«تدخل في جنازة الفنان عبد الحليم».. معارك الشيخ الشعراوي مع الكبار
بعد وفاة الفنان الراحل العندليب عبد الحليم حافظ، تدخل الشيخ الشعراوي أثناء مراسم الدفن، حيث كان من المقرر أن يتم نقل الجثمان إلى مستشفى المعادي، ثم يتم نقله إلى مسجد عمر مكرم، لكن الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، طلب من وزير الأوقاف آنذاك أن يُفتح مسجد عمر مكرم طيلة الليل، ليظل فيه الجثمان.
واتخذت ترتيبات خاصة لتشييع جنازة "العندليب" إلى مثواه الأخير، وفي تمام الساعة الحادية عشرة حمل بعض الفنانين النعش من داخل المسجد بعد أن تمت الصلاة عليه، ثم وضع في سيارة مكشوفة لونها أخضر وغطيت بالزهور من جوانبها بينما ارتفعت على أعلاها صورة لعبد الحليم، من أول فيلم مثله للسينما وهو "لحن الوفاء" وكان النعش مجللًا بالحرير الفضي وملفوفًا بالعلم المصري.
وكان الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في رحلة علاجية في لندن، لكنه توفى هناك، وعاد من هناك محمولًا على الأكتاف، ووصل إلى مطار القاهرة في تمام الثالثة فجرًا على متن طائرة مصرية، على متنها زوجة الفنان محمد عبد الوهاب نهلة القدوسي، ومجدي العمروسي، وشقيقته عليه شبانة، وأحد أقاربه.
معارك "الشعراوي"
شهدت الصحف والمجلات معارك فكرية بين الشيخ محمد متولي الشعراوي والأدباء توفيق الحكيم ويوسف إدريس، وبعض الحلفاء من الجانبين، وصلت إلى حد اتهام الشيخ للأدباء بالكفر والإضلال، فيما وصفه "إدريس" بممثل نصف موهوب، لكن كلها انتهت في النهاية بالصلح.
العلاقة بين الشيخ الشعراوي وتوفيق الحكيم توترت عندما نشر "الحكيم" مقاله بعنوان "حوار مع الله" في جريدة الأهرام، فرد "الشيخ" بأنه لا يجوز مثل هذا الحوار مع الذات الإلهية، فامتثل توفيق الحكيم للحلة التي قادها الشيخ الشعراوي واشترك فيها بعض المشايخ الآخرين وغير الحوار إلى خواطر.
عقدت جريدة اللواء الإسلامي ندوة مع "الحكيم" عن مقالاته "حديث مع الله" واستمرت الندوة أربع ساعات كاملة، شارك فيه عائشة عبد الرحمن، الحسيني هاشم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية وقتها، موسى شاهين أستاذ التفسير والحديث بجامعة الأزهر، أحمد عمر هاشم أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي رد على ما كتبه "الحكيم" قائلًا: "الأستاذ توفيق الحكيم لم يقل لنا كيف كلمه الله، هل واجهه أم أرسل إليه ملكًا أم ماذا حدث؟
تدخل ثروت أباظة وعرض عزومة على الشيخ والأديب على عدس أباظي، وكتب في جريدة الأهرام طريقة طهي العدس الذي سيتناوله الطرفين.
انتهى الخلاف بين الشيخ الشعراوي وتوفيق الحكيم، وذات يوم أصيب "الحكيم" بأزمة صحية شديدة، ألزمته الفراش، ودخل على أثرها مستشفى المقاولون العرب بعد عام تقريبًا من المعركة، وذات صباح وقف "الحكيم" يتمشى في المستشفى بعد يأس الأطباء من علاجه، فاندهشوا من قدرته على الحركة المفاجأة، فإذا به يقول: "الحمد لله، لقد رأيت في المنام الشيخ الشعراوي بجواري في هذا السرير يصلي، وبعد الانتهاء من صلاته، توجه بالدعاء لله بشفائي واستيقظت من نومي وأنا في تمام الصحة" وتصادف وجود الكاتب الصحفي صلاح منتصر في هذه اللحظة فكتب هذه القصة في عموده اليومي بجريدة الأهرام "مجرد رأي" في عدد بتاريخ4أغسطس1984، فقرأ "الشعراوي" ما كتبه "منتصر"، فتوجه مع إلى مستشفى المقاولون العرب وكان هو اللقاء الأول بينهما بعد الحملات الصحفية والخلافات على صفحات الجرائد.
دخل "الشعراوي" على "الحكيم" الذي دقق في ملامحه، فهب واقفًا وهو يقول: مين؟ شيخ الشعراوي؟، وأخبره "الشعراوي" أنه قرأ له كتب "أهل الكهف"، "عودة الروح"، فأذّن العشاء أثناء اللقاء فطلب "الشعراوي" أن يؤدي صلاة العشاء فشكا "الحكيم" من أنه لا يستطيع المشي أو الوقوف على قدميه للوضوء، فوعده "الشعراوي" أن يرسل له حجرًا طاهرًا يتيمم به. حسبما ورد في كتاب الكاتب الصحفي صلاح منتصر "توفيق الحكيم في شهادته الأخيرة".
كان للأديب الراحل معركة مع الشيخ محمد متولي الشعراوي، فكتب ينتقد طريقته وأسلوبه واعتبره يجامل السلطة والرئيس "السادات"، وطالب بعدم إعطاءه الهالة الكبيرة التي تدور حوله، تقول ابنة الأديب الراحل: "بعدما قرأ الناس ما كتبه والدي شنوا عليه هجومًا قويًا، يحتوي على كلام جارح وانتقادات لا حصر لها"، وأكدت أن هذا الهجوم أثبت لوالدها أنه على حق، لأن الجميع يهاجمونه فقط لمحبتهم للشيخ الشعراوي، وبدون منطق. حسب المصري اليوم، 2018.
وفي كتابه "فقر الفكر وفكر الفقر" وردت مقالة بعنوان "العروبة ضد العرب والإسلام ضد المسلمين" وصف فيها يوسف إدريس الشيخ محمد متولي الشعراوي، بأنه ممثل نصف موهوب لدية قدرة على إقناع الجماهير البسيطة وقدرة على التمثيل والحديث بالذراعين وتعبيرات الوجه، والقدرة على جيب كبير مفتوح دائمًا للأموال.
واتهمه بأنه مشروع لوأد فكرة أن الإسلام دين كفاح العدو ودين صمود المسلمين، وذكر موقف "الشعراوي" المهلل لزيارة السادات إلى القدس وعقد اتفاقية كامب ديفيد، وقت أن كان الشيخ وزيرًا للأوقاف، ولم يكتف بالتهليل بل دافع عنه في مجلس الشعب المصري وقتها قائلًا: "أن هذا الرجل لا يُسأل عما يفعل".
ويكمل "إدريس" بأن هدف "الشعراوي" كان واضحًا منذ البداية في أن يرتكن بظهره إلى حكومة السادات القائمة، وأن يُبشّر بإسلام غريب، يجعل المسلم ينحصر تفكيره في ذاته وطريقة عبادته، ولا يأبه لأرضه أو عدوه وعدو المسلمين، تنفيذًا لأوامر سادته وأمرائه، بحيث إن مذابح لبنان كانت ولا تزال، بينما "الشعراوي" لا يزال يُفسّر في صفحتين من سورة البقرة.
لاقى هجوم "إدريس" استهجانًا من البعض، الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة وقتها، اعتبر انتقاد "إدريس" ساقطًا، ووصف "الشعراوي" بمفخرة مصر، كما اعتبر سعد الدين وهبة هجوم يوسف إدريس، لا علاقة له بأي فكر أو ثقافة واعتبره إسفافًا.
أعلن "إدريس" اعتذاره في مقال نُشر بجريدة الأهرام بعنوان "توضيح عاجل واعتذار"، ووأوضح أن ما جاء في مقاله بالخطأ الفني المطبعي، واستنكر هجومه على شخصية عظيمة مثل الشعراوي، وأشار إلى أنه سيصحح ما جاء في الكتاب، وأكد أنه يكن للشيخ كل التقدير والود والاحترام رغم اختلاف الفكر والرؤى، واعتبره أهم ظاهرة دينية إسلامية ظهرت منذ عهد الأئمة الكبار، واستشهد بمقاله "عفوًا يا مولانا" الذي رد عليه بعدما اتهمه مع الأديب توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود بالكفر والإضلال.
وتم الصلح في لندن أثناء وجود "الشعراوي" في لندن للعلاج بمستشفى ولنجتون، في نفس الوقت الذي كان "إدريس" يتلقى علاجه بنفس المستشفى.