محمد على عزب: قصيدة نثر الفصحى الأكثر تواجدا بسبب الخيار الجمالى للشعراء
شهدت الفترة الماضية، هجوما حادا على قصيدة نثر العامية، إذ لا يعتبرها البعض شعرًا، ومازال الكثير من مثقفي مصر، لا يؤمنون بها، ولا بالشعراء الذين كتبوها أمثال الراحل مجدي الجابري، مسعود شومان، ومحمد علي عزب، وغيرهم.
وفي هذا السياق، يقول الشاعر والناقد محمد على عزب في دراسته عن "تحولات الشعر العامي": «خلاصة القول أن شكل الشعر الحر الذى نشأ فى الثقافة الانجلوسكسونية استعارته قصيدة التفعيلة وكيفته مع تراثها الموسيقى المتمثل فى أوزان العروض، وخرجت على صرامة الشكل العمودي وإن ظلت متمسكة بوحدة التفعيلة وضرورات الوزن العروضى. وكذلك استعارت قصيدة النثر التى كانت تكتب فى صورة سطور كاملة شكل الشعر الحر. وكان من حق الشاعر العامية الذى كتب الزجل والقوما والكان والكان والدوبيت والموال أن يجرب هذا الشكل الجديد- الشعر الحر- ويكيفه مع لغته وتراثه الموسيقى المتمثل أصلا فى التنوع والمزج بين الوحدات الموسيقية والتفعيلات المتقاربة واعتصار موسيقى الكلمات عبر تقطيع الجمل الشعرية بين السطور، لإحداث نوعا من التنغيم دون الالتزام بمحددات العروض. فالشاعر العامي لم يكن فى تراثه عمودا شعرياً ليحطمه ويبنى على أنقاضه شكلا جديدا. بل كان لديه تراث قائم على تعدد الأشكال الشعرية ومرونتها، وتنوع الأوزان والقوافي واعتصار موسيقى اللغة بعيدا عن ضرورات العروض وقيودها. ومن منطلق التجريب كما ولدت قصيدة العامية الحرة، ولدت قصيدة النثر العامية التى تبحث عن تشكيل جمالى للتجربة الشعرية دون الاتكاء على الموسيقى الصوتية.
وكتب «عزب» أيضا في هذا المضمار مقالا بعنوان «بين الوزن واللا وزن وغياب الرؤيا والتشكيل الجمالي» متحدثا فيه عن قصيدة نثر العامية، وكيفية الحكم عليها، وقصيدة التفعيلة مؤكدا أنهما ليس بينهما صراع وجود بقوله: «الذائقة التى رفضت قصيدة النثر لأنها بلا وزن، والمقصود بالوزن عند تلك الذائقة هو الوزن العروضى فقط؟!، تلك الذائقة أصبح لها الآن مثيلا مضادا.. حيث أنك تجد بعضهم يربط بين الحداثة وما بعدها بانتفاء الوزن من الشعر، ولا يقصد هؤلاء الوزن العروضي فقط، بل الوزن الحر القائم على المزج بين التفعيلات دون ضرورة عروضية والنبر والتنغيم واعتصار موسيقى كلمات اللغة كما فى قصيدة العامية. ولا أخفى انحيازى الجمالي لقصيدة العامية القائمة فى موسيقاها الصوتية المسموعة على اعتصار موسيقى اللغة والدمج بين التفعيلات بما تتطلبه ضرورة الشعر وليس ضرورة العروض. لأننى حفيد الزجالين والموّالين (شعراء الموال)، والمزركشين (شعراء القُوما والكان وكان)، والمواوية (شعراء المربعات والدوبيت)، وهؤلاء لم يشغلهم الوزن العروضى بل كان يقال عن أوزانهم «صاحب ألف وزن قشلان».
وعندما جرب الدستور المكرم أستاذنا المعظم «فؤاد حداد» ورفيقه عمنا وأستاذنا «صلاح جاهين». شكل الشعر الحر القادم من الثقافة الانجلوساكسونية جرّبه وفقا لتراث العامية الشعرى القائم على التنوع والمرونة وعدم الالتزام بضرورات العروض. وأرى أن قصيدة النثر العامية التى لم أكتبها تجربة شعرية أجاد فيها بعض الشعراء وفقا لضرورة شعرية فى تجاربهم مثل «مدحت منير ويسرى حسان ومجدى الجابرى وحاتم مرعي» وغيرهم. هؤلاء شعراء حقيقون كان لهم خيارهم الجمالي الذى أبدعوا من خلاله هذا فيما يخص العامية وشعرها وشعراؤها الذين لم يدخلوا فى صراع بين الشكل الحر، لا أقول التفعيلي، وبين الشكل النثرى.
أما فى شعر الفصحى فالصراع بين الشكلين التفعيلى والشكل النثرى كان وما يزال يعلو صوته تارة فيصبح ضجيجا، وتارة يخفت ويصبح همسا.
وقصيدة التفعيلة تجديد وخروج على الشعر، وإن كانت تلتزم بنفس ضرورات ومبررات العروض الخليلى ووحدة البحر فى القصيدة الواحدة. قصيدة النثر تبحث عن شعريتها الخاصة والجديدة فى النثر. الأولى شكل شعرى والثانية شكل آخر وليس بينهما صراع وجود. وإن كانت قصيدة النثر الفصحى هى الأكثر تواجدا فذلك مرجعه الأول هو الخيار الجمالى للشعراء أنفسهم.
وقصيدة التفعيلة وقصيدة العامية أشكال شعرية حداثية، والمهم فى الشعر أن يكون شعرا، بوزن أو بدون وزن لا يهم، ومن القول، الإشارة إلى أن «الشعر رؤيا مشابهة للحلم وتحليق بأجنحة الخيال»، وصياغة الرؤيا بلغة مشخصة واصفة توحي وتوميء وتشير بلغة رامز وليست مباشرة.
يذكر أن محمد على عزب، مواليد 1975، ابن مدينة طوخ في محافظة القليوبية، شاعر وناقد، وحائز لجائزة مؤسسة أخبار اليوم فى ديوان شعر العامية 2010، جائزة أحمد فؤاد نجم فى نقد شعر العامية 2016، وله دواوين «أوراق خريف العشق»(2001)، و«بعلم الوصول» (2003)، و«تشخيص على مسرح مكشوف» (2014)، و«ملامح بتكره البراويز» (2018)، وصدرت له أيضا ثلاثة كتب نقدية: «عن تحولات الشعر العامي» (2014)، و«أمل دنقل أيقونة الرفض والمفارقة» (2014)، و«تجليات طائر العمر الجميل.. دراسة فى شعر سيد حجاب» (2018).