن نتعلم كيف نروضها ونستمتع بها بشكل حضاري وراقي، وهذا لن يتم ونحن نرسخ في أذهان أبناءنا فكرة الأنانية الجنسية، وإشباع الرغبات منفردين دون مراعاة الطرف الأخر.ونؤكد على بناتنا مفهوم العيب والجهل الجنسي، فتأتي لحظة المواجهة والجميع أعزل ذهنياً ونفسياً ، مما يحولنا كائنات ضعيفة أمام رغباتنا.
في رأيي لن يتم الحل إلا باتباع الخطوات التالية:
أولاً: عليك بالاعتذار والاعتراف بالذنب، وتحمل رد الفعل من زوجتك، فهي في هذه الحالة تمر بأزمة فقدان ثقة، في كل من حولها، وخاصة أنت . فعليك الاكتفاء بالاعتذار والاستماع بهدوء، أمام ثورتها التي ستكون هادرة.
ثانياً: احترم رغبتها في ترك المنزل، أو الانعزال عنك في غرفة أخرى، فالوقت والمعاملة الطيبة قد تغير الواقع تدريجياً، فهي تمر بحالة رفض تام لوجودك في حياتها،وتشعر بإهانة شديدة،فعليك احترام رغبتها.حتى وإن وصل الأمر للانفصال أو الطلاق، فقد تكون فترة مؤقتة وتعود حسب مهارتك في قيادة الأزمة.
ثالثاً:عليك اللجوء لمتخصص في أسرع وقت، ليحدد لك أين موطن المشكلة داخلك، والدوافع التي أوصلتك لهذه المرحلة من العنف، والأفضل أن تعرضها هي الأخرى على متخصص، فهي ستكون في أمس الحاجة لبرنامج علاجي متكامل، تسعدها وتساعدك في العثور على أسباب الفتور التي أدت إلى تصعيد العلاقة إلى مستوى العنف.
رابعاً: إن منحتك فرصة أخرى، فلا تبددها، وامنحها مزيداً من الاحترام والثقة، فالعلاقة الزوجية،والجنسية على وجه الخصوص، تعتمد على الثقة المتبادلة بين الطرفين،عليك أن تحترم رغبتها ، وتتعلم كيفية إدارة العلاقة الحميمة بينكما، بما يتناسب مع طبيعتها النفسية والجسدية.
خامساً:أما فيما بيخص الزوجة، فأنصحك بالتوقف عن لوم الذات، لكن عليكي تحمل جانب من المسئولية أمام ما تعرضتي له، فقد تكوني مسئولة ولست ضحية كما تحاولين ذلك أمام نفسك ومن حولك، فطريقة معاملة الزوج لابد أن تتم بحنكة بالغة،وقدرة على ترويض الرغبة داخله، بما يتناسب مع احتياجك، وعدم لومه بشكل دائم على كل تقصير في حياتكم اليومية، فالحياة الصحية لا تعتمد على اللوم الدائم. حاولي أن توجدي لغة جديدة لحياتكم وأسلوب مدهش للعلاقة الحميمة.قد يجنبك هذا أزمات لن تتمكني من تجاوزها في المستقبل.
فالمرأة تحلم منذ بداية زواجها في الحالة الرومانسية والعاطفية التي تنتظرها بعد الزواج،وتحاول أن تنسج صورة خيالية وردية عن البيت الهادئ المستقر، والأولاد، والأهم العلاقة الحميمة التي ترسمها المرأة في إطار من الرومانسية الحالمة،التي يمارس فيها الزوج دور المايسترو فيقود العلاقة إلى بر الأمان بحكمته وحبه لها.
تبدأ المشكلة مع أول صدام حقيقي مع الواقع، فتتحول العلاقة الجنسية فجأة إلى رغبة أنانية من الزوج ، وعدم فهم وإدراك من الزوجة، فطبيعة الرجل تميل إلى الإشباع وليس المشاركة،عكس المرأة التي تميل إلى المشاركة والاهتمام ، وعلى كليهما أن يفهما الاحتياجات النفسية والجسدية التي يمران بها، وإلا قد يتحول الأمر إلى كارثة تسكن المجتمع ونحن عنها غافلون.
*استشاري الصحة النفسية