وائل خورشيد يكتب: لماذا فقد الجمهور عذريته؟
لم تعد الأمور كما كان في السابق، حيث كانت تجتمع الأسرة أمام شاشة التلفزيون تتابع العمل الدرامي بحب شديد، ودون إبداء أي ملاحظات تجد الجميع معجبون بكل شيء، أو بمعنى أدق، لا يهمهم شيء، طالما أن العمل أشبع شغفهم.
قبل أيام، ولأسباب مجهولة، قررت مشاهدة فيلم «عمر وسلمى» (2007)، من جديد، ربما هي حالة حنين للماضي، ومن قبله شاهدت «عيال حبيبة» (2005)، سألت نفسي.. ماذا لو عرضت هذه الأعمال في 2021 وتناولها جمهور السوشيال ميديا بالنقد؟
أعتقد الأمر لا يحتاج تفكيرا طويلا للإجابة، فالنتيجة هي هجوم ساحق، على كل تفاصيل العمل، من سيناريو وتمثيل، والقصة بشكل عام، وطريقة التصوير، والأفكار المقدمة، وكل شيء.
هنا يحل موضع السؤال الرئيسي.. ماذا حدث للجمهور؟
المشاهد القديم المسالم لم يعد له وجود على الساحة، أو هو موجود، ولا تسمع له حسا، الأسرة التي كانت تنتهي من المسلسل، فتشاهد حلقة برنامج لطيفة للحديث مع نجومه، ويكون كل شيء في إطار الثناء والإطراء، لم تعد كذلك. الآن الجميع يحملون هواتفهم، يقرأون هنا وهناك، ويتابعون ردود الأفعال، كما يقارنون بالأعمال الأمريكية والأوروبية والهندية، وحتى الآسيوية.
ميزة الإنترنت كانت وبالا على صناع الدراما والسينما، فمن جانب فتحت بابا لسرقة الأعمال عبر المواقع المختلفة، ومن باب آخر كشفت عورات الصناعة، عندما وضعتها في مواجهة مع العالم.
ولكن الأهم من ذلك أنها أفقدت الجمهور عذريته النقدية، فأصبح الجميع متمرسا في رزيلة النقد، كما تستخدم، رغم أن النقد بالأساس يكون بناء، فالحركة النقدية تدفع الإبداع للأمام، ولكن ظهر بجانب هذا حركة عبثية، هدامة، تملك من المعلومات القليل، ومن الصوت الكثير.
السوشيال ميديا في مطلع القرن الـ21 لم يكن لها جمهور عريض، ولكن مع تزايده، وذلك أيضًا بفضل توسع انتشار الإنترنت وزيادة السرعات والباقات، أصبح الجمهور ينفس عن كل غضبه من الحياة، في شيئين فقط، هما الكرة والفن.
لا يمكن أن أعيب على الجمهور طبعا انتقاده، لأنه في الأخير أصبح أكثر وعيا، طالما تصدر الكلمات عن شخص متزن، فالآن نقرأ التحليلات، ونتابع كل شيء، ونعيد ونزيد ما فاتنا، وهناك عشرات القنوات على يوتيوب تقدم مراجعات، وفي الكرة هناك برامج تحليل كثيرة، وأيضا بعض الحسابات المؤثرة على السوشيال ميديا.
كل هذا كون وعيا، ربما غير مقصود لدى الجمهور، دفعه لأن لا يقبل بسذاجات كثيرة كانت تقدم في الماضي، وهو ما جعل بعض نجوم ما قبل القرن الـ21 «يطلعون المسرح» بالتعبير الدراج، إذ أخذ الشباب ينقبون في الأعمال القديمة من الثمانينات والتسعينات، وقبلها، عن مشاهد شديدة السذاجة، ويعيدون عرضها مذيلة بعبارات ساخرة. هذه الدراما كانت تمر فيما مضى مرور العظام والمبدعين، ولكن الآن لم يعد الأمر كذلك.
رأينا رد فعل الجمهور مؤخرا على أعمال كثيرة منها مثلا مسلسل «الملك» والذي تعرض لهجوم شديد، انتهى في الأخير بوقف تصوير المسلسل، وعرضه على مختصين لمراجعته. ونقد شديد لأعمال أخرى أثناء وبعد عرضها، أدى لصدور قرارات شديدة من شركات الإنتاج للتعامل مع الموقف.
البشر عموما، والمصريون خصوصا، والجمهور تحديدا، لم يعد يقبل بالاستسهال، ولا بالمروغات، ولا بأن يعتبره صناع الفن أو الكرة، إنه مجرد دمية تشاهد وتصفق، ولكنه قرر أن يتكلم، ومع إتاحة والسوشيال ميديا مساحة كافية للحديث، انفجر في وجه صناع الإبداع.
لكل متابع، سيدرك أن النقد الشديد، ساهم بشكل ملحوظ في تطور صناعة الفن على وجه الخصوص، وإن كان هناك بعض عيوب الماضي مازالت عالقة في ذيول التكوين، ولكن هناك تطور مدهش في كل شيء يخص الصنعة، ومع استمرار هذا الحال، أعتقد خلال السنوات المقبلة سنشهد فنا ينافس على مستويات قد تتخطى الوطن العربي، بالفعل لدينا مخرجون شبان وأعمال مستقلة نجحت في المنافسة والفوز بجوائز عالمية، ولكن الربط بين هذا والعمل الجماهيري، في فن جامع سيكون شيء عظيم وخطوة قادمة متوقعة.
أعي جيدا أن الجمهور حاد للغاية، اختبرت ذلك بنفسي، ويختبره كل من يتصدى للكتابة للمجال العام، فحتى لو أنك قلت إن القمر منيرا، ستجد أحدهم يسبك، ويقول شيء آخر، ولكن في النهاية، اللعبة الحلوة تنتصر، وصوتها يكون أعلى من أي شيء.