«الفضفضة والغرام القديم».. جائحة كورونا تُعيد «أدب الرسائل» للمشهد من جديد
غاب أدب الرسائل عن المشهد الثقافي المصري والعربي لفترات طويلة، وظل وما زال ماتستدعيه الذاكرة الثقافية المصرية والعربية من هذا النوع من الأدب أسماء معدودة على أصابع اليد الواحدة، منها وأشهرها على الإطلاق "رسائل مي زيادة إلى جبران، ورسائل فدوي طوقان إلى الناقد أنور المعداوي".
وفي الفترة الأخيرة شهد المشهد الثقافي المصري والعربي عودة غير متوقعة لأدب الرسائل، حيث قدمت دور النشر المصرية والعربية أكثر من كتاب يصب في هذا الاتجاه منها كتاب "صاح الخير يامنى" للكاتب الصحفي أسامة الرحيمي والكاتبة الروائية منى الشيمي، وكتاب "رسائل ماقبل الآخرة " للكاتب والشاعر أشرف البولاقي، إلى جانب هذا جاء كتاب "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان " بمثابة تأكيد لعودة أدب الرسائل.
"صباح الخير يامنى"
في ذروة جائحة كورونا شهدت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، رسائل بداتها الكاتبة الروائية منى الشيمي إلى الكاتب الصحفي أسامة الرحيمي وجاءت الرسائل في بداياتها كصوت معبر عن حالة الكاتبة التي تعيش تحت الحجر بمدينة الغردقة تستدعي فيها بصوت عال وبوضوح وبمحبة لقاء زوجها "الرحيمي" الذي يعيش بالقاهرة في ذلك الوقت.
وتوالت رسائل الشيمي إلى أن رد الرحيمي برسائله، والتى كانت بمثابة رسائل حوارية فيها تطواف فني وأدبي وسياسي واجتماعي في كل مجالات الحياة بدءا من المطبخ وصولا للأحداث السياسية الكبرى التى نعيشها، لتظهر من بعد في كتاب تحت عنوان "صباح الخير يامنى" عن دار ابن رشد.
عن عودة أدب الرسائل يقول الكاتب اشرف البولاقي "لا يمكننا الجزم أن أدب الرسائل يشكل ملمحًا بارزًا في ثقافتنا العربية، لكن يمكن الإشارة إلى أنه كان موجودًا، يظهر ويختفي بين فتراتٍ زمنية مختلفة ومتباينة، عرفناه في أدب ما قبل الإسلام، وما تلاه من عصور أدبية، لكنه في تلك المراحل غلبت عليها أدوات الإنشاء والبلاغة العربية في صورتها الأولى."
ويتابع البولاقي "ثم عاد كقيمةٍ أدبية في عصورنا الحديثة، وتمثل في نماذجَ كثيرة بين أدباء ومثقفين، أو بين أديبات وأدباء مثل تلك التي تبودِلت بين جبران ومي زيادة، أو بين أنور المعداوي وفدوى طوقان، وغيرهم ... إلى أن اختفت مرة أخرى."
و أوضح البولاقي "ومن خلال متابعاتنا المتواضعة للمشهد الثقافي المعاصر، يمكن القول إن أدب الرسائل عاد ليطِل مرة أخرى على استحياء، محاولا ممارسة فعاليته القديمة بروحٍ جديدة ومعاصرة، غلبت عليها فكرة البوح والفضفضة، فكرة التأمل وطرح عدد من أسئلة الوجود والمصير والخوف من الاغتراب، وهي كلها آليات خلت منها رسائل العصور القديمة التي اعتمد جزء كبير منها على فكرة مناقشة الأفكار والمفاهيم".
وعن كتابه "رسائل ماقبل الآخرة" “لا أمتلك رفاهية تصنيفه باعتباره أدب رسائل أم لا، لكنني أظن أن منطلقاتِه لا تختلف كثيرًا عن منطلقات أدب الرسائل تلك المعاصرة التي أشرت إليها، حَمل الكتاب رسائل قصيرة تنعي الواقع الثقافي، منطلقًا من حالة البؤس التي يعيشها الكاتب أو المثقف وهو يرصد التراجع العام، وفساد كل شيء".