رمزي بشارة: لهذا استخدمنا الديكودراما في «البداية».. ولا تعارض مع بداية صلاح أبو سيف (حوار)
يستيقظ عم أمين فجأة بعد أن ظل نائمًا ما يقرب من خمسين عامًا، ليجد نفسه داخل كرتونة قديمة داخل إحدى غُرف كنيسة مار مرقس بالمعادي، ويكتشف وجوده أحد خُدَّام الكنيسة الذي قرر أن يبحث عن فكرة مختلفة لفيلمه الذي سيُعرَض في الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس الكنيسة.
ويسأل الخادم عم أمين عن سر وجوده في الكرتونة وكيف يتكلم وهو مجرد عروسة ويدور بينهما حديث يُقرر بعده عم أمين أن يكتشف بنفسه التطور الذي حدث في الكنيسة عبر كل هذه السنوات.
ومن خلال عيون عم أمين يرى المُشاهد فيلمًا وثائقيًّا عن الكنيسة وخدماتها الكثيرة والمُتَشَّعِّبة.. وفي النهاية نجد أنفسنا ما زلنا في الغرفة القديمة وما زال الخادم يقف أمام عم أمين "العروسة" لكننا نجد العروسة لا تتحرك.. مُجَرَّد عروسة قديمة داخل إحدى الكراتين، لنكتشف أن كل ما شاهدناه دار فقط في مُخَيِّلَة الخادم الذي كان يبحث عن فكرة جديدة لتقديم فيلمه ووجدها، ثم نأتي لختامٍ أيضًا غير مُتَوَقَّع عندما يُخبر الخادم مسئولي الحفل بفكرته فيرفضونها ويقررون عمل كتاب بدلًا من الفيلم، "بينما تم عمل الفيلم بل وعَرضه بالفِعل".
في هذا الإطار غير التقليدي قَدَّم لنا المُخرج مرقس عادل فيلمه الجديد "البداية" وهو من نوعية الأفلام "الدوكيودراما" أي التي يمتزج فيها الشكل الوثائقي بالدراما وقد قدم مرقس سابقًا أفلامًا سينمائية مثل "بَث مُباشر والرجل الأخطر" ومسلسلين هُما "حواديت الشانزليزية وفُرصة تانية" ويشق حاليًا طريقه إلى العالمية بإخراج فيلم مينا مسعود الجديد "في عز الضهر" وهو أول فيلم مصري لمسعود بعد فيلمِه العالمي "علاء الدين"الذي كان بطولة مُشتَرَكة مع النَّجم "ويل سميث" وعن فيلم "البداية" كان لنا هذا الحوار مع السيناريست والمُعد وصاحب هذه الفكرة، رمزي بشارة.
لماذا الديكودراما؟
تنتهي صلاحية مُعظم الأفلام الوثائقية سريعًا، خاصةَ هذه الأفلام التي تُؤَرِّخ لمكان، كما أن مُشاهديها في الغالب سيكونون فقط هم الأشخاص المُرتبطين بهذا المكان، سواء مؤسِّسِيه أو مُرتاديه، كما تُشاهَد هذه الأفلام لمرة واحدة، لذلك قُلت أن صلاحيتها تنتهي سريعًا، لذلك قررنا أن نُقَدِّم المكان وهو "كنيسة مارمرقس بالمعادي" في قالب غير مُتَوَقَّع، وبالفعل وصلني إشادات من أشخاص كثيرين بالفكرة وهناك من شاهد الفيلم أكثر من مرة.
وما التحديات التي واجهتكم أثناء تنفيذ هذا الفيلم؟
التَّحَدِّي الأكبر الذي واجهني في الكتابة هو ألا أترك الإطار يتَغَلَّب على المُحتوى، ففي النهاية هذه الكنيسة العريقة تحتفل بمرور خمسة عقود على تأسيسها، فكان لا بُد أن أُشير إلى خَدماتها العديدة ومُؤَسِّسي هذه الخَدمات
فالاهتمام بالمَرضى وكِبار السِّن والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء وألخ. أمور يجب أن يُشار إليها، كما أشرنا طوال الفيلم إلى شيءٍ هام وهو روح المحبة الباذِلة التي كانت بمثابة وقدود حَرَّك قطار الخدمة في هذه الكنيسة طيلة خمسون عامًا مَضَت.
وكان هناك تحدي آخر استطعنا أن نتغلب عليه أنا و مُخرج العمل د. مرقس وهو ألا يتخطَّى زمن الفيلم 30 دقيقة فقط، حتى يظل المُشاهد مشدودًا طوال الوقت ولا يُصيبه أي مَلل، وأنا أرى أن هذه الرؤية ليست غريبة على مرقس فقد كانت بدايته في الإعلانات وقد تَعَوَّد أن يقول ما يريد قوله في 30 ثانية فقط، وربما هذا ما جعله يُقرر أن يُصبح الفيلم 30 دقيقة فقط بل وأقصر فهو 29 دقيقة و32 ثانية.
كما أن هناك تحديًا آخر وهو الحفاظ على هُوية الفيلم فإن زادت الجُرعة قليلًا قد يتحَوَّل الفيلم إلى عمل هزلي، لكننا كنا حريصين على تحقيق المُعادَلَة الصعبة بين الجزء الذي يَتَّسِمباللا تقليدية والإبداع وعدم النَّمَطية والجزء الوثائقي.
وأود أن أشكر آباء الكنيسة "كل واحدٍ باسمه" الذين رَحَّبوا بهذه الفكرة رغم تَفَرُّدها وعدم تقليديتها وخاصة الأب مكاريوس موريس الذي تَشَجَّع للعمل وكان خير سندٍ في تدقيق مُحتواه.
شاهدت أوَّل مشهد في الفيلم وهذا ما جعلني أهتم بأن أُتابعه للنهاية.. هل قصدتم ذلك؟
في الحقيقة.. أول مشهد في الفيلم يُلَخِّص المعنى المَقصود من الفيلم كله، حيثُ يبدأ الفيلم بصياد.. شاب ثلاثيني يمسك بصينَّارته ويضع بها الطُّعم ثُم يُلقي بها ليصطاد، أصوات الأمواج والمياه في خلفية المَشهد ثم يَتَّسِع الكادر فنرى هذا الشاب يجلس في صحراء جرداء تُحيط به الجِبال ولا يوجد أمامِه أي بحر أو مياه بل يجلس على صخرة وأمامه صخور، وصوت أمواج البحر كان صادرًا من سماعة بجوارِهِ، وينتهي المَشهد بهذا التَّعليق الصوتي:
"مفيش مَيَّة.. مفيش سَمَك/ مفيش محبة.. مفيش خدمة"
فالخير الذي يُقَدِّمه الإنسان إنما ينبع من محبته لمن حوله، وقمنا بـ "تضفير" هذا المشهد داخل الفيلم فلم يبدو كأنه مَشهد مُقحَم أو دَخيل، فبعد انتهاء هذا المَشهد يتَّسِع الكادر مَرَّة أخرى لنجده كان معروضًا على شاشة بروجيكتور داخل الكنيسة، يستخدمه أحد الكهنة "وهو القمص اسحق صادق" كوسيلة ايضاح أثناء العظة التي يُلقيها.
أهم ضيوف الفيلم؟
لا يوجَد أحد مُهَمَّش أو غير مُهِم، وهذه هي رؤيتنا في فيلم "البداية"، لذلك كان من أوائل من ظهروا هو "عم عطية" حارس الكنيسة، ولم نبدأ الفيلم برجل أعمال أو شخص من ذَوي السُّلطات وذلك عملًا بوصية الإنجيل: "مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ" رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح 12 الآية 10
ومن المُتكلمين أيضًا، المايسترو م. جورج كيرلس الذي تحدث عن كورال ناظر الإله الذي أسسه في الكنيسة وبدايات فرقة ديفيد الشهيرة بتقديمها للألحان القبطية، والقس بطرس سامي المُهتم بخدمة الحالات الصعبة والفقراء والمُحتاجين، ومدير معهد المشورة القمص مكاريوس موريس الذي أكد على أنه كلما يوضع في موضع مسئولية يُفكر متى سيتركها ويبحث عمن سيكون جديرًا بأن يتولاها بعده، والقمص إسحاق صادق أول كهنة الكنيسة والذي عَرَّف الكهنوت بأنَّهُ: "أُبُوَّة لا سُلطة" والذي أسس كنائس كثيرة بالمعادي وشاركه في هذا الاهتمام القمص رويس رويس، وشارك من أستراليا القمص مرقس يسى مُؤَسِّس خدمة أغصان الكرمة لذوي الاحتياجات الخاصة، وم. ماجد حلمي رئيس الجمعية القبطية بالمعادي الذي كان مهتَمَّا بإبراز روح المحبة التي تجمَع بين كل من في هذا المكان أكثر من التواريخ والأرقام والأعداد، ونيافة الأنبا دانيال أسقف المعادي وسكرتير المجمع المقدس الذي أشاد بعدم اهتمام رُعاة وخُدَّام هذه الكنيسة بالتمسُّك بالمناصب والمسئوليات واهتمامهم بالجوهر لا بالمظهر، ضيوف كثيرين كل شخص منهم له تاريخ في هذه الكنيسة ووكل شخص منهم زرع شجرة مُثمرة تُظلل على كثيرين. كما يوجد أسماء كثيرة لأشخاص بذلوا الكثير من الجُهد ولم يظهروا على الشاشة أذكر منهم كابتن هاني جورج الذي ساعدنا في تنسيق أمور عديدة وأ. نيفين رشدي مديرة المشروع.
حدِّثني عن صُنَّاع الفيلم
بما أنك ذَكرت كلمة "صُنَّاع" فأحب أن أتحدث عن صانع العروسة "عم أمين" وهو صديقي الماكيير الشاطر "جينو" وقد قام بصناعة عم أمين من السيليكون وأحب أن أحكي موقفًا شاهدته بنفسي، ففي صباح أحد أيام التصوير كُنت في استقبال أحد الممثلين وهو الفنان عاصم سامي، وبعد أن جلس، جالَ بعينيه في المكان فوجد بالقرب منه أحد الأشخاص يجلس في الشمس وهو مُبتسم فمالَ إليَّ قائلًا: "إنتم جايبين قزم يمثِّل معانا"؟
فقلت له: "بس بلاش الكلمة دي لأنها ممكن تضايقه.. ده ممثل شاطر تعالى أعَرَّفَك عليه"واقتربنا من "عم أمين" ورغم أن المسافة بينهما أصبحت خطوة واحدة إلا أنه لم يكتشف أن "عم أمين" عروسة.. إلا عندما أخبرته وأنا أضحك "ده عروسة يا أستاذ عاصم رايح تسلم على مين!"
وذلك إن دل فيدل على دقة جينو في صناعة هذه العروسة مما جعلها قريبة جدًّا إلى الواقع وقد عُرِف جينو بأنه ماكيير يُجيد ما يفعله، فقد نشرنا صورة من فيلم "البداية" لجينو وهو يقوم بعمل شخصية البابا كيرلس للفنان عاصم سامي وقد لاقت إعجاب الآلاف وكانت من التعليقات التي كُتِبَت: "ده شبه البابا كيرلس أكتر من البابا كيرلس نفسه"
كما كنا محظوظين بوجود صوت الفنان إيهاب صبحي في التعليق الصوتي في الجزء التاريخي من الفيلم، والمونتير مينا مُحسن وبولا مجدي، والمخرج المنفذ ماريو مكرم الذي بَذَل جُهدًا كبيرًا في هذا العمل ومديرا التصوير مينا ماهر وبولا ثروت، وبالطبع قائد كل هذا الفريق المخرج د. مرقس عادل
عم أمين "الشقي خفيف الظِّل" -العروسة السليكون- هو رمزي بشارة! حدِّثني عن هذه التجربة
لم أكن أعلم أنني سأقوم بصوت عم أمين حتى صباح يوم التصوير داخل اللوكيشن، طلب مني مُخرج الفيلم أن أقوم بدور عم أمين، ففعلت بما إنني المؤلف، ظَنًّا مني أننا سنقوم باستبداله بصوت آخر في المونتاج، لكنني وجدته يطلب مني إعادة إحدى الجُمَل، وبطريقة "انت اللي هتغني يا مِنعم" قرر مرقس أن أقوم أن بصوت عم أمين، فقد كان يُلاحظ طريقة أدائي في البروفات ويبدو أنه اتخذ هذا القرار من وقتها.
العَرض الأوَّل لفيلم "البداية" كان أمام قداسة البابا تواضروس وعشرة من أحبار الكنيسة، ما هي ردود الأفعال بعد عَرض الفيلم؟
لم أكن موجودًا وقت العَرض الأوَّل، لكن تحدَّثت فيما بعد مع أحد آباء الكنيسة وهو القس موسى ميخائيل، وقد نَقَل إليَّ إعجاب الحُضور بالفيلم وكذلك تلقيت رسالة تشجيع من أحد الآباء وهو أبونا يونان سمير، وفي الواقع أنا تَعَوَّدت أن أهتم بعملي وأواصل الليل بالنهار للانتهاء منه بغض النظر عن كلمات الشكر أو المديح بل إنني أميل إلى الاستماع إلى النقد أكثر من الثناء، أيضًا ردود أفعال من شاهدوه على فيس بوك كانت جيِّدة للغاية فقد تلقَّيت مئات الرسائل من أُناس شاهدوه وأعجبهم، وقد أخبرني مُخرج العمل بنفس الشيء فبعد رفع الفيلم مُباشرةً على صفحتيالرسمية على فيس بوك قال لي أنه كان في اجتماع وتليفونه مُغلق وبعد فتحه انهالت عليه رسائل التهنئة فَعَلِمَ أنني قمت برفع الفيلم.
عرفنا رمزي بشارة على أنه شاعر فما الجديد الذي ننتظره منه؟
أُحِب إعداد البرامج،وأجد فيها فرصة لطرح آرائي وأفكاري وإظهار وجهات نظري في موضوعاتٍ كثيرة، وقد استمتعت بهذا الأمر في برامج عديدة من أهمها برنامج "المفكراتي" الذي عُرِض موسمه الأوَّل على شاشة سات 7، لكن الإعداد مهما كان جَيِّدًا سيُصبح كلا شيء مع غياب المُذيع الجَيِّد.
عُرِض عليَّ من عدة جهات تقديم برامج تليفزيونية وربما أقبل أحد هذه العروض قريبًا، حتى أتمكن من قول ما أريده كما أريده.
وأعكف حاليًا على كتابة فيلمي السينمائي الأوَّل، وتباعًا ستستمعون إلى مجموعة من الأغاني مع نُجوم الصَّف الأوَّل تم الانتهاء من تسجيلها، بعضها جاهز للعرض والبعض الأخر في انتظار التصوير.
وفي الوقت القريب بإذن ربنا سيظهر للنور أهم مشروع لاكتشاف المواهب وهو مشروع الخمسين موهوب الذي أعلنت عنه منذ فترة، فقد انتهينا من الكتابة والتلحين والتوزيع الموسيقي والتسجيل للخمسين موهوب "مُتَبَقِّي عدد قليل جدًّا لم يتمكن من التسجيل سنتواصل معهم الأيام القليلة القادمة"وكما هو أعلنت فيما سَبَق لم يقم أي مُشترك بدفع أي رسوم نظير اشتراكه وبنعمة الله تم الإنتاج بالكامل في كل مراحله أيضًا دون أن يدفع أي مُشترك أي رسوم.
نعود إلى فيلمنا مرَّةٍ أخرى "البداية" لماذا هذا الاسم وألا تجده يتعارض مع فيلم البداية لصلاح آبو سيف؟
بالطبع لا يتعارض معه، ففيلم المُخرج الكبير صلاح أبو سيف فيلم سينمائي وفيلمنا فيلم من نوعية الأفلام الـDocudram وقد نجد مسلسلًا يحمل نفس الاسم أو حتى أغنية أو قصيدة.
أما عن لماذا هذا الاسم.. فقد أردنا أن نُشير إلى أن الأعوام الكثيرة التي مَضَت لا تعني أننا قاربنا على إنهاء ما بدأناه، فالمحبة التي نحتفل بإنجازاتها لا تسقط أبدًا ولا تنتهي أبدًا، ورغم أننا بدأنا منذُ خمسون عامًا إلا أننا في احتفالنا باليوبيل الذهبي قررنا أن نبدأ من جديد، بطاقة أكبر ومحبة أكثر.
لذلك في نهاية الفيلم لم نكتب في آخر روول النهاية كلمة "النهاية" كما هو مُعتاد، بل كتبنا "البداية"