حسام العادلي: التطور الرقمي يتطلب قانونا جديدا لحماية الملكية الفكرية
عام 2003 أصدرت منظمة اليونيسكو تقريرا رصد وضع حالة النشر وصناعة الكتاب في مصر والمنطقة العربية، تحدث عن متوسط قراءة للمواطن العربي 6 دقائق في السنة، وأشار إلى ضعف إصدار الكتب عربيا، في تلك الفترة كانت مصر تصدر 9 ألاف عنوان سنويا، قبل ذلك التقرير بعام صدر قانون حقوق الملكية الفكرية وحماية حقوق المؤلف في مصر، وقدم القانون رؤية متقدمة بالفعل عن الوضع الحالي حينها، غير أن ثورة تكنولوجيا المعلومات خلقت فجوة في العقدين الأخيرين بين القوانين المنظمة وحركة صناعة النشر، التي تجاوزت بمراحل تقرير اليونيسكو، فطبقا لنشرة إيداع دار الكتب المصرية تنشر مصر 22 ألف عنوان سنويا، وزادت عضويات اتحاد الناشرين المصري من 260 دار نشر قبل عام 2012 إلى 1200 دار نشر في 2020. إلى جانب زيادة معدلات السرقات الأدبية والفكرية مع عدم وجود نصوص قوانين تلاحق تلك السرقات، فلم تكن هناك كتب pdf وقت صدور القانون، مع الوضع في الاعتبار أنه لا عقوبة إلا بنص، فأين النص الذي يجرم التعدي على حقوق الملكية الفكرية من خلال نشر الكتب في سيغ ووسائط لم تكن معروفة سابقا!
العديد من المؤشرات فرضت ضرورة تعديل قانون حقوق الملكية أو إصدار قانون جديد يناسب الوضع الحالي، وفي تلك المقابلة يحاور الدستور رئيس المحكمة الاقتصادية والمستشار بوزارة العدل حسام العادلي، عن ضرورات ذلك التعديل، وإمكانية إصدار قانون جديد، فإلى نص الحوار:
ما هو الدور الذي تلعبه صناعة النشر والكتاب والذي يستدعي معه تعديل القوانين المنظمة لتلك الصناعة حتى تساير تطورات العصر؟
في ظل معركة الوعي التي تخوضها الدولة بكل مؤسساتها ضد الإرهاب، تلعب صناعة النشر دورًا مُهمًّا في خلق جدار عازل بين الشعب وبين الأفكار الخبيثة والمتطرفة، التي تنفث سمومَها قوى الشر في الداخل والخارج؛ إذْ يقوم الناشرون بدور الوسيط الأمين بين الجماهير العريضة وبين الأدباء والمفكرين، بعرض ونشر الأفكار الوطنية والسياسية والفهم الصحيح للدين، والترويج لها من خلال الكتب التي يقومون بإنتاجها، فيُقَدِّمون الثقافة السليمة الخالية من المغالطات لتجابه ما تَعُجُّ به الكتب والمقالات المُغرضة، وتتدارك ما عساه يُنشر على المواقع الإليكترونية وغيرها من وسائل النشر غير القانونية، التي تستهدف زعزعة اليقين العام والتشكيك في الثوابت التاريخية. ورغم الأهمية القصوى لصناعة النشر - باعتبارها من الخطوط المُهمة والاعتبارات المؤثرة في الأمن القومي الوطني - فإن كثرة المعوقات المادية والمعنوية تُفقدها أغلب قوتها في التأثير الفعلي كما ينبغي لها.
هل هناك مؤشرات نستطيع أن نشير إليها كانت سببا في كثرة المعوقات المادية والمعنوية التي تفقد صناعة النشر قوته؟
بالطبع، مع ارتفاع أسعار الورق والأحبار عالميًّا، وزيادة تكلفة الإنتاج في المطابع، ارتفعت أسعار الكتب، وانعكس ذلك إحجامًا بين صفوف القُرّاء عن شراء الكتب في ظل الأزمات الاقتصادية. في الوقت ذاته نجد أن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر يفاقم الأزمة بشكل أكبر، لا سيما أنه أصبح ظاهرة سائدة، تنال من المجتمع في المقام الأول، وتؤثر سلبًا على صناعة النشر، وتهدد مستقبلها وتطورها بشكل كبير. ويتخذ الاعتداء على حقوق النشر أشكالا عديدة: بدءًا من تزوير الكتب، وانتهاءً بإتاحتها على شبكة الإنترنت دون الرجوع أو الاتفاق مع الناشر. ومن المُسَلَّم به في فلسفة التشريع أن القوانين يجب أن تبقى في حالة تواصل دائم مع متطلبات الزمن والمصلحة العامة، إذْ يحتاج القانون دائمًا إلى التطوير والمعالجات التشريعيّة.
القانون الحالي المنظمم لصناعة النشر وحقوق الملكية الفكرية صدر عام 2002، ما الداعي للمطالبة بتعديله الأن؟
من المعروف أن القوانين التي تنظم مسألة النشر وحماية الملكية الفكريّة قد صدرت منذ فترة زمنية بعيدة، مثل قانون اتحاد الناشرين الصادر برقم 25 لسنة 1965، وقانون حماية الملكية الفكرية الصادر برقم 82 لسنة 2002. وهذان القانونان يتناولان - بشكل مباشر - مسألة النشر وحقوق المؤلف والناشر في مصر. ومع التطور الرقمي الهائل، وأساليب التزوير المتعدِّدَة والمُستحدثة، يحتاج هذان القانونان إلى تعديلات كثيرة، منها إعادة التعريفات المفترضة للمصنفات الفنية الجديرة بالحماية المدنية والجنائية، في ظل أشكال النشر والتوزيع الحديثة والرقمية، وتوسعة مفهوم النشر وقواعد ضماناته في مظلة هذه القوانين الوضعية، ولا سيما إدراج جوهر وغاية المواد المعدلة أو المنشأة في بنود اللائحة التنفيذية للقانون، والتي تتكفل برسم الطريق القانوني اللازم لضبط الجريمة بشكل إجرائي سليم. وجديرٌ بالذكر أن هناك مساعي تشريعية من جانب اتحاد الناشرين والمجلس الأعلى للثقافة في البرلمان، لتعديل بعض مواد الكتاب الثالث من القانون ٨٢ لسنة ٢٠٠٢؛ لتلافي بعض المشكلات القائمة بخصوص الملكية الفكرية والنشر.
من وجهة نظرك كمثقف وروائي قبل أن تكون قاض، هل هناك ضوابط أو قوانين معينة من الأفضل وضعها في مشروع القانون المفترض؟
إنّ أهم ما يجب التعويل عليه وأخذه في الاعتبار هو إضافة مادة في مشروع القانون المُعدّل، تقضي بمنح صفة الضبطية القضائية للهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة؛ لظبط جرائم النشر وتزوير الكتب، سواءً كانت الورقية أو على شبكة الإنترنت؛ للتمكن من ضبط الجريمة، بشكل مباشر وقانوني تختفي منه الثغرات القانونية، بما يُضحى معه الدليل الجنائي والفني كافيًا لتقديم المُتهم إلى المحاكمة الجنائية، والحصول على أحكام رادعة متي قُدمت القضايا إلى المحكمة، مع تغليظ العقوبات الأصلية والتكميلية بشأن جرائم النشر وتزوير الكتب، باعتبارها في الأساس من المهام التي يقتضيها الأمن القومي وضمن أولوياته، وكذلك تشديد عقوبات الاشتغال في صناعة النشر بدون ترخيص، أو بما يتعارض مع السياسة العامة للدولة. (الضبطية القضائية هي الصفة القانونية التي يمنحها وزير العدل – بصفته - لبعض الموظفين العموميّين لضبط نوع معين من الجرائم).
هل تعديل القوانين الحالية يكفي للنهوض بصناعة النشر؟
التدابير القانونية والتشريعية السالف إيرداها تساعد - بشكل عام - على النهوض مُجدّدًا بصناعة النشر، وينبغي التأكيد على أن تعديل قانون حماية الملكية الفكرية الحاليم لا يكفي، بل تظل الحاجة الملحَّة إلى صياغة قانون جديد، يضطلع – منفردًا - بمعالجة قانونية متكاملة لصناعة النشر؛ ليُنظم ويعالج المعضلات القائمة التي تعتري وتعوق عملية النشر. وينبغي أن تكون اللائحة التنفيذية لهذا التشريع ملائمة لمقتضيات العصر. وقياسًا على ذلك نجد أن قانون الاتصالات الصادر برقم 10 لسنة 2003 قد أُدخلت عليه تعديلات كثيرة رغم احتوائه على نصوص عصرية.
جديرٌ بالذكر أن البرلمان أصدر قانونًا بشأن جرائم تقنية المعلومات، اشْتُهِرَ إعلاميًّا باسم "قانون مكافحة جرائم الإنترنت أو الجريمة الإليكترونية"، اقتناعًا من المُشَرِّع بضرورته، وإيمانًا بعدم جدوى الترميمات التشريعية للقوانين السابقة في مضمار الجريمة الإليكترونية المتسارع تطورها؛ ليتناول بشكل واضح ومتشدد منع الاستخدام الضارّ للإنترنت، والتعرض لسرقة البيانات الشخصية للأفراد والكيانات الاعتبارية العامة والخاصة. وقد نُظمت فيه العقوبات - بما لا يُخِلُّ قانونًا بمواد قانون الاتصالات الموازي له - لتصل بحد أقصى إلى عقوبة السجن (من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة) وغرامة مليون جنيه.
ذلك الطرح التشريعي الذي تحتاجه صناعة النشر بشكل ضروري، يؤكد على وجوبه واستحقاقه ريادةُ مصر ومكانتها التاريخية في مجال النشر، فضلًا عن حجم الإنتاج الفكري وتَفَرُّدِه، وتأثيره في داخل مصر وخارجها، بما يستدعي بدوره الحفاظ على ميزاته، ويجعله جديرًا بالحماية والدعم القانوني والتشريعي، بوصفه درعًا ثقافيًّا يدعم النواة الأصيلة لطبيعة الشعب المصري الوطنية والدينية السليمة، وتنسف أي محاولات اختراق فكري يُشَوِّه الوعي. كما إن الدولة المصرية عضو في منظمة الويبو wipo (المنظمة العالمية للملكية الفكرية) ووقعّت علي اتفاقية "جنيف" واتفاقية "بيرن" ( لحماية المصنفات الأدبية والفنية) , ما يضعها علي الصعيد الدولي في موضع المسئولية الأدبية والأخلاقية لحماية حقوق النشر والمؤلف بوجه خاص وصناعة النشر بوجهِ عام.